كواليس الجولة الجديدة في مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني.. هل تكون الأخيرة؟
انتهت الجولة الجديدة من مفاوضات فيينا النووية، أمس الأول الإثنين، وعادت الوفود إلى عواصمها من دون التوصل إلى حلول للقضايا المتبقية وإبرام الاتفاق النهائي، لكن كالمعتاد تتحدث بعض الأطراف المشاركة في المفاوضات عن تحقيق “تقدم” في هذه الجولة، التي اختلفت عن سابقاتها.
وكان التطور الأبرز توزيع المنسق الأوروبي، أنريكي مورا، لأول مرة “نصا نهائيا” للاتفاق بين أطراف المفاوضات، داعيا طهران وواشنطن إلى قبولها، واتخاذ القرار بشأن القضايا الخلافية التي ظلت مفتوحة من دون حل في النص.
وجاءت هذه الجولة من المفاوضات النووية بعد توقفها في فيينا لخمسة أشهر، استمرت فيها المفاوضات بصيغة مفاوضات غير مباشرة عن بعد بين طهران وواشنطن، بوساطة الاتحاد الأوروبي وأطراف إقليمية. وكانت مباحثات الدوحة أواخر يونيو/ حزيران الماضي، أهم محطة تفاوضية بهذه الصيغة، حيث اجتمع الوفدان الإيراني والأميركي في مفاوضات غير مباشرة بالعاصمة القطرية، وكان مورا، ساعي البريد بينهما على مدى يومين، قبل أن تنتهي من دون الوصول إلى حل. ثم جاءت مفاوضات فيينا الأخيرة، وهي بالأساس استكمال لمفاوضات الدوحة، حيث جرت أيضا بين الوفدين الإيراني والأميركي بشكل غير مباشر، ولم يشارك فيها كبار مفاوضي فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
“تحفظات” إيرانية
جدول أعمال جولة فيينا الجديدة التي انعقدت من الخميس حتى الإثنين، كان بحث مسودة النص النهائي التي قدمه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في 20 الشهر الماضي إلى كل من واشنطن وطهران، لكن الأخيرة سجلت عليها “تحفظات”، داعية بوريل إلى إجراء المزيد من النقاش حول الأفكار الأوروبية، مع تقديمها “أفكارا إيرانية”، حسب ما كشف عنه “العربي الجديد” في 31 يوليو/ تموز الماضي، وذلك لأول مرة حول الرد الإيراني على المقترح الأوروبي، نقلا عن مصادر مقربة من المفاوضات النووية. وأضافت المصادر حينها أن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قدّم “تحفظات” بلاده في اتصال هاتفي مع مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في 27 الشهر الماضي.
عاد المفاوضون إلى بلدانهم، بعدما سلّمهم المنسق أنريكي مورا “نصا نهائيا”، مساء الإثنين. وسرعان ما أعلن متحدث باسم الخارجية الأميركية، موافقة واشنطن على النص الأوروبي، لترمي الإدارة الأميركية بذلك الكرة في الملعب الإيراني، لكن على الضفة الإيرانية، لا موافقة بعد. فقد أعلن مسؤول بالخارجية الإيرانية، لم تذكر هويته، الإثنين، أن الوفد الإيراني قدّم “تحفظاته” على الأفكار الأوروبية في فيينا، لكنه قال في الوقت ذاته، إن ما طرحه الاتحاد الأوروبي “بحاجة إلى دراسة شاملة” في طهران بعد عودة الوفد الإيراني، واعدا بإرسال “الملاحظات التكميلية” لاحقا إلى المنسق الأوروبي وبقية أطراف المفاوضات.
“لا نص نهائي”
في السياق، قال مصدر إيراني مسؤول، رفض الكشف عن هويته، مساء أمس الثلاثاء، إن “لا نص نهائيا بالمفاوضات. والحديث عن وجود هذا النص مدفوع بالسعي لممارسة الضغط علينا”، مضيفا أن “النص سيصبح نهائيا عندما يوافق عليه جميع الأطراف، والأفضل اعتبار هذا النص على أساس أنه العرض الأوروبي للاتفاق وليس النص النهائي”.
ويتابع المصدر ذاته قائلا: “المسودة الأوروبية هي أفضل بكثير من المسودات السابقة، لكن مطالبنا فيها لم تتم الاستجابة لها كما ينبغي وتحفظاتنا مازالت قائمة بدرجات متفاوتة بشأن القضايا الثلاث المتبقية. فكيف يتحدثون عن نص نهائي؟”. وفيما أكد “حصول تقدم في الجولة الأخيرة”، استدرك بالقول “لا اتفاق ما لم تحترم مطالبنا المتبقية ولم تعالج تحفظاتنا على المسودة الأوروبية. قدمنا ما يكفي من تنازلات لإظهار الإرادة وحسن النية بغية التوصل إلى اتفاق”.
إيران سترد قريبا على المسودة الأوروبية، بعد إجراء مناقشات داخلية في مجلس الأمن القومي، كما قال المصدر الإيراني، مؤكداً أن “المشاورات مستمرة مع الاتحاد الأوروبي ولم تنته المفاوضات كما يدعي البعض … ولا مهلة ولن نقبل بها للرد على العرض” الأوروبي.
والقضايا الثلاث المتبقية التي أشار إليها المصدر الإيراني، هي ذاتها التي كشف عنها العربي الجديد أواخر الشهر الماضي قبل إطلاق الجولة التفاوضية الجديدة، تتمثل في الضمانات (لاحترام الاتفاق) ونطاق العقوبات (المطالبة برفع المزيد من العقوبات وآلية رفعها) وملف الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تطالب طهران بضرورة إنهاء ملف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ثلاثة مواقع إيرانية مشتبهة بممارسة أنشطة نووية، قبل أي اتفاق بالمفاوضات.
والأحد الماضي، كشفت مصادر مقربة من مفاوضات فيينا لـ”العربي الجديد” عن أن ملف الخلافات بين طهران والوكالة “بات الأهم” بين الملفات الخلافية، ولم يحرز بشأنه تقدم، على الرغم من “تقدم جيد” قد حصل في الملفين الآخرين، خلال الجولة الأخيرة.
ماذا جرى في اليوم الأخير؟
إلى ذلك، كشف مصدر مطلع على المفاوضات النووية في فيينا، اليوم الأربعاء، عن بعض تفاصيل ما دار في خمسة أيام من المفاوضات الأخيرة، قائلا إن المنسق الأوروبي أنريكي مورا بعد “مشاوراته المكثفة” على مدار خمسة أيام مع الوفدين الإيراني والأميركي و”اطلاعه عن قرب على التحفظات الإيرانية” على النص الأوروبي و”الردود الأميركية” عليها، صاغ في نهاية المطاف “نصا نهائيا” يتضمن حلولا للقضايا العالقة، شمل “تعديلات جزئية” على النص الذي اقترحه بوريل خلال الشهر الماضي.
وأضاف المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أنه “لم يكن هناك موعد مسبق لإنهاء الجولة الأخيرة للمفاوضات، وكانت التوقعات أنها ستستمر لأيام أخرى، لكن مساء يوم الإثنين (الماضي)، التقى السيد مورا كبير المفاوضين الإيرانيين، (علي باقري كني) وسلمه النص النهائي في 25 صفحة”، وذلك بعد لقائه المبعوث الأميركي للشأن الإيراني، روبرت مالي.
وأشار المصدر إلى أن مورا طلب من المفاوضين الأميركي والإيراني إبداء الرأي بشأن النص النهائي بـ”الموافقة أو الرفض”، مؤكدا أنه سرعان ما حصل على الرد “الإيجابي” من المبعوث الأميركي روبرت مالي، “لكن السيد باقري كني أبدى استغرابه من الأمر وأكد أن الحلول (المقترحة في النص للقضايا الباقية) لا تلبي مطالبنا”.
وكشف المصدر ذاته أن باقري كني أصر في اللقاء الأخير مع مورا على تحفظاته بشأن المقترحات الأوروبية و”ضرورة مراعاتها في الحلول”، متحفظا على إطلاق وصف “النهائي” على النص المقترح، مع تأكيده أنه لا يملك القرار للرد “النهائي” عليه، ليقرر العودة إلى طهران لنقل النص الأوروبي، واعدا مورا بالرد عليه “قريبا” بعد دراسته في طهران.
من جهته، أبلغ المنسق الأوروبي أنريكي مورا، كبير المفاوضين الإيرانيين، أن “المفاوضات قد استنفدت والنقاشات قد تمت بالقدر الكافي ولا تحتمل أكثر من ذلك ويجب اتخاذ القرار”، وفق المصدر ذاته.
وأوضح المصدر المقرب من المفاوضات في فيينا، أن الجانبين الأميركي والأوروبي يرفضان طلب إيران إغلاق ملف التحقيقات بشأن المواقع الإيرانية الثلاثة، قبل أي اتفاق، مع تأكيدهما أن ذلك يلحق “أضرارا كبيرة باستقلالية” الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن هذا الموقف الغربي لم يمنع بحث أفكار عدة بشأن طريقة التعاطي مع هذا الملف، وفق المصدر ذاته، الذي أضاف أن “الجانب الغربي يؤكد أن قضية المواقع الثلاثة نشأت بعد تنفيذ الاتفاق النووي وهو ملف مستقل يجب معالجته وعدم ربط الاتفاق به”. وأشار إلى أن إيران من جهتها تؤكد ضرورة إغلاقه على غرار ما حصل في ملف “الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني” أو ما يعرف اختصارا بـ”PMD”، حيث أغلق هذا الملف مع الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وفق جدول زمني.
وأضاف المصدر ذاته أن الأطراف الغربية مع تحديد جدول زمني لحل الخلافات بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد الاتفاق على إحياء الاتفاق النووي، لكن الوفد الإيراني “أصر على إغلاق الملف قبل أي اتفاق”.
استبعاد عقد جولة جديدة
وكانت إيران والأطراف الغربية قد اتفقت في مارس/ آذار الماضي على آلية لحل القضايا العالقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث زار حينها المدير العام للوكالة، رافاييل غراسي طهران، واتفق مع رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، على جدول زمني لمدة ثلاثة أشهر حتى نهاية مايو/ أيار لحل الخلافات. لكن ذلك لم يحصل مع نهاية المدة، إذ قدم غروسي بعد ذلك تقريرا إلى أعضاء مجلس محافظي الوكالة، متهما فيه طهران بعدم التعاون في الرد على أسئلة الوكالة الدولية بشأن المواقع الثلاثة. وبناء على ذلك، قدمت واشنطن والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، مشروع قرار أمام مجلس المحافظين بالوكالة، تبناه في الثامن من يونيو/ حزيران الماضي، ما ردت عليه الحكومة الإيرانية بإطفاء 27 كاميرا مراقبة موضوعة في منشآتها النووية بموجب الاتفاق النووي، فضلا عن تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة.
وبعد فشل هذه التجربة، طرحت خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية، عدة جداول زمنية، أقصر مدة في إطار أفكار لإنهاء هذه العقبة “الأهم” أمام التوصل للاتفاق، وعاد الوفد الإيراني إلى طهران، ومعه هذه الأفكار لمناقشتها واتخاذ القرار بشأنها، فضلا عن حلول أوروبية مقترحة أخرى بشأن بقية القضايا.
وعن طبيعة الرد الإيراني على النص الأوروبي “النهائي”، يؤكد المصدر المطلع على المفاوضات في فيينا، أن “الجانب الإيراني أبدى في المفاوضات الأخيرة غلظة وإصرارا على مواقفه، وليس واضحا ما اذا كان الرد النهائي بهذه الدرجة من الغلظة، لكن في ظل المرونة التي أبدتها طهران في التخلي عن مطلب رفع الحرس من قائمة الإرهاب، فليس مستبعدا أن نشهد مثلها في الملفات المتبقية”.
واستبعد المصدر عقد جولة تفاوضية أخرى على غرار الجولة الأخيرة في فيينا، “إلا بعد حلحلة القضايا العالقة وعودة الوفود لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق تمهيدا لاجتماع وزراء الخارجية للتوقيع عليه”.