750 طفلا يقبعون فيها.. سجون في سوريا بتمويل بريطاني
صحيفة "تلغراف" البريطانية لفتت إلى أن وفاة فتى أسترالي مطلع يوليو/تموز الماضي سلطت الضوء على نظام السجون الذي تديره ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، وكيف أصبح بمثابة "ثقب أسود يبتلع عشرات الأطفال"
كشفت صحيفة “تلغراف” البريطانية (Telegraph) عن الوضع المزري الذي يعيشه المئات من الأطفال داخل سجون في مناطق سيطرة ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، وذلك بتمويل من الحكومة البريطانية.
ولم تجد الصحيفة البريطانية ما تصف به تلك السجون سوى أنها “ثقب أسود” يبتلع الأطفال، تحت حراسة مشددة ودون أي متابعة طبية أو توفير الطعام اللازم.
وقد تعرض بعض الأطفال لإصابات لا يمكن علاجها داخل السجون، ومع ذلك لا يتم نقلهم لتلقي العلاج، فيما أصيب آخرون بالسل الذي ينتقل بين الأطفال المحتجزين بسبب غياب التهوية داخل الزنازين.
هجوم سجن “غويران”
ويقدر عدد الأطفال المعتقلين بـ750 طفلا، أعمار بعضهم 9 أعوام، بينهم غربيون وبريطاني على الأقل، قابعون بدون أمل ولا يتلقون أي تعليم أو زيارات عائلية في سجن بشمال سوريا تم بناؤه للأشخاص الذين يعتقد أن لهم علاقات مع تنظيم الدولة الإسلامية، ولم توجه لهم تهم بارتكاب جريمة، فضلا عن محاكمتهم.
وتفجرت قضية هؤلاء الأطفال بوفاة طفل من أصول أسترالية في بداية يوليو/تموز الماضي، مما سلط الضوء على نظام السجون الذي تديره القوات الكردية وكيف أصبح بمثابة “حفرة سوداء تبتلع العشرات من الأطفال”، وفق الصحيفة.
وتوفي عدد من الأطفال خلال الهجوم الذي قام به تنظيم الدولة في يناير/كانون الثاني الماضي على سجن “غويران”.
وحسب فيونوالا ني أولاين المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق ما تسمى “مكافحة الإرهاب”، فإن هناك أكثر من 100 طفل اختفوا منذ ذلك الهجوم “البعض منهم قتل خلال الهجوم، وآخرون تم نقل بعضهم إلى وجهة مجهولة، وهذا ما نسميه في القانون الدولي بالإخفاء القسري”.
وتقول صحيفة “تلغراف” إن “قوات سوريا الديمقراطية” ترفض ترحيل الأطفال المرضى أو الذين تعرضوا للإصابة خلال الهجوم، وذلك تحت مبرر أن هؤلاء الأطفال يشكلون خطرا على الأمن.
تمويل بريطاني
وبعد نهاية المعركة مع تنظيم الدولة عام 2019 احتجزت “قوات سوريا الديمقراطية” حوالي ألف شخص متهمين بالانتماء للتنظيم، بينهم 750 طفلا، معظمهم كانوا سوريين وعراقيين.
وتتجاهل العديد من الدول الدعوات لاستعادة مواطنيها، حيث تتذرع المملكة المتحدة بأن هؤلاء يشكلون خطرا أمنيا وقامت بسحب الجنسية من بعضهم، إلا أنها أبدت رغبتها باستعادة الأطفال فقط، وبدلا من إعادتهم استثمرت المملكة في تعزيز السجون بشمال شرق سوريا.
ورغم رفض وزارة الخارجية والتعاون الدولي البريطانية الحديث عن تمويل مباشر لهذه السجون فإن تصريحا لأحد قادة التحالف الدولي ضد الإرهاب كشف أن المملكة المتحدة قدمت حوالي 20 مليون دولار لتمويل هذه السجون.
شبح التجنيد
بدوره، حذر رئيس منظمة “إغاثة سوريا الخيرية” عثمان مقبل من استغلال هؤلاء الأطفال في أعمال قتالية في المستقبل وتجنيدهم لصالح “قوات سوريا الديمقراطية” أو غيرها من المجموعات المسلحة.
وأكد الناشط الحقوقي والإنساني -الذي يوجد حاليا في مخيمات احتجاز أطفال ونساء المقاتلين السابقين في تنظيم الدولة شمالي العراق- في حديثه مع الجزيرة نت أن “الوضع في هذه المخيمات مزرٍ جدا وغير إنساني أبدا”.
وكشف مقبل أن هذا الملف مطروح على الأجندة السياسية والحقوقية في بريطانيا “وكنا نحضر برفقة عدد من البرلمانيين المؤثرين التابعين لحزب المحافظين من أجل القيام بزيارة بعض مراكز الاحتجاز في العراق والقيام بحملة كبيرة من أجل إطلاق سراح الأطفال المعتقلين في الشمال الشرقي لسوريا، لكن استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أجلت كل مشروعنا”.
وفي تقدير مقبل، فإن الحكومة البريطانية “لا تريد أن تعيد هؤلاء الأطفال وكذلك النساء رغم أنه لا ذنب لهم في كل ما حدث”، مستدركا أن إدماجهم في المجتمع البريطاني عملية سهلة عوض الإبقاء عليهم في هذه السجون وتحويلهم إلى مشاريع متطرفين وتجنيدهم في صراعات مسلحة قادمة”.
ملاحقة بريطانيا قضائيا
من جهته، وصف المحامي البريطاني من أصول سورية بسام طبلية في حديثه مع الجزيرة نت تمويل الحكومة البريطانية مراكز اعتقال الأطفال بـ”الفضيحة الأخلاقية والقانونية التي سيكون لها ما بعدها”.
وبين المحامي والناشط الحقوقي السوري كيف أن الحكومة البريطانية خرقت القانون بتمويل هذه السجون “أولا: هي تتعامل مع مليشيا غير معترف بها، وليس هناك أي قانون محلي أو دولي يسمح بذلك، وثانيا: تمول احتجاز الأطفال الذي لم يذنبوا ولم يقترفوا أي جريمة، ومصير عدد منهم مجهول، وهذا يعني التواطؤ في جريمة الإخفاء القسري للأطفال”.
وشدد طبلية على أن “التقارير الحقوقية الأممية تثبت تورط قوات سوريا الديمقراطية في انتهاكات حقوقية صارخة، فكيف هو الحال بالنسبة للحكومتين الأميركية والبريطانية وهما تقدمان لها تمويلا سخيا لاعتقال الأطفال؟!”.
وتوقع المحامي أن هؤلاء الأطفال “في حال استطاعوا الخروج سالمين فلهم الحق في ملاحقة المملكة المتحدة قضائيا في المحاكم البريطانية، لأن القانون البريطاني يمنع الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري ولا يعترف بالتعامل مع المليشيات المسلحة”.