الإفلات من العقاب.. أزمة كبيرة تهدد السلم المجتمعي بالضفة الغربية
تمثل حالة الإفلات من العقاب والمساءلة والملاحقة أحد أبرز الأزمات في السلم والأمن المجتمعي في الضفة الغربية في إطار تزايد الجرائم التي ترتكبها مافيات مسلحة دون أدنى رادع أو ملاحقة، رغم أنّ عددا من عناصر تلك المافيات والعصابات يشار إليها بالبنان، وأصبحت معروفة بجرائمها بحق عدد من الشخصيات الاعتبارية الفلسطينية في الضفة الغربية.
ونفذت مجموعات مسلحة مجهولة خلال السنوات الماضية عمليات إطلاق نار بحق عدد من الشخصيات الفلسطينية المعروفة، وخاصة تلك التي تحمل مواقف مناوئة للسلطة ومشروعها السياسي، كان آخرها محاولة اغتيال الدكتور ناصر الدين الشاعر، الذي تعرض للمرة الثالثة تواليا للاستهداف بالرصاص من مجهولين، ولكنه كان ينجو في كل مرة، إلا أنّ هذه المرة أصابته بجراحٍ بالغة في ساقيه.
وشهد عام 2014، ذروة عمليات الاستهداف للشخصيات الوطنية، كان أبرز تلك العمليات إطلاق النار تجاه الأكاديمي الراحل عبد الستار قاسم، والنائب الثاني للمجلس التشريعي، حسن خريشة، وكذلك القيادي في حماس ووزير الأسرى السابق الراحل، وصفي قبها.
وفي أبشع جريمة استهداف للشخصيات الوطنية الرافضة لمشروع السلطة وممارساتها، أقدمت مجموعات مسلحة تضم عناصر من أجهزة أمنية مختلفة في عام 2021 على إعدام الناشط المعروف نزار بنات، بعد أن عذبته لعدة ساعات دون أدنى رادع، ودون الكشف حتى اللحظة عن آخر ما توصل إليه التحقيق في الجريمة والمسؤولين عنها.
وتعرض القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان خلال العام الحالي لمحاولة اغتيال على أيدي مجموعات مجهولة، وكان عدنان سمَّى بعض شخوصها في فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في حينه، لكن تلك المجموعات لا تزال حرة طليقة تمارس عربدتها واستفزازاتها للمواطنين والشخصيات الاعتبارية في مختلف مناطق الضفة الغربية، بلا حسيبٍ ولا رقيب.
جرائم بلا مبرر
وتعرض عدد كبير من المواطنين -لم يركز عليهم الإعلام- لحوادث إطلاق نار من جهات ومجموعات مسلحة مشبوهة دون أن يلاحقوا أو يُقبض عليهم، في غياب واضح لأجهزة أمن السلطة لضبط حالة الفلتان الأمني الذي يتفشى بشدة في مختلف مدن الضفة.
كما تعرض قبل أيام، منزل الضابط المتقاعد في السلطة الفلسطينية محمود حجاب، لإطلاق نار ما أدى لإصابته بجراح خطيرة جدًّا، واتضح فيما بعض أنّ بعض الزعران أخطأوا التشخيص محاولين استهداف أحد جيرانه، كما تقول عائلته، وحتى اللحظة لم تعتقل السلطة الفلسطينية أحدا من مطلقي النار.
وفي التفاصيل تقول عهد حجاب، إنّ الجريمة بدأت عندما لاحظت وجود مسلحين يحيطون بالبيت، وتوجهت لإخبار والدها، بعد أن اعتقدت أنهم لصوص يحاولون سرقة المنزل، وفور كشفهم، بدأ المسلحون بإطلاق النار داخل المنزل، الوالد ونجله في حالة حرجة بعد تعرضهم المباشر لإطلاق النار.
وكشفت عهد، أن أحد جيران العائلة تواصل معهم، وأخبرهم أنّ لديه تسجيل فيديو يظهر فيه المركبة التي هرب فيها المسلحون بعد الجريمة، وأشارت إلى أنها زودت الشرطة التي حضرت إلى الموقع للتحقيق بالتسجيل.
وقالت إن والدها ضابط متقاعد من الشرطة الفلسطينية، وهو المعيل الوحيد للعائلة، وذكرت أن شقيقها يعاني من إصابة في عينيه أفقدته النظر إلى حدٍّ كبير.
وكشفت عن إصابة شقيقتها “سديل” أيضاً خلال الجريمة، بعد أن أصابتها شظايا الرصاص في قدميها خلال تواجدها قرب باب المنزل، خلال الجريمة.
وناشدت عائلة حجاب، المؤسسات الرسمية والمجتمعية ورئيس السلطة لرفع الظلم عنهم، وقالت عهد: “نحن لم نرتكب أي خطأ أو نتعرض لأحد بسوء، ليقتحم مسلحون منزلنا ويطلقوا النار على والدي وشقيقي، يجب الوصول إلى مرتكبي الجريمة ومحاسبتهم وعدم تسجيلها باسم “مجهول”، لأنهم كانوا ملثمين، التصوير يظهر المركبة التي هربوا فيها من الموقع ويمكن الوصول إليهم بسهولة.
وأضافت: “الاعتداء جرى علينا ونحن لم نكن المقصودين بالخلاف مع هؤلاء المسلحين، والكل يعلم أننا عائلة علاقاتها طيبة مع الجميع، ولم ندخل في أي خلاف أو إشكالية مع أحد”، موضحة أنّ المسلحين كانوا يستهدفون عائلة أخرى في سياق خلاف عائلي قديم، لكنهم أخطأوا في تشخيص المنزل المستهدف.
غياب الإرادة والقانون
ويكشف الحقوقي الفلسطيني عصام عابدين، أنّ غياب الإرادة السياسية وسيادة القانون يهدد السلم والأمن المجتمع والأهلي في الضفة الغربية في إطار تصاعد عمليات إطلاق النار وفوضى السلاح والفلتان الأمني المتفشي بالضفة.
ويوضح عابدين، أنّ ما يجري هو فعليا “تقويض” حقيقي لسيادة القانون، في حين أنّ إطلاق النار عامة في أي مناسبة يُعد جريمة موصوفة ويعاقب عليها القانون، مبيناً أنّ هناك غياب للإرادة السياسية في اعتقال مرتكبي تلك الجرائم ومحاسبتهم ومصادرة أسلحتهم.
ويحذر الحقوقي الفلسطيني، من سياسة التمييز الذي يحصل بين أبناء الشعب الفلسطيني في حيازة الأسلحة، ويضيف: “عندما يكون الشخص الحائز على السلاح ويطلق النار في كل مكان ومناسبة وهنا وهناك من تنظيم معين، أو مدعوم من السلطة التنفيذية، فلا يتم الحديث معه أو محاسبته، أما عندما يكون الأمر فيه شبهة عن سلاح لمقاومة الاحتلال يُصادر ويتم الحبس للشخص الذي يحوزه، عدا عن استخدم مختلف أشكال التعذيب وسوء المعاملة بحقه”.
ويعتقد عابدين، أنّ التمييز يشكل جريمة دستورية مركبة، مؤكّداً أنّ هناك غيابا حقيقيا للإرادة السياسية الحاكمة لضبط ومصادرة هذه الأسلحة.
ويكشف رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، أنّ محاولة اغتيال الأكاديمي والسياسي ناصر الشاعر قبل أيام، سبقها تهديدات علنية واضحة وصريحة، إلا أنّه لم يتم التحرك في إطار مواجهة هذه التهديدات وضبط الفاعلين ومحاسبتهم ما زاد التمادي وارتكاب الجريمة في وضح النهار.
ويقول: “هذا يرجع بصراحة إلى الانهيار المتسارع في النظام السياسي الفلسطيني ككل، نتيجة غياب السلطات العامة، في ظل تغييب المجلس التشريعي، والانهيار الحاصل في السلطة القضائية، ولا أعتقد أنّ الخروج من هذا النفق المظلم والذي سيزداد ظلمة، إلا باحترام الدستور والقانون والعمل دون إبطاء على إجراء الانتخابات العامة، وتمكين المواطن من التعبير عن إرادته في اختيار ممثليه، والبدء بإصلاحات حقيقية وفورية للنظام السياسي برمته”.
غياب للسلطات
بدوره؛ كشف الحقوقي الفلسطيني غاندي الربعي، عن عورات عدة تعتري النظام السياسي الفلسطيني تكمن في تغول وتعدي السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة القضائية، وتغييب السلطة التشريعية.
ويوضح أنّ هناك إفلاتا واضحا من العقاب للمتهمين بتنفيذ تلك الجرائم والجنح، قد تؤدي إلى فقدان الأمن والسلم المجتمعي وتؤثر سلبيا على حياة المواطنين وعلى السلطة على حدٍّ سواء.
ويؤكّد الحقوقي الفلسطيني، أنّ ممارسة السلطة التنفيذية أعمالها دون رقابة من السلطات الأخرى، يشكل حالة من الخطورة القادمة على المجتمع الفلسطيني، ويدفع نحو مزيد من الجريمة في إطار إفلات مرتكبي الجرائم من المحاسبة.