أخبار رئيسية إضافيةمقالات

الداخل الفلسطيني.. التحديات والمستقبل (1)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

 

المقدمة الأولى

هذه سلسلة من المقالات اكتبها حول راهننا المُعاش والتحديات التي تواجه مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني، ورؤية للمستقبل على ضوء بعض الطروحات ذات الصلة بالمستقبليات. فبعيدًا عن صولات انتخابات الكنيست التي أضحت معلمًا للعوار الذي وقعت فيه إسرائيل، مؤسسة وشعبًا، وبعيدًا عن تغلغل التيار الديني الصهيوني الحاريدلي المسياني الخلاصي المتشدد، الذي بات يفرض اجنداته على الساحتين السياسية والاجتماعية والوطنية داخل المجتمع الإسرائيلي وأروقة الحكم فيها، وما له علاقة بالمسجد الأقصى والقدس وواقع وجودنا على أرضنا ووطنا، وكذلك بعيدًا عن مشاركة الأحزاب العربية في انتخابات الكنيست ومشاركة الموحدة في الحكومة القادمة من عدمه، أو دخولها لجج الانتخابات وفوزها من عدمه، فإنَّ كاتب هذه السطور يؤمن أنّ المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل يملك من الوعي ما هو كافٍ لقراءة المحادثات السياسية المحلية والعامة، ومتنبه إلى ما يدور حوله جيدًا، لكن حسابات الفلاح على غير حسابات البيدر أو كما يقولون في الامثال “حسابات البيدر غير حسابات الحقل”. فالفلسطيني في الداخل يقرأ الفعل السياسي ذاته، ولا يهتم كثيرًا بتأويلاته ولا ما أحاط به أو يؤثر عليه، وهو من هذا الباب يعدّ قارئًا للفعل السياسي ومحللًا له، وهذه ميزة لا أزعم أنّ مجتمعنا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني يعايشها، لكن جمعًا واسعًا منهم مدرك لهذه الحالة وإن تعامل معها بنفعية معينة تتحصل منها مكاسب محددة، إذ في اللا-وعي ما يشجعه على ذلك وهو ما سنعمل على سبر غوره في قادم هذه المقالات.

ثمة ثلاث حقائق ستكون الموجه لنا في هذه المقالات: الأولى تتمثل بحالة التفكك والعوار التي تعتور مجتمعنا العربي الفلسطيني المسلم تحديدا في الداخل الفلسطيني، ويمثل الفقر والعنف والتخبط السياسي بيانًا اوليًا لذلك، يقابله تفكك في المجتمع الإسرائيلي تبرز فيه مجموعة أصولية يمينية الموقف السياسي، تعتمد اجندات دينية خلاصية، والحقيقة الثانية أنه على الرغم من التآكل الحاصل في المنظومة السياسية الإسرائيلية واقترابها من أن تكون من ضمن الحالة الشرق أوسطية، تهرول الدول العربية والإسلامية للتطبيع وتحسين العلاقات معها، وهذا بحد ذاته يمكنها مرحليًا من تحسين ظرفها السياسي والعلاقة مع الكل الفلسطيني، وتقديم المزيد من الطروحات المتعلقة بالحل النهائي لهذه القضية، بقابله حالة من التفكك والضعف الفلسطيني سواء تعلق بالسلطة الفلسطينية التي فيما يبدو انهت مهامها وتحولت إلى مقاول امني يعيش على الفتات القادم من خلف البحار واتاوات العلاقة الأمنية، فيما تغرق حماس ببطء شديد في محور ايران متعللة بالتسلح والدفع العسكري، انتظارًا للحظة المواجهة الحقيقية مع الاحتلال الإسرائيلي، في وقت تخترق إسرائيل العمق الإيراني من جهة وتفاوض رأس المال السياسي الإيراني لقدوم النفط الإيراني الى سوريا ضمن معادلات القوى والربح والخسارة في المنطقة، والثالثة تتعلق بالداخل الفلسطيني ككيانية قابلة للحياة باعتبار ان الكيانية المنشقة من كيان وكينونة، تحمل بُعدًا ثقافيا ثاويا في العقل الجمعي والهوية الجمعية، إذ يزعم كاتب هذه السطور أننا امام تحدٍ كبير يتعلق بالشخصية الفلسطينية ذاتًا وموضوعًا (ذاتًا برسم وجودها الفلسطيني والصيرورات التي تتعلق بوجودها كسبًا ودفعًا وبناءً وهدمًا ومتعلقاته الحضارية-الثقافية، وموضوعا برسم الوجود والبقاء على أرض له تملكها غيره برسم القوة ومتدثرات التاريخ والايديولوجيا).

هذه الكيانية التي شرعت بالتشكل مباشرة بعد النكبة كرد فعل مباشر ثاوٍ في النفسية الفلسطينية، تطورت ببطء شديد ووصلت مرحلة مهمة في البناء، تمّ قطعها بعد هبة القدس والاقصى ودخول مفاعيل إسرائيلية ومن خلف البحار أبطأت الصيرورات من جهة وفككت كالسرطان بعضًا من تلكم الممكنات الحضارية التي كان من آثارها حالات التفكك التي يشهدها مجتمعنا العربي الفلسطيني وخصخصته داخليا، بل وتحولت عديد النُخب فيه إلى مقاول وناطق بلسان المؤسسات ذات الصلة بالحكومات الإسرائيلية. وتدافع الداخل الفلسطيني راهنًا داخل المطلبي مغلبًا شهواته الراهنة على ممكناته المستقبلية، لنكون مجتمعا استهلاكيًا بامتياز.

وهذه المقالات ستفحص هذه التحولات ضمن صيرورات تاريخية وراهنة سعيًا للتنبؤ بما يحمله المستقبل لمجموعة بشرية صاحبة أرض، كان تعدادها يوم النكبة كما في بعض الروايات الصهيونية 156 ألفا (شطاندل،ص45) ونمت من 600 الف عام 1990 الى 1.6 مليون عام 2020 وتتوقع الدراسات الإحصائية أن تصبح 2.1 مليون عام 2030 (مركز بيو 2016). واذا كانت كل كيانية تتحصل من مجموعة أفعال واساسات، فإن مجتمعنا في الداخل الفلسطيني يملك من الإمكانيات والقدرات ما يجعله راهنًا يحفظ بيضته.

تشكل الدراسات المستقبلية حقلًا ثريا تهتم به المؤسسات الكبرى والحركات الكبيرة، والدولة التي تحمل رؤى مستقبلية وغايات تسعى لتحقيقها. وهذه المستقبليات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال رؤية تاريخية وعملية تفاعلية بين خبرات الماضي ومعطيات الحاضر وتفكيكه. وفي واقعنا الفلسطيني المخصوص تتداخل عدة حقول معرفية وعلمية وخاصة السياسية، إذ الظاهرة السياسية رهينة ماضيها وحاضرها ومستقبلها وتتعرض للتغيير المكاني والزماني، وهو ما يمنحها البعدين الإنساني والاجتماعي-المجتمعي بفعل تفاعلها المستمر، ولا أُبالغ إذا قلت إن هذا أحد أهم مميزات  المرحلة التي نعيش، ومن نظر إلى واقعنا في الداخل الفلسطيني في العشرية التي نعيش، يعلم جيدًا ما أرنو إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى