معركة الوعي (118) فشلت العملية… المريض قد يموت..
حامد اغبارية
لماذا هذا الإصرار العجيب، المريب، من القائمة الموحدة، برئاسة عضو الكنيست الإسرائيلي منصور عبّاس، على الحفاظ على بقاء حكومة “بنيت” العنصرية بأي ثمن؟
الحقيقة أن الهدف المباشر ليس الإبقاء على الحكومة، بقدر ما هي الرغبة في إثبات ما لا يمكن إثباته، وهو أن في مقدور الموحدة تحقيق المعجزة.
هذا في ظاهر الأمر وما تراه العين وتسمعه الأذن. أما في أعماق أعماقهم فإنهم يدركون تمام الإدراك أن نطحّ السّحاب واعتصار الغيث منهُ بأيديهم أقرب إلى أرنبة أنوفهم من اعتصار أقل إنجاز وتحقيق أصغر وعدٍ صفعوا به وجوه النّاس طوال الفترة الماضية. فحكومات المشروع الصهيوني لا يمكن أن تمنح الفلسطيني في الداخل إلا ما تقرره هي، لا ما يقرره منصور عباس وقائمته، ولا زملاؤه في المشتركة، ولا حتى الذين باعوا كلّ مبدأ وشوّهوا الهوية والانتماء تحت ذات الشّعار- الأكذوبة، من أعضاء الكنيست العرب الذين وصلوا إلى هناك عبر أحزاب صهيونية.
إن مبدأ المشروع الصهيوني وحكوماته في التعامل مع فلسطينيي الداخل هو أنه طالما أن بن غوريون وعصاباته فشلوا في إخلاء الوطن من أصحابه تماما فالسياسة تقتضي عدم إعطائهم أكثر مما يضمن بقاءهم على قيد الحياة مع قليل من “البهارات” على صورة “حقوق مواطنة” هي في الحقيقة “خوازيق” أكثر من كونها حقوقا، ومع الكثير الكثير من دجل “الديمقراطية” وأضاليل “المساواة” الذي يسحرون به أعين البسطاء والجهلة والسفهاء وأصحاب المصالح الضيقة والمطامع الشخصية.
إن حقيقة هذا المشهد العبثي هي أن القائمة الموحدة غرقت حتى التّراقي في مستنقع فخّ المشروع الصهيوني، ولم يعد في إمكانها التراجع، لأن التراجع هو انتحار وإقرار بفشل “النهج الجديد” وسقوط المراهنة على الدخول في ملعب السياسة الإسرائيلية، والتي نُسجت خيوطها في عصر “المؤسس” مطلع تسعينات القرن الماضي!!
من أجل ذلك سيبقى المشهد المأساوي مستمرا، وستبقى الموحدة على ذات “المبدأ”، ومِن خلفها (مجلس شورى) يمدُّها بالفرصة تِلو الفرصة في مسلسل من الفُرص لا تنتهي إلا إذا سقطت حكومة بنيت. حتى إذا جاءت حكومة جديدة، وبغضّ النظر عمّن سيكون رئيسها، بدأت مرحلة أخرى من الانحدار بترخيص “شوريٍّ شرعي”! وهو ترخيص مشروط بشرط واحد فقط لا غير: تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات القادمة…!! وفي الطرف الآخر من المعادلة ستتواصل “زعبرات” أعضاء المشتركة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، على ذات الهيئة التي عهدناها طوال 74 سنة.
هل هذا أمر عجيب؟!
لقد توقفنا عن التعجُّب والاستغراب والاندهاش والشعور بالصدمة منذ زمن بعيد، اللهمَّ إلا من بعض المغص والغثيان.
في آخر تصريح له قال عضو الكنيست الإسرائيلي الدكتور منصور عباس إنه إذا أجريت انتخابات جديدة ونجحت قائمته في عبور نسبة الحسم فإنها ستواصل نهج الانضمام للائتلاف.
هذا التصريح يؤكد ما قلناه طوال الوقت: الغرق في المستنقع يجلب المزيد من الغرق، والتراجع عن “النهج” مستحيل، إلا في حالة واحدة: انقلاب داخل التنظيم الداعم وتشكيل قيادة جديدة تحمل قناعات مختلفة. وهذا في الوقت الحالي يبدو مستبعدا، لكنَّ هناك إشارات وتلميحات هنا وهناك، ربما تحتاج إلى وقت طويل حتى تتصدر المشهد.
لقد كانت أمام الموحدة ورئيسها أكثر من فرصة حقيقية للتراجع والعودة إلى المكان الذي يُفترض أن يكونوا فيه، لكنهم سقطوا في الاختبار، بل في كلّ الاختبارات، ولم ينجحوا إلا في شيء واحد: تضييع كل الفُرص حفاظا على “النهج” وتوهُّما بأن هذا الطريق هو فقط الذي سيوصلهم إلى “الفردوس المفقود”.
ولسنا في حاجة إلى مراجعة كل المحطات التي منحت الموحدة تلك الفُرص للخروج من الورطة وتنظيف “الخُرج” الممتلئ بالكثير الكثير من السقطات. فقائمة المواقف ماثلة حاضرة لا يمكن لأيٍّ من أبناء مجتمع الداخل أن ينساها أو يتجاهلها، وآخرها ما ارتكبه الاحتلال مع جيش المستوطنين في القدس والأقصى في مسيرة الأعلام الأخيرة. ثم ما حدث بعدها من اعتداء قذر على الدكتور محمد حسن سلامة وأفراد أسرته في الأقصى، وهو القيادي البارز من الصف الأول في الحركة الجنوبية، والذي كان يمكن أن يصبح رئيسا لها قبل بضعة أشهر فقط.
تخيّلوا المشهد لو أن الرجُل أصبح رئيسا للجنوبية ثم تعرض لذلك الاعتداء الاحتلالي، بينما منصور عباس الذي أرسلته الجنوبية للكنيست يجلس في ائتلاف الحكومة التي اعتدت على رئيسه (المفترض)!!!
في ذات التصريح قال الدكتور منصور عباس إنه حتى لو نجحوا في تجنيد جميع أعضاء الائتلاف لصالح التصويت على القانون (قانون الأبرتهايد) القاضي بتطبيق القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة عام 1967 فإن القانون ما كان ليمرّ.
ما معنى هذا الكلام؟
لو ربطناه بقوله إن الخروج من الأزمة السياسية قد يكون بالتوجه لانتخابات جديدة ليكون هو جزءا من الائتلاف الجديد، فإنك ستفهم أنه داعم لذلك القانون الاحتلالي الكولونيالي.. هل هناك من فهم التصريح بطريقة أخرى؟؟
خلاصة القول إن المشهد السياسي الإسرائيلي بات على كفّ عفريت، ومصير الحكومة الحالية شبه محسوم، إذ باتت أيامها معدودة، وما يجري وراء الكواليس استعدادا للتحالفات الجديدة القادمة أكثر بكثير مما تسمعه وتراه في الإعلام.
كان الدكتور عباس قد أعلن في وسائل الإعلام العبرية (التي تحبّه حبّا جمًّا) أنه لن يطلب من مازن غنايم الاستقالة بسبب تصويته ضد ذلك القانون الفاشي الاحتلالي، بعكس موقف قائمته الموحدة، مضيفا: “أبحث مع مازن غنايم في مصلحة المجتمع العربي وهو يقرر كيف سيواصل الطريق معنا”…!!
فما هي مصلحة المجتمع العربي؟!!
إنها أشبه ما تكون بـ “مصلحة الدولة اللبنانية” أثناء أزمة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي. ألم يقولوا يومها ذات الكلام، ولم يطلبوا من قرداحي الاستقالة؟ فما الذي حدث في نهاية؟ استقال قرداحي “حفاظا على مصالح الدولة اللبنانية”!! ليبقى لبنان متسولا على موائد لئام السعودية ودول الخليج والبنك الدولي. فيلم هندي طويل لا ينتهي.
نعم… سوف يصل مازن غنايم إلى ذات “القناعة” التي وصل إليها قرداحي، وسيستقيل حفاظا على “مصالح جمهورية المجتمع العربي في الداخل”، وهي مصالح لا أحد يعرف تفصيلاتها وسلم أولوياتها وحقيقة متطلباتها إلا اثنان؛ الموحدة والمشتركة وبسّ!!! أما الباقي فـَ”كُلّه خَسّ”!!
هذه هي حقيقة المشهد؛ مشهد “النهج الجديد” الذي سارت فيه الجنوبية والموحدة. وهي أشبه ما تكون بالعملية الجراحية التي فشلت، ونحن الآن في انتظار إعلان موت المريض.
هل سيموت المريض أم سيُمنح فُرصة أخرى؟؟
ما يهمُّنا هو أن الخروج من المستنقع أشبه بالمستحيل. وحتى لو خرجت منه الموحدة (ولا أظنّها ستفعل) فإن الوقت سيكون متأخرا جدا.