الحلال المبغوض..
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
لقد اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالأسرة، كيف لا وهي النواة الأولى في بناء المجتمع المسلم، وركيزة مهمة يعتمد عليها في صلاح الأمم، لذلك فقد أحاط ديننا الإسلامي الأسرة بهالة قدسية ورباط متين وميثاق غليظ: (… وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا…) وفي ذلك إشارة واضحة إلى قوة ومتانة هذا الرباط المقدس بين الزوجين الذي يصعب حله، وأنه يجب على الزوجين مقاومة الأزمات الأسرية والصعاب المختلفة والوقوف جنبا إلى جنب لمواجهة العواصف الحياتية التي تداهم أسرنا المسلمة، خاصة في ظل الهجمات الشرسة والممنهجة التي تعمل على زيادة التفكك الأسري في مجتمعاتنا المسلمة. لكن وللأسف الشديد أخذ عدد من الأزواج في مجتمعاتنا يتخلون بسهولة عن هذا الرباط المقدس (الزواج) ويستسلمون عند أول مواجهة تعصف به ويرفعون الراية معلنين الطلاق، وفسخ هذا العقد المتين بينهم، ضاربين بعرض الحائط كل العواقب الوخيمة المترتبة على الطلاق. وقد دلّت المعطيات أن نسبة الطلاق آخذة بالازدياد بشكل ملحوظ، ما يشكل ناقوس خطر يضرب بمجتمعنا، لذلك علينا جميعا الوقوف في مواجهة هذا الخطر الذي يداهم أسرنا ويزيد من التفكك الأسري الذي سيؤدي بشكل اضطرادي إلى زيادة العنف والإجرام والانحراف في مجتمعنا، وقد أشارت الإحصائيات التي قامت بها المحكمة الشرعية في البلاد للعام 2019/2020، أن نسبة الطلاق بلغت 32% في العام 2020 بينما بلغت النسبة 30% في عام 2019، مع العلم أن نسبة ملفات الزواج التي افتتحت في العام 2020 كانت 12،739 ملفا، بينما في العام 2019 كان عدد الملفات 14،371، ومن خلال هذه المعطيات نستدل أن هنالك عزوف عن الزواج لدى الشباب وهذه معضلة ثانية تحتاج من أولي الأمر البحث عن الأسباب وإيجاد الحلول- ربما نتطرق لها في مقال منفصل- وأعود وأوضح أنه بالرغم من أن عام 2020 كانت نسبة الزواج فيه أقل، إلا أن نسبة الطلاق ارتفعت فيه! حيث يبين تقرير المحكمة الشرعية أن من كل 10 حالات زواج هنالك 3 حالات طلاق، وأن منطقة القدس كانت في الصدارة حيث كان في محاكمها الشرعية 4000 ملف، كان منها 1000 حالة طلاق!! وعند البحث عن أهم الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، نجد أن هنالك عدة أسباب تتعلق بالزوجين معا أو بأحدهما تكون سببا مباشرا في هدم الأسرة وتفككها، وعلى سبيل الحصر لا القصر سأذكر منها:
- عدم الامتثال للشرع في تعاملات الأزواج مع بعضهما البعض وعدم مراعاة الحقوق والواجبات في تعاملهما مع بعض أو محاولة سيطرة أحد الزوجين على الآخر وإلغاء دور الشراكة.
- غياب الحوار ولغة التفاهم بين الأزواج واستبدالها بلغة العنف على أنواعه، الجسدي والنفسي، ما يؤثر بالسلب على الحياة الأسرية ويسرع في وأدها كليةً أو وأد كل عاطفة وحب كانت من أساسيات هذه الأسرة.
- الانحلال الأخلاقي الذي بات يطغى على الأسر وذلك من خلال التساهل في المحرمات، وتبرير الخيانة لدى الطرفين، لا سيّما في ظل غياب الوازع الديني.
- عدم الكفاءة بين الزوجين، وأشدد هنا على الكفاءة الفكرية والثقافية والميول الشخصية، فتجد كل واحد منهما يعيش بعالمه الخاص.
- الوضع الاقتصادي، وخاصة في ظل جائحة كورونا وتردي الأوضاع الاقتصادية للأسرة في ظل أزمة البطالة. وفي المقابل الخلط بين متطلبات الحياة الأساسية والكماليات، ما يؤدي إلى مشاكل كبيرة في الأسرة تؤدي إلى الطلاق.
- تدخل الأهل في حياة أبنائهم سواء أهل الزوج أو الزوجة وعدم إعطائهم المساحة الكافية للاستقرار في حياتهم الزوجية.
- عدم الصبر والتحمل من كلا الزوجين، وتقبل كل منهما الآخر كما هو، وخفض سقف التوقعات، فالحياة ليست فستانا أبيض ولا بيت فاخر أو عروس جميلة.
- سبب آخر يعود إلى مؤسسة الشرطة التي تثبت في كل مرة تتوجه إليها الزوجات للشكوى على أزواجهن بسبب العنف حيث، تجبر الزوج على الطلاق إن أراد الخلاص من هذا الملف، لأنها لا تضمن أن يعاود العنف ضد زوجته أو السجن لمدة طويلة. هذا ومن الجدير ذكره أن أغلب ملفات الطلاق التي سُجلت خلال الأعوام الماضية كانت لزيجات لم يمض عليها إلا أشهر أو سنوات قليلة مما يشير إلى خطورة الوضع المجتمعي والتهاون بقدسية الزواج ومتانة عقده.
ومن هنا، أتوجه بقلب يعتصره الألم على هذه المعطيات أن يأخذ كل واحد منا دوره في التصدي لهذه الظاهرة المقلقة، وعلى الجهات المسؤولة في كل بلد، العمل على تكثيف حملات توعية للمقبلين على الزواج يتم فيها شرح أهمية الحياة الزوجية وتماسك الأسرة وإظهار الجانب الشرعي الذي يبغض الطلاق ويجعل منه الحل الأخير، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال عند الله الطلاق). لنجعل ميزان حياتنا الأسرية الرحمة والمودة ونعمل بقوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).