كل عام وأنتم إلى الله أقرب
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
لم يتبق إلا ساعات وتُسدل الستارة على مسرح الحياة لنودع عاما من أعمارنا ننهي مع نهايته فصلا من فصول حياتنا ونستقبل عاما جديدا من أعمارنا المتبقية لنكتب أحداثه ومجرياته. عام مضى شربنا من عصيره بحلوه ومره، وعام قادم نرجو على الله أن يكون حلو المذاق على نفوسنا، وما بين وداع واستقبال لا بد لنا من وقفة مع النفس، نرتّب فيها أوراقنا ونحدد أولوياتنا وأهدافنا ونجدول حساباتنا وفق ميزان شرعنا ورضوان ربنا، كيف لا! وهذا سلوك الأذكياء ومنهج الأتقياء الذين آثروا حساب أنفسهم وتزكيتها من الذنوب والمعاصي قبل أن يحاسبهم الله عز وجل. وكما قال الفاروق عمر (رضي الله عنه): حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتزيّنوا للعرض الأكبر على الله.
نعم فالكيس الفطن من حاسب نفسه أولا بأول، وعمل على كبح جِماحها، كيف لا وهي الأمّارة بالسوء، وصمام الأمان لأنفسنا يكمن في المحاسبة والمساءلة، حتى نخرج إلى بر الأمان وفسيح الجنان، لذلك أنصح نفسي وإياكم أن نجعل في كل يوم ساعة أو أقل نجلس بها مع أنفسنا نراجع فيها تصرفاتنا، وأقوالنا ونعرضها على ميزان الشرع، ونحدّد مكانها أهي في كفّة الطاعات أم في كفة المعاصي!؟ وعلينا أن نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به).
فما بالنا نحرق أيامنا ونجعلها هباءً منثورا، ونحن نتّبع الشهوات ونفعل المنكرات ونطلق لأنفسنا هواها؟! وما بالنا بتنا نجري ونلهث خلف الكسب السريع للمال دون مراعاة أو اهتمام لمصدر هذا الكسب، أحلال أم حرام، لا بل وننفق هذا المال على المعاصي ومن أجل التفاخر والتباهي أمام الناس، حتى العلم عند البعض أصبح مجرد ورقة تزين بها الجدران، لأن علمهم لم يردعهم عن فعل المعاصي والذنوب.
مما يتضح أعلاه، أن المحاسبة ركيزة أساسية في شريعتنا، لأنه من خلالها نضمن لأنفسنا البقاء على الطريق الصحيح، كيف لا وهي تعوّد القلب على اليقظة والتدارك واللوم، لأننا عندما نجعل من محاسبة النفس نمط حياة نتدارك الأخطاء ونصلحها وبذلك نطهر قلوبنا وأنفسنا من المعاصي بسهولة كما ننقي الدرن عن الأثواب.
لذلك علينا مع نهاية هذا العام أن نختليَ كل بنفسه ويراجع حساباته السنوية ماذا حقق في العام المنصرم من أهداف دنيوية ودينية؟!! وأين كان التقصير؟!! فالبطولة أن نحاسب أنفسنا حسابا عسيرا في الدنيا ولا نبرر لها (النفس) الأخطاء والمعاصي لتهون علينا تلك المعاصي ونستسهلها، وأهم شيء أن نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله تعالى فيها إلا حسر عليها يوم القيامة).
بالله عليكم كم من الساعات والأيام لا بل كم من السنين سنتحسر عليها يوم القيامة لأننا لم نذكر الله فيها أو لم نقم بعمل صالح يقربنا منه. نعم يا إخوتي ها هي الأيام تتراكض مسرعة نكاد لا نستطيع عدّها وهي محسوبة من أعمارنا فهلمّ لاستثمار ما تبقى من أيامك على هذه الدنيا بتجارة رابحة تنجيك في الدنيا والآخرة. فإنني ومن خلال هذا المقال أرجو الله أن يجعل قادم الأيام في ميزان حسناتنا ويثبتنا على طاعته ويجعلنا من عباده الصالحين المصلحين.