تدفيع الثمن وتوحيد الجهود ضد العنف
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
يبدو أن الصفعة القوية التي تلقتها المؤسسة الإسرائيلية من أبناء الداخل الفلسطيني في العام 2000، في هبة القدس والأقصى ما زالت تؤثر في ساسة هذه المؤسسة وأفقدتهم الصواب، إذ كيف يُعقل بعد ما قامت به هذه المؤسسة وعلى مدار سنوات بتنفيذ خطط وإستراتيجيات ممنهجة اتجاه أبناء الداخل الفلسطيني في سبيل سلخهم عن هويتهم الفلسطينية، من خلال الإرهاب السياسي، المتمثل بالحكم العسكري الذي مورس على فلسطينيي الداخل حتى العام 1966 تارة، أو من خلال تغيير المناهج الدراسية بما يتوافق مع الرواية الصهيونية، وتكذيب كل رواية فلسطينية ودحضها، أو من خلال العمل على أسرلة الأرض والإنسان تحت مسميات “التعايش بين الشعبين” و”الحياة المشتركة” والتي من خلالها يتم غزو العقل والثقافة، واستنساخ جيل بعيد كل البعد عن ثوابته العقدية والوطنية، فكان الجواب الشافي والرد المزلزل من قبل أبناء الداخل الفلسطيني بوقفتهم المشرفة وتصديهم للمأفون شارون عندما حاول الدخول إلى المسجد الأقصى، فقدّم أبناء الداخل الفلسطيني 13 شهيدا قتلوا بدم بارد على أيدي أفراد الشرطة الإسرائيلية، وقد كانت هذه الأحداث علامة فارقة في تاريخ نضالنا الفلسطيني، فقد أثبتت الجماهير أنه برغم كل محاولات أسرلتها وسلخها عن هويتها وثوابتها العقدية والوطنية، إلا أنها لا زالت متمسكة بتلك الهوية وتعض عليها بالنواجذ، لذلك، وبعد هذه الهبة كشّرت الشرطة الإسرائيلية عن أنيابها، وبدأت بتنفيذ خطة ممنهجة ومدروسة تجعل فلسطينيي الداخل يدفعون ثمن انتمائهم الوطني وثباتهم على هذه الأرض والإبقاء على هويتهم، وذلك من خلال فتح المجال لعصابات الإجرام العربية العمل بشكل أوسع، ومن خلال نشر السلاح وبكثرة وسهولة الوصول إليه بين أوساط الشباب، ومن خلال انتشار الخاوة والربا والسوق السوداء في مجتمعنا الفلسطيني، وإنّ المراقب للأحداث يعلم أن هذه الأدوات الإجرامية لم تكن تنتشر في مجتمعنا الفلسطيني حتى عام 2000 إلا بنسب ضئيلة تكاد لا تذكر وتلاحظ، لكن وكما ذكرت آنفا، فإن الشرطة الإسرائيلية هي التي سهّلت ويسّرت هذه الأدوات وانتشارها كجزء من العقاب الجماعي لأبناء الداخل الفلسطيني، بهدف تدمير النسيج المجتمعي وزرع بذور الفتنة والعداوة بين العائلات، وإلهاء الشارع الفلسطيني بذاته وهمومه لإبعاد الأنظار عما يُحاك من مؤامرات للسيطرة على مقدساته ومصادرة أراضيه، لا بل وتعمل بأسلوب سلس بعدم الكشف عن أغلب الجرائم أو تقديم المجرمين للمحاكمة والقضاء، وتقييد الملفات ضد مجهول وإغلاقها لعدم توفر الأدلة، كوسيلة ضغط على أبناء الداخل الفلسطيني ليستجدوا ويستغيثوا بالشرطة التي هي أصل الورطة ومصدر الداء، لا بل إن هنالك من أبناء جلدتنا من ينادي ويطالب بإدخال الشاباك الذي كان ولا يزال وسيلة من وسائل السيطرة بالتدخل في حل مشكلة العنف والإجرام المتفشي في مجتمعنا الفلسطيني، ويصورونه على أنه العصا السحرية التي ستحل مشاكل العنف والإجرام، وهم بذلك يغفلون أن إدخال الشاباك إلى مدننا وقرانا يعني العودة إلى فترة الحكم العسكري، وهذا ما تبتغيه المؤسسة الإسرائيلية لإحكام السيطرة على فلسطينيي الداخل، خاصة بعد أحداث هبة القدس والأقصى في رمضان الأخير وفشلها في مواجهة غضب الشارع الفلسطيني على اقتحامات المسجد الأقصى، وفي سبيل إحكام السيطرة من قبل الشرطة، فها هي الحكومة الاسرائيلية توافق على طلب تقدّم به وزير القضاء العنصري المتطرف “غدعون ساعر” لتوسيع صلاحيات للشرطة، بتفتيش بيوتنا في أي وقت دون اللجوء لاستصدار أمر من المحكمة، وهذا الشيء يعتبر انتهاكا صارخا لحرياتنا الشخصية والأسس الديموقراطية وأساسيات حقوق الإنسان، لا سيّما وأن هذه الصلاحية تستهدف فقط المجتمع الفلسطيني، كما أن هنالك اقتراحات قوانين لإلغاء الرقابة على الشرطة، وبذلك تفعل ما يحلو لها وتقتل من تريد من أبنائنا وبذلك تتحول إلى شرطة إجرام بامتياز، ولنا في تقديم قاتل إياد الحلاق- رحمه الله- من القدس لمحاكمة مخففة لعدم وجود أدلة، وكذلك في قضية الشهيد مصطفى يونس- رحمه الله- من عارة، ونحن إذ نسينا فلن ننسى الشهيد موسى حسونة- رحمه الله- من اللد الذي قتل على أيدي المستوطنين على مرأى ومسمع الشرطة، وبرغم ذلك، فقد أغلق التحقيق ضد القتلة. هذه بعض الأمثلة التي ترسم ملامح مرحلة الفوضى والفاشية الشرطية، ولكن رغم هذه الملامح القاتمة لهذه المرحلة الحرجة، إلا أن هنالك شعاع نور بزغ وبدأ ينتشر، معلنا التصدي لكل هذه الممارسات العنصرية والإرهابية من قبل مؤسسة الشرطة بحق أبنائنا ومجتمعنا الفلسطيني، وأعلنها صرخة مدوية بوجه الشرطة الإسرائيلية وتحميلها كامل المسؤولية، تحت شعار “الشرطة أصل الورطة” كاشفا سوءاتها وعنصريتها وتخاذلها بكشف المجرمين، لا بل والتواطؤ معهم، ومن هنا ومن على هذا المنبر، فإنني أتوجه لكافة أبناء مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، أن يوحدوا الجهود وينبذوا الخلافات ويرتفعوا عن المناكفات الحزبية المقيتة ويستظلوا بمظلة الحراك الفحماوي الموحد الذي كان لصرخته الأثر، عالميا ومحليا وسمع صداها الجميع على مدار أسابيع من خلال خطبة وصلاة الجمعة والمظاهرات السلمية أمام مركز الشرطة، فعلينا أن نجعل في كل بلدة من بلداتنا حراكا كحراكنا الفحماوي نشكل به سدا منيعا ووسيلة ضغط على مؤسسة الشرطة، للحد من جرائم القتل والعنف المستشري في مجتمعنا الفلسطيني، ولنجعل من هذه الحراكات الشبابية، الحاضنة الدينية والوطنية التي تنير الطريق أمام جميع شبابنا على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم الحزبية والحركية، فها هي ثمرة الحراكات في كل من اللد وعكا تأتي أكلها في توحيد الشباب والتأليف بين قلوبهم. هم يريدون أن ندفع ثمن صمودنا على هذه الأرض، قتلى وضحايا أبرياء في كل يوم، ونحن نريد أن نرد عليهم بثبات أكبر وعزيمة أقوى، وكما قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: إذا رأيت الظالم مستمرا في ظلمه فاعلم أن نهايته محتومة، وإذا رأيت المظلوم مستمرا في مقاومته فاعلم أن انتصاره محتوم.