الأقصى يُسرق في وضح النهار
المحامي خالد زبارقة
لا يخفى على أحد ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك في هذه الأيام من قبل قوات الاحتلال ومستوطنيه؛ ساحاته مستباحة، والمستوطنون المتطرفون يعيثون فيه فسادًا وتدنيسًا ويأدون طقوسًا تلموديةً تهويديةً في باحاته والتي تتصاعد كل يوم. بدايةً من اقتحام الأقصى وساحاته بأعداد كبيرة، وعربدة على حراس الأقصى وموظفيه، والوقوف في المنطقة الشرقية والقيام بطقوس تهويدية، والصعود إلى بائكة الصخرة الشمالية والشرب من ماء الأقصى الطاهر، والقيام بمناسبات البلوغ والزواج وغيرها الكثير، وبالأمس إدخال سعف النخيل التي تعتبر كأحد طقوس عيد العرش اليهودي، والقيام بالتمتمات التهويدية العلنية وبصوت عالٍ، وزعمهم بالنفخ بالبوق في باحات الأقصى في “عيد الغفران” اليهودي. هكذا، وبخطوات تدريجية متسارعة ومتراكمة تُسرق هوية الأقصى الإسلامية لتتحول مع مرور الزمن إلى هوية يهودية، وكل ذلك يتصاعد يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة في بث حي ومباشر تنقله وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وتحت سمع وبصر العالم العربي والشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية، في تحدٍ صارخ وعلني لمشاعر كل المسلمين في العالم.
من جهة أخرى، تقوم شرطة الاحتلال الإسرائيلية مع أذرعها الأمنية المختلفة، وبصفتها الرسمية، كجهة قانونية تحافظ على القانون والأمن العام ومنع أي إخلال بالنظام العام، تقوم هذه الشرطة بتأمين ورعاية هذه الاقتحامات والتغييرات التي تطرأ على المسجد الأقصى المبارك، بقوة السلاح والعسكر، فهي تقوم بحماية سرقة هوية المسجد الأقصى المبارك منتهكةً بذلك وظيفتها الأساسية في حفظ الأمن والنظام العام. لقد أصبحت شرطة الاحتلال مثل القط الذي وضعوه لحراسة الجبنة فهو ينتهز كل فرصة من أجل الانقضاض عليها.
من جهة ثالثة، هناك صمت مريب من طرف المؤسسات الرسمية العربية وخاصة الأردنية والفلسطينية، على هذا التغيير الذي يمس قدسية الأقصى المبارك وإسلاميته وهويته الدينية والوطنية والحضارية والتراثية، وينتهك الوصاية الهاشمية عليها- تغيير الوضع القائم في الأقصى يعني فيما يعنيه تفريغ الوصاية الهاشمية من أي مضمون أو إجبار الهاشميين على الانخراط في المخطط الإسرائيلي وخدمة السياسة الصهيونية في تهويد الأقصى؛ أي سرقته.
من جهة رابعة، ما الذي أصاب النشاط الجماهيري والتحرك الشعبي حتى أصبح مشلولا ومعاقا ولا يستطيع الحركة أو حتى الصراخ، وأين المسيرات الشعبية في الضفة وغزة والقدس والداخل والعالم العربي والإسلامي مما ينشر من انتهاكات بالبث الحي والمباشر. وهل تبلدت مشاعرنا حتى أصبحنا نرى قدسنا وأقصانا تسرق من بين أيدينا ولا نقوى حتى على الصراخ؟
أين المسيرات المليونية التي كانت تخرج في العالم العربي والإسلامي عندما كان يتعرض الأقصى للأذى أو لأي مكروه، وأين المؤتمرات الصحفية والبيانات الإعلامية والاستنكارات والتنديدات؛ حتى هذه فقدناها.
إن صمتكم يُفسر عندهم رضى ويُجرّئهم على المزيد من الاعتداءات، وعلى القيام بمزيد من تغيير الوضع القائم الذي يحدثونه في الأقصى، وإنهم لن يتوقفوا حتى يسيطروا عليه سيطرة كاملةً في سبيل تغيير هويته بالكامل من هوية إسلامية دينية وتراثية وحضارية عربية إسلامية، الى يهودية صهيونية.
إن الذي يعتقد أن نهم المحتل سيتوقف عند حد معين فهو واهم، ومن يعتقد أن النوايا الطيبة والكلام المعسول سيمنع التدهور في الاقصى فهو واهم، ومن يعتقد أن العلاقات التي ينسجها البعض، من أبناء جلدتنا، مع الصهيونية العالمية قد توقف النزيف فهو واهم؛ والأحداث التي حدثت في السنوات الأخيرة خير دليل على ذلك.
أمّا أنتم أيها الثلّة الخيّرة، الذين اصطفاكم الله في رفع لواء الحق، في زمن سياسات التغريب، الذين لفظتم الجزرة في سبيل حفاظكم على الثوابت، الذين ما زلتم تصرخون في سبيل إحياء الأمة، فهنيئًا لكم هذا الاصطفاء، واعلموا أنكم إلى الخير والفرج أقرب، وأن الله لهم بالمرصاد.
لا تتركوا الجبل، واحفظوا أماكنكم وتزودوا بالطاعة والايمان والتجئوا إلى ركن الله الشديد وقووا علاقتكم بالمسجد الأقصى، طاعةً لله ورسوله، حتى يأتي أمر الله وأنتم على ذلك.
سيسجّل التاريخ هذا الخذلان الذي يزداد يومًا بعد يوم، وسيسجل العملاء والخون والمعاقين فكريًا ودينيًا، الذين ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر، في سرقة هوية الأقصى، وسيسجل الواقفين الثابتين في وجه المخرز؛ سيسجل التاريخ كل شي.