التبرج آفة المجتمع وسبب دماره!!
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
مما لا يختلف فيه اثنان، أن التبرج والسفور ينتشر في مجتمعاتنا المسلمة انتشار النار بالهشيم، حتى أصبح الطابع العام في بعض المجتمعات!! وبدأت آثار هذا التبرج السافر تظهر جليا في مجتمعنا، سواء في كثرة الطلاق وارتفاع نسبته، أو كثرة الخيانات الزوجية التي نسمع عنها ليلا نهارا، أو عزوف الشباب عن الزواج لأن الحرام بات أسهل وأيسر لهم من الحلال أو انعدام الحياء. وقبل أن أستفيض في حديثي أود أن أبين للقارئ معنى التبرج، فالتبرج يعني كشف المرأة لمفاتنها من خلال اللباس غير المحتشم أو اللباس المثير للشهوة، وهذا ما حرّمه الإسلام جملة وتفصيلا من خلال قول الله تعالى: (… وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ…) ونحن لو عدنا إلى لباس الجاهلية الأولى الذي ينهانا الله عن لبسه، لوجدنا أنه أكثر حشمة من لباس المتبرجات في عصرنا الحاضر، لأن النساء في الجاهلية كان لباسها محتشما ساترا لجميع جسمها، وكان الاحتشام لباس الحرائر من النساء، ولو عدنا بالذاكرة إلى أوروبا في العام 1901 لوجدنا أن المرأة كانت ترتدي اللباس المحتشم الساتر لجميع جسمها، ولكن بعد ظهور دعوة الإلحاد في أوروبا وفصل الدين عن الدولة والمطالبة بحرية المرأة المُطلقة، بدأ التبرج والعري بالظهور والانتشار، وبدأ دعاة تحرير المرأة ببث سمومهم في عقول النساء والتصوير لهن بأن العري والسفور دليل على تحرر المرأة وتقدمها، فأصبحت المرأة عبدة لجسدها مهووسة برشاقتها مرتبطة بمساحيق التجميل ودور الأزياء، وجعلوا من المرأة مجرد سلعة جميلة للتسويق والإعلانات على الواجهات، فآمنت المرأة الغربية أنها كلّما تعرّت أكثر نالت حريتها أكثر. لكن لم يحقق هذا التبرج إلا الدمار الشامل للمجتمع والحضارة الغربية، فكما يقول الفيلسوف الفرنسي المسلم رجاء جارودي: إن الحضارة الغربية أنشأت قبرا يكفي لدفن العالم، قبرا يكفي لدفن الإنسانية، وهذا ما تؤكده هذه الإحصائيات التي سأضعها بين أيديكم:
- أكبر معدلات التفكك الأسري على الإطلاق يشهدها الجنس البشري موجودة الآن في الغرب.
- أكثر من نصف الأطفال في أوروبا ولدوا خارج نطاق الزواج.
- تم قتل أكثر من 56 مليون جنين ما ببن أعوام 1973-2015 في عمليات الإجهاض.
- ازدياد في عمليات القتل والعنف الأسري بسبب الغيرة والشك بين الأزواج أو ما يعرف بـ (boyfriend).
- نمو وازدهار تجارة النساء في أوروبا المتحررة.
كل هذه المفاسد ظهرت بسب المبالغة في التبرج والعري في الغرب والهدف من ذلك ليس حرية المرأة كما يدعون، بل حرية الوصول إليها! هذا غيض من فيض مآسي التبرج في الغرب، ذلك الغرب الذي خُدِع فيه الكثيرون من أبناء أمتنا وخطف بريقه الزائف أعينهم، لكننا لو عدنا إلى تعاليم ديننا نجد أنها حرّمت التبرج والسفور كما ذكرت آنفا، لأن الله الخالق يعلم مكان المرأة في قلب الرجل ويعلم مكان الرجل في قلب المرأة، فقدّر بحكمته شرائع ربانية تصل بنا لمجتمع سليم معافى أخلاقيا ونفسيا، ومن خالف هذه الشرائع والسنن عاش حياة مدمرة، وهذا ما نستشعر به في مجتمعاتنا المسلمة التي ارتضت لبناتها ونسائها التبرج والسفور مكان الحجاب والعفاف، فبتنا نسمع في كل يوم عن حوادث القتل (على شرف العائلة) وازدادت نسب الطلاق بشكل لافت للنظر، وازدادت الخيانات الزوجية وكل هذا بسب التبرج الكبير والمخيف الذي نلمسه في مجتمعاتنا، وإن المراقب للأحداث يلاحظ أن نسبة التبرج ازدادت وانتشرت في مجتمعاتنا المسلمة تزامنا مع وجود الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين واتّباعهم سياسة الغزو الديني والفكري للمجتمعات الإسلامية والتي كان أوسع أبوابها غزو المرأة التي تعتبر عماد المجتمع، فقاموا بخلخلة القيم والشرائع الدينية لديها بعد أن لاحظوا أن المرأة في المجتمع الشرقي مهضومة الحقوق وتعاني من الظلم الاجتماعي، فألحقوا هذا الظلم بالدين واتهموه بالتفرقة بين الرجل والمرأة فوجدت “الجمعيات النسوية” الفرصة سانحة ومواتية للهجوم على الإسلام والدعوة للتمرد على شرائعه من خلال الدعوات إلى خلع الحجاب الذي كانت أول من تبنته “هدى شعراوي” وغيرها من داعيات التحرر الزائف، فأصبحت النساء المسلمات تقلد الغربيات تقليدا أعمى في اللباس والتعري حتى بتنا لا نستطيع التفريق بين المسلمة وغير المسلمة في معظم الأحيان، وقد صدق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه). وهذا تماما ما يحدث لبعض نسائنا ممن انبهرت ببريق الغرب الزائف وحريته الكاذبة فاتّبعت دور الأزياء وتطور مساحيق التجميل وهوس الرشاقة في سبيل أن تظهر جمالها وأنوثتها التي حرّم الله عليها إظهارها إلا لمحارمها، وكل ذلك حتى يقال عنها جميلة، وبذلك استطاعوا خداعك بجعلك تخلعين ثوب الحياء وتعلنين التمرد على القيم والثوابت وتتفننين بالتعري وكأنك كلما تعريت ارتقيت، وأن الحجاب مجرد خزعبلات لا تلائم متطلبات العصر، فباتت المرأة تتفنن في التبرج حتى تنال الوظيفة وتتفنن في التبرج حتى تنال العريس المحترم، وتتفنن في التبرج حتى تثبت نفسها، والأدهى والأمر أن نجد بعض الأمهات المسلمات هي من تدعم ابنتها في هذا التبرج بحجة سنها الصغيرة، ونسيت أنها- أي الأم- ستقف يوم القيامة للحساب أمام الله عز وجل (وقفوهم إنهم مسؤولون)، وكأن الحجاب والعفاف يشكل عائقا أمام حياتها، وهذا ما أشاعه أعداء الإسلام بأن المرأة المتحجبة ما هي إلا كائن متخلف بكل المعايير مع العلم أن حضارتنا الإسلامية تزخر بالكثير من العالمات اللاتي كان لهن بصمة واضحة في صناعة الحضارة أمثال: فاطمة الفهرية التي كان لها الدور الكبير في تطور الحضارة الإسلامية وكانت فقيهة من الطراز الاول وهي من بنت مسجد القيراوان في تونس عام 859م، والذي كان بمثابة أول جامعة في العالم وكذلك زينب الشهدا الخطاطة الإسلامية الشهيرة، وشجرة الدر حاكمة مصر وغيرهن مما لا يتسع المقام لذكرهن، ومن هذا المنطلق يتضح لنا أن الحجاب لم يكن في يوم من الأيام عائقا أمام تقدم وتطور المرأة المسلمة، بل العائق الحقيقي هو التبرج والعري، وإذا سأل أحدكم كيف ذلك أقول، هل سمعتم يوما أن أحدا قام بالتحرش بفتاة متحجبة ملتزمة باللباس الشرعي الكامل وأشدد على كلمة الكامل. الجواب: ربما، ولكن بنسبة ضئيلة جدا تكاد لا تظهر لأن حجابها قد حجب عنها كل أذى قد يصيبها تصديقا لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، وهذا يعني أن الجلباب، وهو اللباس الإسلامي الكامل يحمي المرأة المسلمة من أي أذى أو تحرش كلامي أو جسدي لان اللباس يتكلم عن صاحبه.
وأخيرا، أود أن أقول لك أختي وابنتي المتبرجة، إن كلامي هذا ما هو إلا لمصلحتك وإنما أعبر عما يعتصر قلبي من ألم حين أرى فتياتنا المسلمات بهذا اللباس الفاضح، البعيد كل البعد عن تعاليم ديننا وأخلاقنا وأعرافنا. فلا تجعلي من نفسك أخيتي مصدر فتنة للشباب، فتحملي وزر لبسك ووزر فتنتهم.