لا تبرحوا أماكنكم!!
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
لا تبرحوا أماكنكم، تلك كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للرماة على جبل أحد، إبان المعركة الفاصلة بين المسلمين والكفار، والسبب في تلك الوصية لكي يحمي الرماة ظهر المسلمين ولا يقع المسلمون بين فكي كماشة الكفار في المعركة آنذاك، والكل يعرف كيف أن الرماة وبعد تباشير النصر الأولى في المعركة وهروب الكفار وبعد أن انشغل المسلمون بجمع الغنائم، نزل الرماة عن الجبل للمشاركة بأخذ الغنائم، ولم يطيعوا الرسول بالبقاء والثبات في أماكنهم حتى يأذن لهم الرسول بذلك، فانقلب نصر المسلمين إلى هزيمة بعد أن تعلموا الدرس جيدا، من عدم طاعة الله ورسوله. والعبرة التي تعلمها المسلمون أنه مهما كانت الظروف، فعلى المسلم الحق، أن يثبت كل على ثغرته ويقوم بحمايتها ولو كلفه ذلك حياته، لأن المعركة بين الحق والباطل المتمثلة بين المسلمين وأهل الكفر لا زالت قائمة حتى قيام الساعة، وأن النصر بإذن لله سيكون حليفا لأتباع الحق مهما خسروا من جولات وصولات لكن الفوز في النهاية سيكون من نصيب المسلمين. فكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يطل علينا ويقول: فلا تبرحوا أماكنكم لأن المعركة لم تنته بعد يا حماة الدين والوطن، فاثبتوا واصبروا على جميع هذه الفتن والابتلاءات التي تحيط بالمسلمين من كل حدب وصوب، سواء على صعيد أمتنا الإسلامية في العراق واليمن وسوريا ومينامار والهند والصين وغيرها، أو على صعيد مجتمعنا الفلسطيني خاصة، هذه الابتلاءات المتمثلة بهجمات المؤسسة الشرطية المسعورة على أبناء الداخل الفلسطيني والزج بقادتنا وشبابنا في السجون وهجمات قطعان المستوطنين على أهلنا في القدس والشيخ جراح وبطن الهوى وسلوان وغيرها. كل ذلك بسبب وقوفنا على ثغرة الرباط على هذه الأرض المباركة وعدم التنازل عن ثوابتنا الوطنية والعقدية، لكن ثباتكم على الحق وإصراركم على مواصلة الثبات والصمود والتصدي لكل المؤامرات التي تحاك ضد ديننا ووطننا ومقدساتنا سواء على أيدي المنبطحين والمتخاذلين المطبعين من الأقرباء الذين خذلونا أو من الكفار الذين يخالفوننا ويعادوننا بشكل صريح، فإن الوقوف بوجههم سيكون بمثابة جواز عبور وانتقال من عامة الأمة المسلمة إلى خاصة الأمة وخلاصتها المتمثلة برجال المرحلة، ورواد المشروع الإسلامي الذين يتمسكون بالحق كالصخرة الصلدة التي تتكسر عليها كل خطط الباطل وأعوانه، رغم كل ظروف الخذلان والاختلاف. وإن ما تكابده المؤسسة الإسرائيلية اليوم من خسائر سياسية على مستوى العالم وخسران تعاطف شعوب وحكومات كانت بالأمس القريب من أفضل حلفائها والتفافهم مع حقوق الشعب الفلسطيني وإعادة ظهور القضية الفلسطينية وقضية القدس على الساحة السياسية الدولية بهذا الزخم والقوة، لهو خير دليل على أن الغلبة يمكن أن تكون كذلك غلبة سياسية وربما اقتصادية كذلك، من خلال المقاطعة الاقتصادية التي تدعو لها العديد من الجهات الحقوقية على مستوى العالم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتيهم أمر الله، قيل أين هم يا رسول الله؟! قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس). فلا تبرحوا أماكنكم يا أبناء هذه الطائفة، واثبتوا فأنتم القدوة التي نقتدي بها في ظل هذا الظلم والجور والطغيان الذي يحيط بنا!! فلا تبرحوا أماكنكم يا مشايخنا الأفاضل يا ملح الأرض، يا من علمتمونا حب الدين ومعنى الانتماء والوطنية وقول كلمة الحق عند سلطان جائر، ومن أكثر جورا من المؤسسة الإسرائيلية. وأخص بالذكر ها هنا أيقونة الصراع ورمز الثبات فضيلة الشيخ رائد صلاح، وفضيلة الشيخ كمال خطيب اللذان طالما تعرضا لكل أنواع الترهيب والترغيب في سبيل التخلي عن موقعهما وموقفهما البطولي في التصدي لمخططات المؤسسة الإسرائيلية، وكشف خططها محليا وعالميا. نسأل الله لهم الثبات والتمكين وتحقيق الوعد الرباني بنصر المؤمنين لقوله عز وجل: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين). وإن من يستطيع قراءة التاريخ جيدا يعلم أن الأيام دول (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، فكم من حضارات عَلَت وسادت وكم من دول قامت وتجبرت لكن أين هم الآن؟!! ذهبوا وبقيت أمة الإسلام لأنها أمة لا تموت لأنها تحمل الرسالة الخاتمة من رب العالمين، وذهاب أمة الإسلام يعني قيام الساعة، وحتى حدوث ذلك، ستبقى أمة الإسلام من تحمل الراية فلا تبرحوا أماكنكم يا حماة الدين، وليبق كل منكم في مكانه الذي يستطيع من خلاله الذود عن حياض هذا الدين وأهله، فالثبات يا مشايخنا وعلماءنا، الثبات يا أمهاتنا اللاتي تربي أبناءها التربية الإسلامية الصحيحة، الثبات أيها المدرسون الذين يواصلون الليل بالنهار من أجل تحفيظ أبنائنا سورا من القرآن الكريم، الثبات، الثبات يا فتيات العفة والحياء، يا من أبيتن إلا ارتداء الحجاب وثوب الحياء في زمن الانحلال والعري، الثبات يا شباب الفجر العظيم، يا من تقفون سدا منيعا أمام صهر وتمييع هويتنا الدينية والوطنية، الثبات يا أهل فلسطين كافة يا من تقفون وتحافظون على أعظم وأهم الثغرات، إنها ثغرة الرباط التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل عمل ابن آدم ينقطع إلا الرباط فإنه ينمو له إلى يوم القيامة).
فهنيئا لكم يا أهل الرباط، في أرض الرباط والثبات الثبات، وكما قال الكاتب أدهم الشرقاوي: (إن كانت غزوة أحد قد انتهت فإن مهمة الرماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنته بعد، فطوبى للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر.