المحافظة على سفينة الوطن وسط زوابع الفتن
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
في ظل الابتلاءات والفتن التي تحيط بنا من كل جانب، ومن كل حدب وصوب، أصبحنا تماما كمن يعيش على فوهة بركان، لا نشعر بالأمن ولا الأمان، وكيف نشعر بالأمن والفتن تتساقط علينا كتساقط المطر كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن منا لا يشعر بهذه الفتن والابتلاءات، فلينظر إلى كافة دول عالمنا الإسلامي وما حلّ بها من قتل ودمار وتهجير، هذا على مستوى الأمة ككل، وهنالك فتن على مستوى الأفراد، وفتن على مستوى المجتمعات الإقليمية، فالفتن كثيرة، حتى أصبحنا كمن يعيش في بحر من الفتن كلما انتهينا وعبرنا فتنة، جاءت فتنة أشد وأقوى علينا. إن استطعنا النجاة من الأولى، لم نأمن النجاة من الفتنة الثانية. ومن الجدير بالذكر أن الفتن تقسم إلى قسمين: فتن الشهوات، كفتنة النساء، والمال، والأبناء، وفتنة المنصب والجاه و…..، لقوله عز وجل في محكم تنزيله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) وهنالك القسم الثاني، وهو بنفس خطورة القسم الأول إنه فتنة الشبهات، حيث يعتقد الفرد في هذه الفتنة أنه يستطيع الدفاع عن شبهة ما، ولكن بسبب جهله أو عدم كفاية علمه يخرج من هذا الدفاع وقد فتن في دينه أولًا، كمثل إنسان لديه الحرقة على الدين فيدخل إلى مواقع الدردشات لإقناع الشباب وتوبتهم فيفتن هو، إذن فتنة الشبهات تفتن صاحبها وهو يعتقد أنه محق ويفعل الصواب. لذلك أمرنا الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أن نتعوذ من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن نجتنب الفتنة لأن السعيد من اجتنبها، لأن من يشعل نار الفتنة، فلا بد وأن يكون وقودًا لها. ومن أشنع وأقبح وأخطر الفتن تلك التي تتعلق بإزهاق الأرواح البريئة وسفك دماء المسلمين وهتك الأعراض. ومن فقه التعامل مع الفتن مهما كان نوعها ومتى كان زمانها، عدم التهور في الحكم على الأمور والانجرار وراء العواطف، لأنه وقت الفتنة يغيب العقل وتحضر العاطفة، فألزم ما يلزمنا في هذه الأثناء، ضبط اللسان، والرجوع إلى الكتاب والسنة النبوية ورجال العلم وما علينا إلا الاعتصام بحبل الله أثناء وقوع الفتن والعمل بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، إذن لا حلّ لنا يا إخوة الإسلام من النجاة من الفتن إلا بالاعتصام بحبل الله، وتأليف القلوب والتقارب والتسامح فيما بيننا حتى نُزحْزَح عن النار، ولنا في التاريخ عبرة ولنا في الأحداث دروس بأن الفتن لا تأتي بأي خير يرجى لذلك حذرنا الرسول منها وأخبرنا: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعتذ به). باختصار شديد فإن رسول الرحمة يطلب منا أثناء الفتن الابتعاد عنها قدر الإمكان واعتزال الناس إن أمكن وأن يلزم كل واحد منا بيته حتى لا تصيبنا الفتنة، ولكن للأسف الشديد ففي هذا الزمان وبالذات في هذه الأيام هنالك من يهدي نفسه للفتنة هدية، فنجده يخوض مع الخائضين ويتهم فلانا وعلانا من غير برهان ودليل. ويعلل لفلان تصرفاته ويثير الفتنة والفساد بين الناس سواء على مواقع التواصل أو بالخفاء والنفاق. وقد يسأل سائل وماذا عسانا أن نفعل؟! وبالذات في هذا الوقت حيث نصبح على وقوع جريمة قتل ونمسي على جريمة ثانية لا نعرف لما قتلت الضحية ولا على ما قتلت!! فلا تجعل من نفسك أيها المسلم وسيلة من وسائل إشعال الفتنة وتضخيمها، حيث أن أهم وسائل إشعال الفتنة:
- اللسان وبثّ الشائعات وهتك الأعراض فاجعل لسانك وسيلة إصلاح ودعوة، وتأليف بين القلوب لأن اللسان سيف ذو حدين (فرب كلمة تقولها لا تلقي لها بالا تهوي بك في جهنم سبعين خريفا) فكما يقال كلمة بتحنن وكلمة بتجنن.
- اليد نعم، فإن اليد التي تكتب المنشورات النمامة المفسدة على مواقع التواصل، مثلها كمثل اليد التي تضغط على الزناد لتنفيذ عملية القتل والإجرام، فلا تكن سببا في قتل أحدهم أو التحريض على القتل.
- التقنيات الحديثة التي باتت من أهم أسباب الفتنة سواء عبر المواقع الإباحية والدعوة للشذوذ أو المواقع الإلحادية أو عبر تناقل المنشورات المفسدة المغرضة التي تثير الضغينة والاحتقان بين الناس. وبعد أن بيّنا وسائل انتشار الفتنة علينا أن نبين ونستذكر أهم أسباب الفتنة والتي تتمثل في:
- الجهل: وهو يعتبر السبب الرئيس وراء أي فتنة لأن الجهل عدو الإنسان اللدود فلو كان يعلم الإنسان مخاطر الفتنة في الدنيا من حيث إراقة الدماء وشق الصفوف وعقابها في الآخرة لما شارك بها أو أذكى نارها لكن الجهل أعمى بصائرهم قبل أبصارهم.
- التعمد: أي أن يكون هنالك من أبناء أمتنا ومجتمعنا من يتعمدون إشعال الفتن بينا وتشتيت الجماعات، وإشغالهم عن أمور الأمة الجسام كالمقدسات، والأوطان المستباحة وإشغالهم وتشتيت قوتهم وتفريغ طاقاتهم في أمور العنف والإجرام والمخدرات والسوق السوداء والجنس، في سبيل عرض من حطام الدنيا الزائلة إن كان من المتأسلمين أو في سبيل إطفاء نور الإسلام إن كان من الكفار.
- الطمع الذي يملأ قلوب المفتنين الذين يمكنهم إشعال الفتنة بين الناس دون أن يرف لهم جفن في سبيل مصالحهم المالية والدنيوية، حتى لو أريقت دماء الأبرياء.
الحسد: فالحاسد لا يهنأ ويرتاح حتى يفعل الأفاعيل فيمن يحسد، حتى لو وصل الأمر حد القتل وهتك العرض والعياذ بالله. أضف إلى ذلك الاحتقار والتنمر، والشتم والطعن في الأنساب التي تساهم في نشر الفتنة. إذن هذه أهم أسباب الفتنة التي علينا اجتنابها والحذر منها. إذن الفتنة داء وابتلاء، وما دام لكل داء دواء إلا الموت، فإن للفتنة دواء كذلك، ومن أهم الوصفات التي تحمينا وتشفينا من أي فتنة كانت صغيرة أو كبيرة عامة أو خاصة فهي:
- الصبر على البلاء والفتن.
- العفو والصفح: صحيح أن هنالك حدود وعقوبات لكن دائما صاحبها الله عز وجل بالصفح والعفو لأن العفو يجلب المحبة والرحمة بين الناس لقوله تعالى في محكم التنزيل: (وجزاء سيئةِ سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين).
- التمسك بالعروة الوثقى، كتاب الله وسنة نبيه في تسيير أمور حياتنا والابتعاد عن وسوسة شياطين الجن والإنس التي تعتبر السبب الأهم في إذكاء نار أي فتنة على الإطلاق، كما ذكرت أعلاه، وإن العاقل فينا يدرك أن الفتن فيها هلاك الصالح والطالح، والعالم والجاهل.
- التأني فكما يقال في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، ففي زمن الفتن بالذات تكثر الإشاعات والخوض في الأعراض معتمدين على الإشاعات الكاذبة المفسدة، لذلك يأمرنا القرآن الكريم بالتبين والتثبت من الأخبار والمعلومات المتداولة بين الناس في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
هذه بعض أسباب الفتنة ووسائل إذكائها وطرق الوقاية منها نسأل الله أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوحد شملنا ويؤلف بين قلوبنا ويجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين وأن يهدي شبابنا ويعيدهم إلى سفينة الإيمان والدين.