رمضان شهر الانتصارات
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
كم من أناس يعتقدون أن شهر رمضان مقترن فقط في عبادة الصيام!! لا بل والأدهى حين تسأل البعض ما المقصود في الصيام، يقول: الامتناع عن الطعام والشراب من آذان الفجر حتى آذان المغرب!! وبذلك فهم لم يأخذوا من الصيام إلا معناه أو شكله الخارجي.
بينما عند أهل التقوى والإيمان، فإن شهر رمضان قد تميز بجمعه لكافة العبادات من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وجهاد وصلة رحم، وما إلى ذلك من عبادات يضاعف أجرها لفاعلها في رمضان. ففي رمضان تتميز صلاة التراويح والقيام، وفي رمضان العمرة تعادل حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رمضان نؤدي الزكاة والصدقات التي تعتبر من أفضل العبادات، أضف إلى ذلك، فإن ما يميز شهر رمضان عن باقي الشهور أنه شهر الجهاد والانتصار. والانتصار هنا يحمل وجهين أحدهما يكمل الآخر، الجانب الأول الانتصار على النفس، ففيه ينتصر الإنسان المسلم على نفسه وشهوته بداية من خلال صبره على الجوع والعطش، ومن خلال صبره على شهوة الفرج، ونحن نعلم أن معظم المعاصي أصلها ما بين شهوة الفم وشهوة الفرج. فجاء شهر رمضان ليعلم الإنسان الانتصار على ذاته وعيوبه وسوء خلقه، فلا يرفث ولا يسب وإن سابه أحد فليقل: اللهم إني صائم، وكذلك الانتصار على الشح والبخل، بإخراج الزكاة وصدقة الفطر، وبذلك تستقيم نفس الإنسان المسلم وتعيش في هالة من السمو الروحي والقرب من الله، مما يعطيها قوة ربانية تزلزل من خلالها الجبال وتدك جيوش الأعداء وتسحق رأس الكفر في كل مكان، إذا ما توحّد النصر النفسي والمعنوي مع النصر العسكري، وهذه الصورة البهية من التألق لا تكتمل إلا في رمضان، كما اكتملت في العديد من المعارك الفاصلة في تاريخنا الإسلامي، والتي سطّر من خلالها أجدادنا أروع صور البطولة والانتصار على أعتى قوى الكفر، أذكر منها:
- يوم الفرقان: (غزوة بدر الكبرى) في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة.
- فتح مكة: في 23 رمضان من السنة الثامنة للهجرة، حيث فتح المسلمون مكة المكرمة ودخلوها فاتحين غانمين منتصرين يعلون رايات لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
- كما كانت معركة حطين من المعارك الفاصلة في تاريخنا الإسلامي، حيث حرر الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس من أيدي الصليبيين في العام 583 هجري.
- مرورا بمعركة عين جالوت عندما انتصر المسلمون على التتار بقيادة البطل سيف الدين قطز الذي قضى على التتار بعد أن كانوا يحتلون أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي.
- فتح القسطنطينية التي بشر الرسول بفتحها على يد السلطان محمد الفاتح.
- فتح الأندلس واستعادة جزيرة رودوس على يد طارق بن زياد عام 92 للهجرة.
- حرب أكتوبر في العاشر من رمضان في العام 1973 حيث استطاع الجيش المصري استعادة الأراضي المصرية التي تم احتلالها لسنوات من قبل الكيان الإسرائيلي.
هذه بعض المعارك الفاصلة التي حصلت عبر تاريخنا الإسلامي في رمضان، وهي على سبيل الحصر لا القصر، وبذلك فقد أثبت رمضان للأمة أن الطريقة الوحيدة للنصر هي أن ينتصر المسلمون على ذواتهم، وأن يقهروا شهواتهم حتى ينتصروا على أعدائهم ويثبتهم الله تعالى في المعارك الفاصلة. ونحن الآن على مشارف المعركة الكبرى كما يتضح لنا من مجريات الأمور وتطوراتها، والسؤال الذي يطرح ها هنا: ما المطلوب مني كمسلم؟ وما المطلوب مني كمسلمة؟ أو ماذا أستطيع أن أقدم وأنا بعيد عن مسرح الأحداث الجسام التي تحدث في عالمنا الإسلامي سواء في اليمن أو الهند أو سوريا أو العراق أو في بيت المقدس حيث المعركة الأهم تدار هنا بين وجودنا وحقنا الإسلامي والتاريخي أو الوجود الاحتلالي. صحيح أن المعركة ليست عسكرية لكنها معركة ثبات ووجود فعلينا كمسلمين في كافة أصقاع الدنيا أن ندعم صمود المقدسيين في بيت المقدس، دعما اقتصاديا ودعما إعلاميا و دعما تعبويا، فليس بالضرورة أن يكون الجهاد جهاد عسكري بل يمكن أن يكون كما جاء في محكم التنزيل: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)، وكما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين، بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم). إذن هناك جهاد المال المتمثل بالدعم الاقتصادي، وجهاد اللسان المتمثل اليوم بالإعلام وهو من أبلغ أساليب الجهاد في الوقت الحاضر، لأن الحرب الدائرة بين الحق والباطل اليوم هي حرب إعلامية، وهذا الدعم هو من صميم الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله فعلى غرار حديث رسولنا القائد: من جهز غازيا فقد غزا ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا، نقول من أعان مرابطا في سبيل الله ومن دعم المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى، فله أجر الرباط في سبيل الله، فإن لم تستطع أيها المسلم في أي مكان أن تصل لبيت المقدس للرباط فيه وصناعة النصر الموعود، ما عليك إلا تقديم الدعم المالي والإعلامي لهذه القضية المقدسة، كما ذكرت.
ولنا في قصة أبي قدامة الشامي، ذلك المجاهد الذي كان يحارب الروم عندما دخل لأحد المساجد يحث الناس على القتال، وبعد أن أنهى دخل لبيته ليتجهز وإذ بامرأة متعففة على الباب، ففتح لها وسألها عن مطلبها، فأجابت: أستحلفك بالله أن تأخذ هذا الكيس، وبعد أن أخذه وذهبت، فتح الكيس ليجد بداخله ضفائر تلك المرأة، وقد كتبت رسالة تطلب من أبي قدامة أن يجعل من ضفائرها رباطا لفرسه الغازية في سبيل الله، لأنها لا تملك إلا تلك الضفائر تقدمها في سبيل الله، فأين أنتم يا أصحاب الملايين من هذه المرأة ؟!، أين أنتم أيها الرجال المتقاعسون المتخاذلون عن نصرة الأقصى أمام المرابطات في المسجد الأقصى؟!
أين أنتم يا حكام دولنا الإسلامية، أمام صمود شباب بيت المقدس ودفاعهم عن المسجد الأقصى؟! أين ترجمة خطاباتكم الرنانة عن القدس والمسجد الأقصى؟! أين أنتم من صلاح الدين الأيوبي الذي قال كيف أبتسم والمسجد الأقصى أسير، فإليكم أقول تعلموا صناعة النصر والتحرير من أبناء بيت المقدس وأكنافه كيف يقفون وقفة رجل واحد أمام مؤامرات الاحتلال في تهويد القدس والمسجد الأقصى، وكيف أنهم يسترون عورة صمتكم وتخاذلكم وانبطاحكم في أحضان المحتل، فكل التحية للمرابطين والمرابطات كل العز والفخار لأهل بيت المقدس وأكنافه الأحرار.