“الديانة الإبراهيمية”: المظلّة الواقية لإنشاء “أرض الميعاد”!!
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
بداية وقبل أن أبدأ مقالي، أود أن أؤكد أننا كمسلمين، نؤمن بالرسالات السماوية التي جاء بها رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه، ونؤمن أن الإسلام هو الرسالة الخاتمة، وأنَّ النبي محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن القرآن الكريم هو كتاب الله المحفوظ، المنزه عن أي تحريف وتبديل، لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ونؤمن كذلك أن الدين عند الله الإسلام، وقد قضى الله في هذا الأمر لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
لكن أعداء الإسلام بذلوا كل جهد، لمحاربة هذا الدين بالطرق والوسائل المختلفة على مرّ التاريخ، استطاعوا “الفوز” في صولاتٍ، نعم، لكنّ جولة الحقّ باقية إلى قيام الساعة.
بعد أن أيقن أعداء هذا الدين أن هزيمته غير ممكنة عسكريا، وأن مخططاتهم قد أفشلت جميعها في كل بلاد الإسلام، تراهم لجأوا إلى مبدأ (القوة الناعمة) في حربهم “المقدسة”، وآخر أساليب هذه الحرب الخبيثة محاربة الدين بدين جديد!!
ادّعى من جاء بهذا المعتنق الجديد، أن الديانات سبب الصراعات والحروب في العالم، وأن أهم أسباب العنف هو الدين والمعتقد، وبما أن الدين سبب هذه المآسي التي تحيق بالعالم، وهو الذي يؤجج فيه الصراعات، تلك التي لم يستطع حكام العالم وساسته أن يضعوا حلولا لها، لا عسكريا ولا سياسيا، بالأخص ما يسمى “الصراع العربي الإسرائيلي”، فكان عليهم إيجاد دين جديد، تكون له المرجعية والسطوة على العالم بأسره، حال حدوث مشكلة ما، واستعصاء حلها سياسيا أو عسكريا!!
لأجل ذلك كله، بحث الصهاينة من الغرب والشرق عن حل بديل لهذا الصراع القديم الجديد، من خلال دمج الأديان وصهرها في بوتقة واحدة، بانتقائهم النصوص الدينية التي تتلاءم وتتماشى مع الدين الجديد، أو بالأحرى تتماشى مع مصالحهم، والذي أطلقوا عليه اسم “الدين الإبراهيمي” نسبة لسيدنا إبراهيم عليه السلام، زورا وبهتانا وعدوانا، لأنهم يرون فيه شخصية توافقية بين الأديان السماوية جميعها، فهو أبو الأنبياء، وعليه فهو الجسر الرابط بين الديانات.
إن هذا “الدين الإبراهيمي” ما جاء إلا لضرب الإسلام والمسلمين في عقر دارهم، لأن أتباع هذا الدين الجديد يريدون من المسلمين التنازل عن عقائدهم وثوابتهم التي حفظت بنص القرآن الكريم، وفي صدور العلماء الراسخين، خاصة الثوابت المتعلقة بأحقية المسلمين في بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، وبما أن هذا الموضوع موضوع خلافي بين الأديان السماوية فإن “الدين الإبراهيمي” الجديد سوف يحل هذا الصراع بإرضاء جميع الأطراف، من خلال تأسيس الدولة أو “الولايات الإبراهيمية”، التي يكون الحكم والسيطرة فيها للدين الإبراهيمي متمثلا بأتباعه من كافة الديانات، وبذلك يتم نزع القدسية عن المقدسات لدى أية ديانة، فتنزع القدسية عن القرآن لأن دستورا عالميا جديدا حلّ مكانه، وتنزع القدسية عن القدس والمسجد الأقصى لأن هذه الأماكن ستكون ضمن سيطرة الدولة الإبراهيمية العالمية وبالتالي يحق لهذه الدولة هدم هذه المقدسات إذا كان ذلك في مصلحتها ولا يحق لأي كان أن يحرك ساكنا!!!
عقد مؤتمر في العاصمة أبو ظبي في العام 2019 بمشاركة العديد ممن يدَّعون -كذبا- أنهم من علماء الدين والمفكرين والباحثين والسياسيين، يمثّلون ديانة الإبراهيمية، قاموا بالتوقيع على ميثاق أسموه (حلف الفضول الثاني) حيث يعمل هؤلاء الموقعون على إعلاء أفكار دينهم الجديد، ونشرها ورفع قيمها للعالم، وتتضمن هذه المبادئ والقيم نبذ العنف، والمساواة، وإنصاف المرأة، والإخاء والتعايش، ويتم تجميع هذه القيم الأخلاقية وتدريسها في المدارس مكان حصة الدين، وقد تم العمل بهذه الخطوة في المدارس الأهلية العالمية تحت مسمى الدين الجديد الجامع!!! حيث تم تأليف كتاب أشبه ما يكون بكتب الأخلاق والسلوك يتم تدريسه في هذه المدارس، وقد تم كذلك إنشاء (مجمع البيت الإبراهيمي) في الإمارات حيث تم تعبيد ثلاثة مباني، يمثل كل مبنى إحدى الديانات ويتم الصلاة فيه على أي طريقة تريد، إلا أن اللافت للنظر أن في المبنى الخاص بالمسلمين لا تقام فيه صلاة الجمعة، بل صلاة الخميس!!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الهدف من إنشاء هذا الدين الجديد؟!
الهدف يكمن-كما ذكرت آنفا- في الوصول إلى مرحلة اللادين، أي إلغاء الأديان، ونزع القدسية عن المقدسات، حتى لو هدم الأقصى، أو احتلت الكعبة، فهذا يصبح أمرا طبيعيا لا يمس أي عقيدة أو ثابت من ثوابتنا، لأنهم يطمحون إلى تدويل المقدسات -كما ذكرت- والسيطرة عليها، وقد تم بالفعل العمل على تدويل المقدسات من خلال ما يُعرف ب “مسار إبراهيم” حيث تتبنى كل دولة من الدول التي مرّ بها سيدنا إبراهيم بناء مسار إبراهيم، الهدف الظاهر منه هدف سياحي، ثقافي، عالمي، وهذا المسار موجود في الأردن ولبنان، ويعرف بدرب إبراهيم، وفي سوريا تم بناء حوالي 80كم من المسار الإبراهيمي، وتوقفت الأعمال بسبب الحرب، أمّا في العراق يتم بناء المسار في منطقة (أور)، لا بل والأدهى ما قام به بابا الفاتيكان قبل أسابيع، من زيارة العراق وبالذات إلى منطقة (أور) وأعلن عن بناء كعبة إبراهيمية وإقامة صلاة جامعة للأديان الثلاثة!!!
وفي بلادنا المسار موجود أصلا، أمّا السعودية فلم تبدأ به لغاية الآن، ونحن لو نظرنا إلى حدود هذا المسار لوجدنا أنها نفس حدود أرض إسرائيل الكبرى، والتي يعمل لأجلها اليهود، من هنا يتضح أن قيام هذه الولايات الإبراهيمية يصب أولا وأخيرا في مصلحة إسرائيل!!
لذلك فلو عدنا إلى الداعمين لهذا الدين الجديد لوجدنا أنهم هم الداعمون لإسرائيل أمثال: المجلس الدولي للمسيحيين واليهود، ومعهد pase island الذين لهما الدور الكبير في الدعوة الإبراهيمية، وتنظيم العديد من المؤتمرات بمشاركة الأمم المتحدة تحت عنوان مؤتمر للدعوة والحوار والتوحيد بين الأديان الثلاثة، من خلال دعوة مشايخ، ورجال دين نصارى ويهود، وشباب من جميع أنحاء العالم لتدريبهم على الدعوة لنشر هذا الدين الرابع، وقد أطلق الغرب والصهاينة على هؤلاء الدعاة بـ (الدعاة الروحيون) ومنهم وسيم يوسف، علي الجفري، عبد الله بن بيه، وإنشاء مجلس حكماء المسلمين كمرجعية علمانية بدعم إماراتي لا محدود!!! وكذلك من الداعمين لهذه الديانة عائلة روكفلر، ووزارة الخارجية الأمريكية، ومركز رند، ومركز أبحاث جامعة هارفرد، الرئيس الأمريكي السابق أوباما، ووزيرة خارجيته كلينتون، والرئيس السابق ترامب، الذي كان أكثر جرأة في تنفيذ هذا المخطط من خلال نقله السفارة الأمريكية للقدس الشريف، ومن خلال صفقة القرن التي أسماها بالصفقة الإبراهيمية، أليس غريبا أن نصف اتفاقا سياسيا بوصف ديني!! إلا إذا كانت المعركة في أساسها دينية.
إن العاقل من يدرك حجم هذه المؤامرة التي تحاك فقط ضد الإسلام، وليست ضد الأديان، لأن النصرانية ديانة ميتة منذ عصر النهضة، واليهودية كذلك قلة قليلة هم من يؤمنون ويعملون بمبادئها، وليس لها أي تأثير يذكر، لكن يبقى الإسلام الدين الرباني، ودين البشرية، صاحب القوة والتأثير، والمارد المهيمن على الدين كله، لذلك فهي حرب على الإسلام.
أفيقوا يا أبناء الإسلام من سباتكم، ولا تكونوا امّعات، ولا تكونوا اللاحقين للضّب داخل جحره، لا تعرفون خفايا الأمور، بل كونوا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلم كيس فطن) وإياكم أن تستهينوا بهذا الغزو الفكري والثقافي، وتكونوا ممن تم تدجين ضمائرهم وعقولهم وعقائدهم، ولنعلم جميعا أن الهدف من وراء هذا الدين الجديد هو تهويد القدس وهدم قبة الصخرة وبناء الهيكل المزعوم، وما هم ببالغيه إن شاء الله. اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.