ما بين الصالح والمصلح بناء أمة!!
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
من منّا لا يحب أهل الصلاح؟! ومن منّا لا يصبو لأن يكون من الصالحين؟! فكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: (أحب الصالحين ولست منهم… لعلي أن أنال بهم شفاعة… وأكره من تجارته المعاصي… وإن كنا سواء في البضاعة)، لكن وأثناء تجوالي بين صفحات الكتب، لفت نظري واستوقفتني عبارة مردودة على أهل العلم مفادها: (أن مصلحا واحدًا أعظم عند الله من آلاف الصالحين). وفي حديث السيدة زينب بنت جحش رضوان الله عليها حين سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون، قال: (نعم إذا كثر الخبث). وحين بحثت في الأمر استنتجت أن الصالح لا ينفع إلا نفسه لأنه لا يسعى إلا لصلاح نفسه وتقويمها، فعادة ما يكون الإنسان الصالح صاحب خلق ودين له القبول بين الناس لأنه كما يقولون (كافي خيره وشره عن الناس) فيحوز على محبة الناس واحترامهم وتقديرهم له، ما دام في دائرة الصلاح فهو من المرضيين، لكن بمجرد أن ينتقل الإنسان الصالح من دائرة الصلاح (صلاح نفسه فقط)، إلى دائرة الإصلاح أي أن يبدأ بالعمل على إصلاح مجتمعه، وأهل بلده من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس، حتى يظهر الناس العداء لهذا المصلح، وبالذات من يريدون الفساد والإفساد في المجتمع، تراهم يعلنون الحرب على المصلحين، لأن المصلح يعمل بقاعدة (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) ولم يقفوا عند أنفسهم فقط، بل امتدّ صلاحهم لإصلاح غيرهم، وهذا ما لا يرضى ويقبل به أعداء الدين، ولنا في رسول الله، المثل الأعلى، كيف أنه قبل البعثة، كان يلقّب بالصادق الأمين، وكان مرجعا لحل المشاكل بين قبائل مكة، لكن بمجرد أن بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجهه كفار مكة بأشد أنواع العداء، لأن دعوته الربانية اصطدمت بصخرة أهوائهم ورغباتهم وشهواتهم، فأعلنوا عليه الحرب، وأصبح يلقب بالكاذب والساحر والمجنون، والعياذ بالله، وهذا حال المصلحين في زماننا هذا الذين أخذوا على عاتقهم إرشاد الناس وتعليمهم أمور دينهم وحياتهم وإصلاح مجتمعاتهم والرفعة بها إلى القمة، نراهم قد زجّ بهم في السجون، أو تم نفيهم من أوطانهم وشردوا لأنهم اختاروا الطريق الصعب، طريق الوقوف بوجه الظلم والعدوان، لما لهم من أجر وثواب على السير في هذا الطريق، لذلك وصل المصلحون إلى درجة من الرفعة، أن الله جل جلاله لا يهلك ولا ينزل عقابه الإلهي على قوم فيهم أناس مصلحون: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) ولم يقل صالحون لأن المصلح يسعى ويدعو إلى الصلاح وإنكار الفساد ومحاربة المفسدين، أي أنه إنسان إيجابي له موقف واضح من محدثات الأمور وله موقف حازم وحضور قوي في كل قضايانا العقائدية والوطنية والعروبية، لا يخاف في الله لومة لائم، ترى وجهه يتمعر غضبا لمحارم الله، بينما الصالح اكتفى بصلاح نفسه، ولم يهتم بالفساد الذي يعمّ ويطمّ من حوله، فتحول لإنسان سلبي لا يفيد مجتمعه بأي شيء، بل على العكس، أصبح هذا الصالح عونا للمفسدين لسكوته وصمته عن فسادهم وظلمهم، لذلك فإننا نجد الصالحين من الدعاة قد تقلّدوا المناصب والوظائف الكبيرة عند الحكام، لأنهم أمنوا جانبهم من أن يثيروا الشعب أو يفتحوا أعينهم على الفساد والظلم الذي يعيث به الحكام الفاسدون. وديننا والحمد لله دين عمل ودين صلاح وإصلاح للنفس وللمجتمع، فصدق القائل: (الساكت عن الحق شيطان أخرس).
فطوبى لمن استطاع أن يكون في دائرة المصلحين الذين رضوا أن يتولوا أعظم مهمة يتولاها الإنسان، مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. طوبى لمن وضع بصمته في محاربة الفساد ووقف بوجه المفسدين الظالمين. فطوبى لمن ارتضى أن يكون من الغرباء الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل من الغرباء يا رسول الله، قال: (الذين يصلحون إذا فسد الناس) وما أكثر الفساد في وقتنا الحاضر وما أكثر أهل الصلاح وما أقل أهل الإصلاح.
اللهم نسألك أن نكون من عبادك الصالحين المصلحين النافعين لدينهم ودنياهم. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.