ليلى غليون
أيها الشباب، أنتم أيها القلب النابض في صدر الأمة، أنتم أيها الشلال الهادر الذي تنفجر منه الحركة والحيوية، أنتم يا من تملكون خزائن الإرادة الحرّة الأبيّة التي ينهزم أمامها المستحيل وتنتكس رايته، أنتم أيها السّلّم الذي من خلاله ترتقي وتصعد مجتمعاتكم الى المعالي لتقطف من ثمار المجد والرقي والحضارة، وتتبوأ المكانة العالية الرفيعة بين الأمم، أنتم يا من قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدّقني الشباب وكذّبني الشيوخ)، وفي حديث آخر يقول: (إنّما نصرت بالشّباب)، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه يريد أن يقول لنا إن هذا الاسلام الذي عمّ نوره أرجاء الكون، قد قام على همم وأكتاف الشباب الذين قدّموا الغالي والنفيس في سبيله، وذللوا كل الصعاب التي كانت تعترض مسيرته، بعد أن حدّدوا غايتهم ورسموا خريطة أهدافهم وجعلوا مرضاة الله أسمى أمانيهم.
شباب ذللوا سبل المعالي
وما عرفوا سوى الاسلام دينا
نعم، إنهم شباب عشقوا العزّة والكرامة والإباء فتسامت نفوسهم فوق المعالي دونهم شم الجبال. نعم، إنهم الرجال:
هـم الرجــال بأفيـــاء الربــاط
وتحت سقف المعالي والندى ولدوا
جباههم ما انحـــــنت إلا لخالقها
وغير من أبدع الاكــوان ما عبدوا
فإن كان آباؤنا وأجدادنا هم نبع البركة الذي نغترف منه، ونبع الحكمة الذي يمدّنا بالنصح والإرشاد، فأنتم أيها الشباب، المولّد والمحرّك والطاقة التي تبعث الحياة في مجتمعاتكم، والذي إن تعطّل وتوقّف ستتعطل وتتوقف روح الحياة وقلب الحياة، فأي معنى للحياة إذا كانت بلا روح وبلا قلب؟! وأي مستقبل ينتظر الأمّة إذا تنحى الشباب جانبا وضعفت همتهم وفقد الطموح من نفوسهم ولم يعد لهم غايات ولا أهداف سوى تدخين النرجيلة والجلوس في المقاهي وسماع الموسيقى ومعاكسة الفتيات وقضاء الأوقات الثمينة وبعثرتها في غير مرضاة الله؟!
لا أيها الشباب، ما لهذا خلقتم وليس من أجل ذلك كان دوركم في الحياة، وهل يعقل أن يكون دوركم في الحياة بلا أهداف أو طموح؟ فهذا إبراهيم ابن أدهم وقد كان من كبار الزهاد، والذي كان في بداية حياته شابا مدللا مرفها، يقول: كنت في أحد الأيام أركب فرسي وأطارد غزالا في الطريق، فإذا برجل عجوز يأخذ بلجام فرسي وينظر إليّ ويقول: يا إبراهيم، ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ وهو يقصد بذلك أنك ما خلقت للعب والمرح، ولكن في عنقك مسؤولية وأمانة يجب عدم التفريط أو التهاون بها.
إن أعداء الأمّة عرفوا من أين تؤكل الكتف، وعرفوا أن أقصر الطرق وأنجح الوسائل لسقوط المجتمعات والسيطرة عليها هي قتل روح الهمّة عند الشباب، وخلق جيل منهم بلا طموح وبلا أهداف إلا ما سفه وتفه، جيل تقاذفه رياح التمييع والغربة عن الدين والأصالة والثوابت، همّه قصات الشعر الأجنبية والسلسلة الذهبية على المعصم أو العنق، ولبس الماركات العالمية، يمضغ العلكة ويستمع الى أغان غربية لا يفهمها، يغازل عبر هاتفه الفتيات منتقلا من فتاة إلى أخرى.
إن مجتمعا هكذا شبابه بلا هوية ولا هدف، فإنه سيسقط ولو بعد حين، لأنه يحوي في ذاته كل أسباب السقوط، وفي نهاية المطاف أورد للقراء الكرام قصة في هذا المعنى، بلا تعليق مني بل سأترك لهم التعليق عليها:
ظلّ المسلمون في الاندلس ثمانية قرون، ملأوا خلالها الارض حضارة وعلما ودينا، ولم يكن البرتغاليون راضين عن وجود المسلمين في الاندلس ويريدون طردهم إلى المغرب العربي، فماذا يفعلون؟ بدأوا في دراسة اهتمامات الشباب المسلم في الاندلس وبدأوا يرسلون جواسيسهم داخل الاندلس لهذا الغرض، وذات يوم دخل هؤلاء الجواسيس على مجموعة من الشباب فسمعوا مشادة بين شابين، ففرحوا وذهبوا ليتحققوا من الأمر فوجدوهما يختلفان حول ترتيب حديث في صحيح البخاري، فرجعوا وقالوا: لا تسقط هذه الأمة الآن. ومرّت سنون وعاد الجواسيس مرة أخرى، فوجدوا الشباب ما زال يتكلم في قضايا العلم والدين، فعادوا خائبين مرة أخرى، وبعد سنين عادوا مرة ثالثة فوجدوا شابا جالسا يبكي، فسألوه ماذا يبكيك؟ قال: لقد تركتني رفيقتي، فعاد الجواسيس وقالوا الآن يمكنكم أن تنتصروا على المسلمين، وبالفعل سقط المسلمون وطردوا من الاندلس بمنتهى البساطة وبعدها بخمسة وعشرين سنة كان كل شيء قد انتهى ولم يعد للأندلس ذكر.