عندما يتخلى الرئيس عن الكرامة…ماذا بعد؟
الإعلامي أحمد حازم
بعد إعلان الإمارات والبحرين عن تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، ثار الرئيس الفلسطيني عباس غضبًا، وانتقد الدولتين المطبّعتين بلهجة شديدة، وكلّف أجهزته الإعلامية والمعنية بما فيهم الراحل صائب عريقاتّ بشنّ حملة على الدولتين الخليجيتين، حيث تم وصف التطبيع “كطعنة خنجر في الظهر الفلسطيني”. وما كادت تمضي أيام قليلة حتى عاد عباس واعتذر من الإمارات والبحرين.
الرئيس عباس أعلن عن انسحابه من التنسيق الأمني مع إسرائيل، وأعلن عن رفضه استلام عائدات الضرائب من إسرائيل الخاصة بالسلطة الفلسطينية، ثم غيّر رأيه فيما بعد وأعاد التنسيق معها، وقبل استلام العائدات الضريبية.
وحسب مصدر فلسطيني موثوق بهّ على علاقة بالقيادة الفلسطينية، أصدر عباس مؤخرًا أمرًا لإعلاميي السلطة وكل من له علاقة بها، ينصّ على عدم التطرق أبدًا إلى أي دولة تقوم بالتطبيع، ولذلك لم نسمع أي انتقاد فلسطيني رسمي ضد إعلان المغرب عن تطبيع علاقاته مع إسرائيل. وفيما يتعلق بالانتقاد الذي وجّهته حنان عشراوي إلى المغرب، فهي عبّرت عن رأيها كمواطنة فلسطينية فقط، لأنها قدّمت استقالتها من القيادة الفلسطينية، وبالتحديد استقالت قبل أيام من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية احتجاجًا على سلوكيات عباس.
تصرفات “أبو مازن” تدلّ على أنه “متقلب” في الرأي، أضف إلى ذلك، أن قراراته هي فردية وليست جماعية ولا يشارك الشعب فيها، وهذه صفة من صفات الحكم الدكتاتوري وليس الحكم الديمقراطي. وقد يكون أبو مازن بحاجة إلى خلق منصب مستشارة روحية، كما فعل ترامب، لإنقاذه من “الورطات” السياسية. فإذا كانت مستشارة ترامب الروحية باولا وايت، لم تنجح في جلب ملائكة الرحمة لترامب لإنجاحه في الانتخابات، لكنها استطاعت جلبهم له لمساعدة إسرائيل عندما وقّع على الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وعندما أمر بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، وعندما اعترف بضم الجولان.
ويبدو أن الرئيس عباس بحاجة ماسة إلى مستشارة روحية أكثر قدرة من باولا الأمريكية، لأنّ قرّاء فنجان القهوة وقراء الكف والطالع والنازل ومن يرجمون في الغيب حول عباس، لم تسفر توقعاتهم عن نتائج تحاكي ما يريده الرجل رقم واحد في رام الله. أنا أعرف أن الرئيس الفلسطيني لا حول له ولا قوة إسرائيليًا وعربيًا ودوليًا، بمعنى “ما في باليد حيلة” لكن على الأقل المفروض به أن يدافع عن كرامة شعبه ولو (قولًا) وليس ضرب معنوياته من خلال تصريحاته أمام صحفيين وزوار يهود له. فكيف ينظر الرئيس الفلسطيني إلى تصريحه: “التنسيق الأمني، مقدس مقدس مقدس”. كيف يفهم هذا التصريح من وجهة نظره؟ لا يوجد إلاّ تفسير واحد لهذا التصريح: السماح لجنود الاحتلال بانتهاك حرمة البيت الفلسطيني واعتقال من يريدون منه”. أليس ذلك بيعًا للكرامة الفلسطينية؟
الرئيس الفلسطيني يملك عشرات السنين من الخبرة السياسية، فلماذا مثلًا لم يربط موضوع التنسيق الأمني بوقف ممارسات القتل من جانب الجنود الإسرائيليين؟ بالله عليك يا سيادة الرئيس كيف ينظر إليك شعبك المقهور من الاحتلال عندما تخاطب القيادة الإسرائيلية في إحدى مقابلاتك مع قناة إسرائيلية بالقول حرفيًا: “ذهبنا إلى المدارس، وفتشنا حقائب التلامذة بحثًا عن السكاكين، ونزعنا من مدرسة واحدة ستين سكينًا”. ثم تقول بصيغة استجداء: “ماذا أفعل أنا هنا؟ قولوا لي ما تريدون وإن لم أنفذ سيكون لكم الحق في العتب أو الغضب”.
بربك يا “أبا مازن” هل هذه نبرة قائد تحرري ثوري أم كلام مستسلم ضلّ الطريق؟ أنت تتساءل يا سيادة الرئيس “ماذا أفعل هنا”. هذا السؤال من حق الفلسطيني في الضفة الغربية طرحه، لكنك أجبت عليه سلفًا، وهو أنك تفعل ما يطلب منك إسرائيليًا بمعنى أنك تفعل كل شيء لا يغضب الإسرائيلي ولا يزعجه، حسب قولك.
لو يخرج الراحل ياسر عرفات من قبره ويسمع تصريحاتك ماذا كان سيقول لك يا ترى؟ لن أقولها، لأنك تعرف حق المعرفة أي كلمة كنت ستسمعها من قائدك الراحل. رحمك الله أبا عمار.