شدة وبتزول..هيك علّمنا الرسول ﷺ
الشيخ كمال خطيب
إن الإنسان إذا اشتد عطشه فإنه بالفطرة يميل إلى شرب الماء، فإذا لم يجده بحث عنه حتى لا يموت عطشًا. وإذا اشتد جوعه فإنه بالفطرة يميل إلى الطعام، فإن لم يجده بحث عنه حتى لا يموت جوعًا. وإذا اشتد ألمه فإنه بالفطرة يبحث عن الدواء، فإن لم يجده سعى إليه مهما بعدت المسافة وغلا الثمن حتى لا يموت ألمًا.
إذا اشتد البرد بحثنا عن الدفء، وإذا اشتد الحرّ أوينا إلى الظلّ، وإذا اشتدت الحلكة بحثنا عن الوميض والنور. وإننا في زمان اشتد علينا فيه الظلم والقهر، اشتد علينا فيه تكالب الأعداء، وتطاول السفهاء، وضلالة العلماء، وخيانة الأمراء. وإنها الفطرة وإنها التجربة وإنه العقل والمنطق، وإنه كل شيء ينادينا لأن نبحث عمّا ينجينا من هذا كله، ولن نجد السلامة إلا بهدي الحبيب محمد ﷺ والكتاب الذي أنزل عليه {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} آية 15 سورة المائدة. إنه رسول الله ﷺ الذي قال: “تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما إن تمسكتم به، كتاب الله وسنتي”. وكيف نضلّ وهو الهادي وهو البشير وهو السراج المنير ﷺ.
فما أحرانا في الزمان الذي نعيش فيه أننا كلّما اشتد علينا الخطب وكثر الظلم وكاد اليأس يحاصرنا من كل جانب أن نلجأ إلى هديه وسيرته ﷺ لنجد هناك الدواء والشفاء والبلسم لكل جراحنا
يا أيها الناس فلتنجوا بأنفسكم ولا تكونوا كمن ضلّت مساعيه
عودوا إلى الله ينقذكم برحمته من الشقاء الذي بتنا نعانيه
ولتستقوا من كتاب الله منهجكم فليس في الأرض منهاج يدانيه
ولتدركوا هذه الدنيا بدعوتكم. حتى تطبوا لها جرحًا تقاسيه
فقد تردّت وهدي الله يدركها. وجرحها غائر والدين يشفيه
🔸في زمن الخذلان وإدارة الظهر والطعنات الغادرة في الصدر، في زمن تصبح إسرائيل دولة صديقة بل لعلها ستصبح يومًا شقيقة، في زمن بات يقال فيه لشعبنا كما قال بنو إسرائيل لموسى {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} آية 24 سورة المائدة، بل إننا مصالحون ومتحابون ومطبعون مع إسرائيل. في زمن يتآمر الأخوة على القدس بل ويشككون في حقنا في المسجد الأقصى كما فعل ذلك السفير السعودي الذي يسمي نفسه كاتبًا وهو أسامة يماني ومثله المصري يوسف زيدان حيث راح كل منهما يروّج لرواية المستشرق والمستوطن الإسرائيلي موطي كيدار من أن المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن الكريم ليس هو الذي في القدس وإنما هو في منطقة الجعرانة بين مكة والطائف ولسان حالهم يقول إن الذي في القدس هو هيكل اليهود وليس مسجد المسلمين.
في زمان كهذا الزمان لنتذكر قول رسول الله ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
🔸وفي زمن الإحباط والتشاؤم واليأس والسوداويه حيث يريد البعض أن نعيش فيه بل أن نغرق فيه، فالمحبط واليائس فإن نفسيته تتقبل كل شيء بعد إذ أغلقت في وجهه أبواب الفرج، وانقطعت به حبال الرجاء والأمل. في مثل هذه الظروف وهذا الزمان فما أحوجنا إلى أن نرد على رياض رسول الله ﷺ نقطف منها زهرة ونشم منها رائحة الأمل والتفاؤل، بل نرتشف من ينبوعها رشفة تبلل شفاهنا وترطّب قلوبنا وتبرّد ظمأ صدورنا، هي قوله ﷺ لابن عباس: “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”. وها هو ابن عباس نفسه يقول: “لو انطبقت السماء على الأرض لجعل الله للمتقين فتحات يخرجون منها. ألا ترى قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا”.
يا عباد الله صبرًا إن توالت الكروب
كلّما تشتد كربًا تنجلي عنك الذنوب
إن في القرآن آية هي طب للقلوب
إن مع العسر يسرًا قال علاّم الغيوب
وقال رجل صالح لابنه في علاج اليأس والإحباط: يا بني إذا رأيت الليل يسوّد ويسوّد فاعلم أن الفجر قريب، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أن انقطاعه قريب، وإذا رأيت الكرب يحتد ويحتد فاعلم أن الفرج قريب.
🔸وفي زمن السفهاء والرويبضات، زمن التافهين وأشباه الرجال فى زمن العبيد الذين تحركهم عصا ترامب وتهديدات نتنياهو في زمن الشقلبة وانقلاب الموازين “إن بين يديّ الساعة سنين خدّاعة فيها يخوّن الأمين ويؤتمن الخائن ويصدّق الكاذب ويكذّب الصادق ويتكلم في الناس الرويبضة. قالوا وما الرويبضة؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة”. في هذا الزمن الذي يحارب فيه الصادقون والمخلصون والشرفاء ومن اختاروا السير على طريق رسول الله ﷺ وأعلنت عليهم الحرب، فما أحوجنا إلى أن نعرف ما قال رسول ﷺ مواسيًا الذين يحاربون لأنهم يقولون ربنا الله ويطاردون لأنهم يقولون محمد رسول الله، عنهم قال رسول الله ﷺ وقد سأله أبو عبيدة رضي الله عنه قائلًا: يا رسول الله: هل أحد خير منّا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك. قال: “نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني”.
🔸في الزمن الذي أصبح الحليم فيه حيران، في الزمن الذي أصبح الناس يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا، في الزمن الذي ما أسهل فيه أن تتميع المواقف حتى أن الرجل يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي كافرًا ويصبح مؤمنًا. في زمن انحراف البوصلة حيث بين عشية وضحاها تكون الإمارات غادرة وطاعنة في الظهر وهذه هي الحقيقة، لكن رجال سلطة أبو مازن وقد قالوا هذا وسحبوا سفيرهم من أبو ظبي والبحرين وادّعوا أنهم يريدون تحقيق المصالحة بين الشعب الفلسطيني، وتظاهروا بقطع التنسيق الأمني الخياني مع إسرائيل، وبين عشية وضحاها رجعوا إلى ما كانوا عليه، أعادوا السفراء وأعادوا التنسيق الأمني وكل ذلك على ما يبدو مقابل مليارات قبضوها من الإمارات وغيرها أنا على يقين أنها وصلت إلى جنوبهم وليس إلى شعبهم، في هذا الزمن الأغبر زمن أن قضايا الأمة ومقدساتها باتت تباع وتشترى يقبض بدلها الدولارات ليصدق في هذا الحال قول رسول الله ﷺ: “إن بين يديّ الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع أقوام أخلاقهم فيها بعرض من الدنيا يسير”. قال الحسن: “والله لقد رأيناهم صورًا بلا عقول، أجسام بلا أحلام، فراش نار، ذبّان طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العنز”، فتذكّروا حديث رسول الله ﷺ الذي يقول فيه: “إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم”. وقال ﷺ: “يأتي زمان على الناس الصابر فيهن على دينه كالقابض على الجمر”.
🔸في زمن علماء السلطان في زمن علماء السوء والنفاق، في زمن أصحاب الفتاوى التي لا يبتغى بها وجه الله ولا رضاه وإنما وجه الحاكم ورضى السلطان، في زمن الفتاوى المدفوعة الثمن، في الزمن الذي أصبح خطيب المسجد الحرام يخصص خطبته لتبرير مشاريع الاستسلام والتطبيع لتسويق سياسة محمد بن سلمان الجديدة، في الزمن الذي يطلب فيه من أئمة وخطباء المساجد في بلاد الحرمين أن يخصصوا خطبة الجمعة لبيان كفر وخيانة وضلالة جماعة الإخوان المسلمين وهم رواد الصحوة الإسلامية المباركة في هذا الزمان، وفي الزمان الذي تصدر فيه هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين فتوى تكفّر فيه جماعة الإخوان المسلمين وتخرجهم عن الملّة، في زمن انحراف البوصلة ليس عند الأمراء بل عند العلماء الذين إذا انحرفت بوصلة الأمراء وجب عليهم تصويبها وليس الانحراف مثلهم، في مثل هذا الزمان فإن عزاءنا وإن مما يسكن ألمنا ويهدئ من روعنا أن نتذكر ما قاله رسول الله ﷺ: “إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين”. وقوله: “إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أئمة مضلّين، إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم”. فعزاؤنا أن في الأمة علماء كثر ما زالوا على العهد من كلمة الحق ونصرة الدين لا يبيعون دينهم بدنيا الملوك، بل إنهم تعجّ بهم السجون والمنافي، ومنهم من علّق على أعواد المشانق، وقد قال ﷺ:” سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله”.
🔸في زمن تهافت الحكام والملوك والرؤساء والأمراء للتطبيع مع إسرائيل وإقامة العلاقات معها كتهافت الفراش عن النار على حساب قضايا الأمة ومصيرها، في الزمن الذي فيه يعلنون الحرب السافرة على أخوة الدين بينما يوطّدون العلاقات مع من ينتهكون العرض ويحتلون الأرض ويدنسون المقدسات، في الوقت الذي فيه نرى تحالفات عجيبة ومعسكرات لا تقوم على الدين والأخوة وإنما على العكس تمامًا، فالأخوة يصبحون أعداءً والأعداء يصبحون أشقاء، في مثل هذا الزمان نتذكر حديث رسول الله ﷺ وهو يقول: “ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدًا من الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه”. نعم إننا في زمن فيه يميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض، فيه يلتقي ترامب على نتنياهو على ابن زايد على بن سلمان على السيسي على بشار. إنه معسكر الخير في مواجهة معسكر الشرّ ومعسكر الإيمان في مواجهة معسكر الكفر، ومعسكر الهدى في مواجهة معسكر الضلالة، ومعسكر الشرفاء في مواجهة معسكر الخيانات.
🔸في زمن الظلم والقهر والبطش في زمن سفك الدماء وإزهاق الأرواح وكثرة القتل، ليس قتل الكفار لنا ولكن قتل بعضنا بعضا، وقتل الحكام لشعوبهم وتهجيرهم وتشريدهم خارج الأوطان. في هذا الزمان الذي ضاقت على شعوبنا الأرض بما رحبت فلا أرض تقلّهم ولا سماء تظلّهم فلم يجدوا إلا بلاد الكفر يلجؤون إليها، في هذا الزمان الذي يراد للأمة أن تقبع فيه في خانة اليأس والقهر وهي تتلوى تحت سياط التعذيب ورصاص القتل، فإننا نتذكر حديث رسول الله ﷺ: “ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض جورًا وظلمًا، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلًا من عترتي، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئًا إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئًا إلا صبّه الله عليهم مدرارًا، يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره “.
إننا في هذا الزمن الأغبر زمن المحن والابتلاءات وزمن كشف الأقنعة، زمن السقوط المدوي حتى باتت مواقف عرب ومسلمين تنتقل من النقيض إلى النقيض، بل لعلّ البعض منا يتساءل عن هؤلاء هل مسلمون حقًا وهل من يشكك في المسجد الأقصى مسلم، وهل من يرسم مجسم هيكل اليهود على طائرته بدل مسجد المسلمين الأقصى مسلم، ومن يعتبر دين محمد ﷺ وعقيدته بحاجة إلى تصحيح هل هو مسلم حقًا، وهل الذي يتوجب عليه أن يقاطع منتوجات فرنسا انتصارًا لرسول الله ﷺ فإنه يدعو لمقاطعة منتجات دولة مسلمة هي تركيا، فهل هؤلاء مسلمون من أحفاد محمد، أم أنه من أحفاد أبي لهب، وصدق الشاعر في تساؤله لمّا قال:
يا قوم أبكتني مصائب أمة لاقت سفينة ركبها إعصارا
يا قوم قد ذاب قلبي من أسى وتخافتت دقاته استنكارا
هل نحن أحفاد النبي المصطفى أحمد من رفع اللواء وسارا
أم من أبى جهل مشينا دربه متمردين على الهدى كفارا
يا قومنا كل المبادئ كشفت تستقبل الدنيار والدولارا
لم يبق إلا مبدأ نرجو به أن نبلغ الآمال والأوطارا
لم يبق إلا ديننا إسلامنا يمحو الفساد وينسف الأوكارا
إسلامنا بالأمس أنشأ أمة كانت تعيش مذلة وصغارا
فغدت بفضل الله أعظم أمة كانت لكل الحائرين منارا
فإلى كل الحيارى والتائهين، إلى كل من يراد لهم الغرق في مستنقع الذلّ والهوان واليأس والإحباط والسير في قافلة العبيد قافلة الباطل والكفر، لكل هؤلاء اطمئنوا وثقوا بوعد الله الذي وعد أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
اثبتوا واصبروا ولا يستهويكم البريق ولمعان الباطل وزيفه وزبده {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
شدة وبتزول هيك علمنا الرسول ﷺ.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون