لولا فسحة الأمل …
ليلى غليون
هذا الواقع وما يعجّ من ابتلاءات ومحن ومصاعب وعلى كل المستويات وعلى كافة الأصعدة الاجتماعية والأسرية والسياسية والاقتصادية والنفسية، هذا الحال الذي ربما ينظر إليه كثيرون بنظرات سوداوية تشاؤمية تقتل كل همّة وإرادة للانطلاق والتغيير، يدعونا لنقف لحظات مع أنفسنا، وينادينا بصوت عال، أن أحيوا قيمة التفاؤل في القلوب والأرواح وفجّروا فيها الهمم نحو القمم، وازرعوا فيها اليقين مهما اشتد الأنين، وابذروا فيها البسمات مهما ادلهمّت الظلمات بأن الصبح قادم، وأن تباشير الأمل تلوح رايتها في العلياء، فأعدّوا عدة الصبر والمصابرة، وهل تكون البشرى إلا لمن صابر وصبر.
أن تتفاءل يعني أن صدرك قد انشرح وإن غشيتك البلايا، وأن شفتيك قد انبسطتا دون إرادة منك لترتسم عليهما ابتسامة أضاءت طريقك شموعا، وإن أحاطتك الرزايا تتردد في ثنايا روحك: (لا تحزن إن الله معنا).
أن تتفاءل فذاك يعني أن نفسك قد سكنت وأن الطمأنينة في وجدانك قد استقرت، فلا مجال للشدّة التي تحياها أن تتمكن منك، بل أنت من تملك إدارة أزمتك بكل هدوء وثقة تنتظر بيقين المؤمن، أن بعد هذه الشدة سيأتي الفرج بإذن الله، وهل أجمل من ابتسامة تغسل بها وجهك من الأحزان، ابتسم، نعم ابتسم، ليس بالضرورة فرحا، ولكن ببساطة لأنك تحسن الظن بالله عز وجل أنه لن يضيعك، وحسن الظنّ بالله تعالى من حسن العبادة.
تفاءل وابتسم إذا واجهتك الصعاب وألمّت بك الملمات، فأنت تعيش في دنيا أعدّت للابتلاء ولم يسلم منها أحد حتى الأنبياء، واعلم أن هذه الصعاب والملمات لم تأتك إلا بقدر كتب عليك، وتيقن أنها لن تدوم للأبد (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا).
تفاءل وابتسم إذا أغلقت أمامك الأبواب، وتذكر أن لك ربا كريما لا يغلق بابه أبدا.
تفاءل وأنت تدعو الله عز وجل، أن الإجابة ستأتيك مع طلوع الفجر أو إشراقة الشمس أو مع هزيع الليل، وتفاءل أكثر إذا تأخرت عنك الإجابة فالذي أخرها سبحانه يدبر أمرك ويعلم أين يكمن الخير لك، أو ربما ليختبر صبرك وحسن ظنك، وليتك تعلم ما أعدّه المولى عز وجل للصابرين المحتسبين من خير عظيم، فتمسك بحبل الصبر والرجاء ولا تفتر.
تفاءل وابتسم فالحياة مهما طالت فهي قصيرة جدا ولا تضيعها باجترار الآلام والذكريات الحزينة، واسلك سبيل الأمل الذي لن تجده إلا في طريقك إلى الله عز وجل.
تفاءل وابتسم وجرّب لذة العطاء حتى لو حرمك الناس، فما ألذ طعم العطاء ولا يعرف حقيقة طعمه إلا من رشف من كؤوسه، ولكن ألذ ما في العطاء أنك تعطي وأنت أكثر من يحتاج لهذا العطاء.
تفاءل وابتسم وازرع في قلبك زهرة الأمل، فلن تذبل ما حييت واروها بماء الصبر والتوكل وحسن الظن بالله، لتبقى تداعبها نسائم الفجر حتى بعد مماتك.
تفاءل وابتسم ولو اصطدمت أحلامك بصخرة واقع لا يمكن أن تحقق فيه مرادك، وما تهفو إليه روحك وما يصبو إليه فؤادك، ليبدو لك أنك تتسلق شجرة المستحيل، تفاءل ولا تعجز، فالذي زرع في قلبك الأمل وبذر فيه بذور الحب لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شيء قدير.
تفاءل وابتسم وأنت تنظر إلى عظيم رحمة الله التي وسعت كل شيء، كيف يمحو الله تعالى زلاتك وما أكثرها، ويغفر خطيئاتك وما أعظمها، ويطوي صفحات كتاب ماضيك المسطر بالذنوب مقابل توبة نصوح خالصة تصدر منك.
تفاءل وابتسم إذا قل مالك وولدك ولم تملك من حطام الدنيا الفانية إلا القليل، لأنك أغنى الناس بإيمانك وصبرك، فالرسول صلى الله عليه وسلم، خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير.
تفاءل وابتسم فلن تكلفك الابتسامة درهما ولا دينارا، فكم من ابتسامة أضاءت قلب محروم، وشرحت صدر مغموم ومسحت دمعة مهموم.
فسبحان من جعل الابتسامة عبادة نؤجر عليها (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).
وسبحان من جعل التفاؤل من صفات المؤمنين (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
وما أجملها باقة ابتسام وتفاؤل شعرية نسجها ايليا أبو ماضي أبيات شعرية لما قال:
قلت: ابتسم يكفيك أنك لم تزل حيا ولست من الأحبة معدما
قال: الليالي جرعتني علقما قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما طرح الكآبة جانبا وترنما
أتراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما
يا صاح لا خطر على شفتيك أن تتثلما والوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم ولذا نحب الأنجما