ظاهرة “الترامبية” نهج وليس حدثاً عابراً
الإعلامي أحمد حازم
خلال الأشهر القليلة الماضية أي في فترة التحضيرات لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وجه أحد الصحفيين الأمريكيين سؤالاً إلى دونالد ترامب، عما إذا كان سيحترم ويتقبل نتائج الانتخابات مهما كانت، فأجابه بكل عنجهية: “طبعاً سأفعل ذلك إذا كانت النتيجة فوزي بهذه الانتخابات”. من هنا يتضح أن ترامب ومنذ البداية لن يقبل بفوز بايدن وسيذهب للمحاكم ويخطط لأفعال معينة.
دونالد ترامب لم يكن في حياته يوما ما سياسياً، بمعنى أنه لم يتعاط بالسياسة مطلقاً، وحتى في فترة حكمه مارس أسلوب حكم خاصاً به لا علاقة له بالسياسة. وقد قال محلل سياسي في تحليل له:”ترامب لم يتعلم علم السياسة والكياسة وأصول الرياسة، بل كان يدير أميركا وعلاقاتها مع دول العالم الخارجي كما لو أنه يدير واحدا من نوادي القمار أو الفنادق التي يمتلكها، فيُقرّب هذا ويطرد ذاك من موظفيه بمزاجية منقطعة النظير”.
ومنذ دخوله البيت الأبيض وحتى الآن تعامل ترامب مع العالم بـ “عقلية الكاوبوي” عقلية الابتزاز للغير، يعني “زعرنة سياسية” لدرجة أنه ابتز أصدقاء أمريكا، مثل السعودية التي أجبرها على دفع الجزية له، وخاطب قادتها في كلمة له: “تريدون حمايتنا فيجب عليكم الدفع”. هكذا وبكل بساطة. هذا الأسلوب لم يستخدمه أي من رؤساء أمريكا السابقين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
خلال فترة حكمه كانت إسرائيل ومصر وبعض دول خليجية، الدول الصديقة شبه الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي الدول التي كادت أن ترفع الأعلام السوداء لخسارة ترامب في الانتخابات. صحيح أن ترامب في كلّ الأحوال، سيخرج من البيت الأبيض في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير 2021، لكن في النهاية يجب ألا ننسى أنّه حصد أكثر من سبعين مليون صوت في الانتخابات، بمعنى أنه خصم لا يمكن الاستهانة به، ولم يفشل بضربة قاضية كما كان متوقعاً بسبب سلوكه السياسي، رغم أن كبرى وسائل الإعلام الأمريكية تحالفت ضده مثل “نيويورك تايمز”، “واشنطن بوست”، “سي. ان. ان” وحتّى “فوكس نيوز” التي كانت محسوبة عليه.
وإذا كنا واقعيين مع أنفسنا، لا بد من القول إن دونالد ترامب ظاهرة فريدة من نوعها في السياسة الأميركية. وبما أن ما يقارب نصف الناخبين الأمريكيين أيدوا ترامب، فإن هذه الظاهرة يمكن أن نسميها “الترامبية”. كما أن قدوم ترامب إلى الرئاسة الأمريكية عام 2016 لم يكن باعتقادي مجرد فوز في انتخابات، وليس حدثاً سياسياً عابرًا، بل هو صعود كبير لليمين في الولايات المتحدة، وهذا اليمين اختار “الترامبية” كتيار فكري، بدأ يتطور بقوة وبسرعة في فترة ترامب.
تقول معلومات أمريكية، إن حوالي مليون قطعة سلاح قد تم بيعها بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، والسؤال المطروح من له مصلحة في شراء السلاح؟ طبيعي أن تكون المجموعات اليمينية التي هي بطبيعة الحل أنصار ترامب، لهم المصلحة الأولى في ذلك. ولكن الخطر في هذا الأمر ضد من ومتى ستدق ساعة الصفر لاستعمال الأسلحة.
التلفزيون الفرنسي (فرانس 24) ذكر في العاشر من شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي: “قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ألقت الشرطة الأمريكية الضوء على وجود المجموعات المسلحة لليمين المتطرف والتي تشكل بحسب الشرطة الفيدرالية، التهديد الإرهابي الأول في عهد دونالد ترامب، وأكثر هذه المجموعات شهرة: “ثري بيرسنترز”، “أوث كيبرز”، “براود بويز” ، “بوغالوس بوا” و”باتريوت براير”. ومع وصول دونالد ترامب إلى السلطة، ظهرت تلك المجموعات بمشاركة مناصريها في تجمع لليمين المتطرف في شارلوتسفيل في فرجينيا عام 2017.
خلال المناظرة التي جمعته مع خصمه الديمقراطي جو بايدن أواخر شهر أيلول/سبتمبر الماضي خاطب ترامب مناصريه بالقول: “أدعو مناصريَّ إلى التوجه لمراكز التصويت ومراقبة ما يجري هناك بانتباه”. وأثار الجدل بدعوته مجموعة “براود بويز” اليمينة لتكون على أتم الاستعداد، ليجيبه جو بيغز أحد قياديي المجموعة: “نحن مستعدون”.
دونالد ترامب شئنا أم أبينا لا يزال رئيساً للولايات المتحدة حتى العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير العام القادم. فهو يستطيع فعل ما يشاء دون رقيب أو حسيب، وهو الذي يمتلك حرية الضغط على “زر” السلاح النووي والصواريخ المواجهة، كونه القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية بصفته رئيساً حالياً للولايات المتحدة. قد يقول قائل إنه لن يصل به الجنون إلى هذا الحد، ولكن المتهور، كثيراً ما يفعل أشياء غير متوقعة. ترامب يعيش الآن مرحلة نفسية معقدة جداً ولا نستبعد أن يقوم بأعمال جنونية لسببين: أولهما فشله في الانتخابات وثانيهما طلب زوجته الطلاق منه. ضربتان في آن واحد.