ليلى غليون
ليس من منطلق ضعف الحجة، ولا من زاوية التقوي بالغير ولا هو من باب الدفاع عن الثوابت والقناعات، نعم ليس بسبب واحد من هذه جردت قلمي وحركت يدي لأخوض في هذا الموضوع، فقناعاتنا الثابتة والمبنية على أسس قويمة ومنهجية سليمة تنسجم مع العقل والفكر والعاطفة ولا يمكن أن تتعارض أو تصطدم معها، بالإضافة لكونها قناعات قوية جلية وليست بحاجة لدعم من هنا أو مساندة من هناك لإثبات مصداقيتها وموضوعيتها وملاءمتها للواقع مع اختلاف زمانه ومكانه، ولكن هدفي وقصدي من طرح هذا الموضوع وضع علامات سؤال واستفهام كبيرة أمام رائدات الفكر النسوي في مجتمعاتنا العربية وأمام كل من تغرد في سربهن من المبهورات جدا جدا بالفكر الغربي ويعملن جاهدات لتمرير هذا الفكر في مجتمعاتنا الاسلامية على اعتبار ان تبنيها لهذا الفكر والانسلاخ عن الجذور والثوابت الاصيلة هو السلم الذي نرتقي عبره لنصل الى الحضارة والمدنية خصوصا فيما يتعلق بالمرأة وقضايا المرأة حيث تقف الحركات النسوية على أرجلها وأياديها تارة تسبح بحمد الايديولوجيا الغربية، وتارة بمحاربتها ومناهضتها لكل ما يمت إلى الدين بصلة.
وانني بمقالتي هذه لن اهاجم احدا ولن اتحدث بكلام مرسل أو بأسلوب عاطفي او بأسلوب التعميم، ولكن بأسلوب علمي رصين أعتمد فيه على حقائق ووقائع افرزها ذاك المجتمع الغربي الذي استنبتت فيه قضية المرأة وذاق طعمها المر وتنادي الحركات النسوية العربية لتقليده ونهج نهجه.
فها هي الكاتبة الألمانية ” ايفاهيرمان ” والتي كانت من أشهر المذيعات في التلفزيون الألماني تطلقها ثورة على الحركات النسوية في الغرب وذلك من خلال كتابها الذي اصدرته في اوج شبابها وشهرتها وتألقها المهني وهو بعنوان ” مبدأ حواء … من اجل انوثة جديدة “، تهاجم فيه وبشدة المبادئ والخطوط العريضة التي انطلقت منها الحركة النسوية الغربية وما آلت اليه المجتمعات الغربية بسبب هذه المبادئ والقيم. ومجرد الاعتراض على الحركات النسوية يعتبر جريمة اجتماعية في الغرب ولكنها وكما تقول قد اخترقت هذا المحظور بسبب المآسي الاجتماعية التي تعيشها المرأة الغربية بل استعبادها تحت مسمى تحريرها، حيث جاء في كتابها: “الأمهات يعانين، والمجتمع ينحدر في هوة سحيقة، ونحن نقضي على أنفسنا، وأطفالنا يعيشون المآسي “.
وقد عرضت ” ايفاهيرمان” كتابها في ثمانية فصول حيث يكفي للقارئ ان يقرأ عناوين هذه الفصول ليكون على علم واطلاع بمضامينها وبالتالي تنعكس له صورة تلك المجتمعات جلية ليتعرف على حقيقتها والمآسي الاجتماعية التي تغرق فيها حتى النخاع.
وأما عناوين الفصول فهي كالتالي:
1- تحقيق الذات كذبة العمر … علام نضحي بكل شيء؟
2- انكار الفوارق … علام تختلف حواء مع آدم؟
3- مأساة الاطفال … علام نعيش في مشاعر عصر جليدي؟
4- مجتمع بلا روابط … علام نفقد السند الاجتماعي.
5- أزمة العلاقات الجنسية … علام نعبث بوجودنا الانساني.
6- مطالب الحركة النسوية بالسيطرة … علام نتجاهل انوثتنا.
7- الحرب ضد الرجال … علام نحتاج اليها وينبغي ان نتجنبها.
8- الطريق الى المصالحة .
لقد نادت الحركة النسوية بأن تحقق المرأة ذاتها فكان حصادها كذبة كبرى خسرت فيها ذاتها، ونادت الحركة النسوية بإزالة الفوارق بين الذكر والانثى، فكان نتيجة ذلك وجود جنس ثالث قوض اركان بناء جميل اسمه الاسرة، ونادت الحركة النسوية بالحرية الجنسية فكانت حصيلة ذلك انفلاتا وسعارا جنسيا رهيبا ومزيدا من الاعتداءات الجنسية والاغتصاب على مستوى الاطفال والكبار والصغار، ونادت بحرب معلنة ضد الرجال فخسرت فيها المرأة وفي كل الجولات بل نادت بحرب ضد النساء أنفسهن وذلك بامتهانها وازدرائها للأمومة والامهات وحياة ربات البيوت حيث اعتبرت الامومة مجرد مهنة كباقي المهن بل اقل منها كونها مهنة بلا مقابل وبلا ربح مادي .
وتؤكد الكاتبة الألمانية على هذا الكلام وتتحدث بفطرتها الانسانية وفطرتها الانثوية التي تحاول الحركة النسوية تشويهها فتقول : ان المفتاح بيد المرأة فهي الاقدر على انشاء روابط اسرية مستقرة مع التأكيد على موقع الاسرة اجتماعيا وتثبيت الاحساس بالدفء والحنان والاستقرار فيها لأنها الاقدر – أي الاسرة – على تحقيق التربية الاجتماعية القويمة للفرد والمجتمع، كما ودعت الكاتبة الى ضرورة التحرر من القيود الفكرية التي صنعتها الحركة النسوية في الغرب، ويجب الاهتمام بتكوين الاسرة وبالأطفال وعودة العلاقة بين الاجيال واحترام الاطفال للآباء والامهات بعد ان سحق هذا الاحترام تحت عجلات التربية الحرة، وطالبت أيضا برفع شعار المصالحة بين الرجل والمرأة وبين المرأة والمرأة، ووقف المعركة الوهمية والمفتعلة التي اشعلتها الحركة النسوية بين كلا الجنسين.
هذا الكتاب يمثل تحذيرا من العواقب المستقبلية للحركة النسوية، وهو بمثابة جرد حساب لهذه الحركة ونتائج ما صنعته وتصنعه في المجتمع الغربي.
واختم بسؤال اوجهه الى الحركات النسوية في مجتمعاتنا العربية: إذا كان اهل وابناء هذه المدنية الزائفة قد قرفوا منها وعافوها ويصرخون بأعلى اصواتهم للقضاء على هذه الافعى السامة، فهل من المعقول ان نقوم باحتضان هذه الافعى في ديارنا وتربيتها وتهيئة كل الظـروف الملائمة لها؟
فهل من جواب يا رائدات الحركات النسوية في ديارنا؟