هل فعلا تحررت المرأة؟!
ليلى غليون
وبعد: وها قد مر على تصنيع بل تصدير قضية ما يسمي تحرير المرأة في مجتمعاتنا، أكثر من مئة وعشرين عاما، صال فرسانها وفارساتها وجالوا في ساحاتها الملغومة حسب تخطيط مدروس وبنفس طويل وبهدف واضح، حيث انطلقت أولى شرارتها ابتداء في المجتمع الغربي احتجاجا على الظلم الذي وقع على المرأة الغربية التي كانت تعمل بنفس الساعات التي يعمل بها الرجل ولكنها تتقاضى نصف أجره، لتتعدى هذه القضية بعدها الحدود والقارات لتصل إلى ديارنا كما وصلت إلى ديار غيرنا، ثم ما لبثت البوصلة أن انحرفت عن مسارها وتوجهها ومطالبها وخطابها الذي انطلق بسبب الظلم في الأجور ليتحول اليوم الى السعي لجندرة المجتمعات.
لقد نبّه الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله، لدعوى تحرير المرأة بلغته الواضحة ومشاعره الصادقة حين قال: (إنَّ القائمين على المدارس المختلطة والجامعات يُعلِّمون الطالبات- فيما يعلمونهن- كيف يتجنبن الحبل، وكيف يتخلصن منه إن وقع. أي أنهم يبيحون السفاح، أو يصنعون شيئاً هو قريب من ذلك، فينزلون بالبشر إلى رتبة البهائم!). ثم يأتي منا من يريد أن يسلك ببناتنا هذا المسلك، فيحاربون الحجاب، ويرغبون في التكشف، ويحبذون الاختلاط، ينفِّذون فينا أول مادة من قانون إبليس، أي التكشف والسفور والحسور: (يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا). (الأعراف27)، أليست هذه هي المادة الأولى في قانون إمامهم وقائدهم إلى جهنم إبليس؟”. فقط هذا هو الجزء الذي يمكن أن يوضح لنا معنى (الجندر) ذي الخلفية الفلسفية القاتمة والواجهة المموهة، وتتجلى الثمرة المشهودة للدعوة إليها مكشوفة في هذا النص الإلهي الواضح “يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا”.. أما بقية المعاني فستظل محل إشكال عند أصحابها، ومن يروج لهم؛ أما عندنا فقد حدد لنا الله- عز وجل- المنظور الشرعي بقاعدة الفطرة وفروع الحقيقة المشهودة في جملة قرآنية قصيرة: “وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى”.
– نعم لقد خرجت المرأة من شرنقتها، وشاركت في جميع الأنشطة الحياتية، ونالت حرية التعليم.
– غادرت البيت إلى العمل، تحقق لها الاستقلال الاقتصادي، كسرت معظم قيودها.
– حلقت مع الرجل في معظم فضاءات المناصب والأعمال إن لم يكن جلها.
– خرجت نعم ولكن هل تحررت؟
لم يعد الخلاف اليوم ما إذا كانت تخرج أولا تخرج، تعمل أو لا تعمل، فهي تخرج، وهي تتعلم، وهي تعمل، ولا غبار في ذلك، ولكن هل تحقق لها ما أرادته من هذا الخروج؟
لقد شاركت الرجل دوره في العمل خارج البيت، ولكنها في الغالب ما تتحمل وحدها العمل داخل البيت لتقصم ظهرها الأعباء المضاعفة التي لا تنتهي، صار عليها لزاما وليس اختيارا أن تتكيف بين عملها خارج البيت وداخله حتى أصبحت كالطاحونة أو المرأة “السوبر” الخارقة لتتمكن من القيام بكل المهمات الملقاة عليها لتنسى نفسها بل ربما تلغي ذاتها.
احذروا خدعة تحرير المرأة
هنري ماكوو مؤلف وباحث متخصص في الشؤون والحركات النسوية يكشف زيف ادعاءات تحرير المرأة ويصفها بالخدعة القاسية إذ يقول: (تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات وخربت الحضارة الغربية، لقد دمرت الملايين وتمثل تهديداً كبيراً للمسلمين).
الكاتبة الفرنسية “فرانسواز ساجان” حين سئلت عن سبب سخريتها مما يسمي تحرير المرأة قالت: “من خلال نظرتي لتجارب غالبية النساء أقول: إن حركة تحرير المرأة أكذوبة كبيرة، اخترعها الرجل ليضحك على المرأة”.
“خطايا تحرير المرأة”، مؤلفة هذا الكتاب هي الكاتبة الأمريكية كاري لوكاس، تعتقد المؤلفة أن هناك الكثير من المعلومات المزيفة والأوهام يتم تمريرها لهذه الفئة من النساء من قبل الحركة النسوية في أميركا التي احتكرت ذلك لفترة طويلة عبر وسائل الإعلام والتي تكون وعياً زائفاً لديهن مما انعكس على حياتهن بشكل سلبي.
وتخلص كاري إلى أن حركة تحرير المرأة نجحت في تحقيق هدفها بمساواة النساء بالرجال، لكنها جنحت عن رسالتها الأصلية حين ارتبطت بسياسات ليبرالية راديكالية مع عداء شامل نحو الأسرة.
ثم تناقش المعلومات المزيفة والأوهام المغلوطة التي تتبناها النسوية الحديثة، فتتناول موضوع الاختلاف بين الجنسين وتقرر أنه أمر طبيعي وفطري، وهي الحقيقة التي ترفضها النسوية الحديثة، رغم أن الحقائق العلمية تؤكد أن الاختلافات بين الجنسين حقيقة علمية لا يمكن التشكيك فيها.
ما لم تخبرنا به أمهاتنا
أما الكاتبة “دانيالي كوتيدن” فتقول في كتابها “ما لم تخبرنا به أمهاتنا”: (إن الجيل الجديد من الأمهات تحت سنّ الأربعين أصبحن ضحايا للحركة النسوية، حيث دأبت هذه الحركات على تشجيع عمل المرأة والخروج من البيت وتأخير الزواج، وقلّلت من دور المرأة في تربية الأطفال ورعاية المنزل، ودعت إلى أن يقوم الرجل بذلك عملا بمبدأ المساواة المطلقة…). وعلى هذا فإن عمل الحركة النسوية ومطالبتها باقتحام كلّ مجالات العمل ساهم في قطع ارتباط المرأة بالجوانب المتصلة في تكوينها النفسي والعقلي مثل غريزة الأمومة وحبّ تكوين الأسرة، وتدعو “دانيالي” في المقابل أن تعود المرأة إلى البيت وأن تتزوج مبكرة وألا تعمل قبل أن يكبر الصغار ويدخلوا المدارس.
وتعترف أن لفظة “حركة نسوية” أو”اتحاد نسائي” أصبحت تثير الاشمئزاز لدى عدد لا بأس به من النساء في أمريكا، وذلك مرده إلى الطروحات المتطرّفة المتصادمة مع متطلبات الأنثى.
الاخلاق
العالم الإنجليزي “سامويل سمايلي” الذي قال في كتابه (الأخلاق): (إن النظام الذي يقضي بأن تشتغل المرأة في المعامل ودور الصناعات مهما نشأ عنه في الثروة، فإن النتيجة هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان العائلة، وفرق الروابط الاجتماعية، لأن وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية، كترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات العائلية، ولكن المعامل سلختها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأضحى الأولاد يشبون على غير التربية الحقيقية، لكونهم يلقون في زوايا الإهمال، وأطفئت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والقرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت عرضة للتأثيرات التي تمحو غالبًا التواضع الفكري والخلقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة).
هذه بعض الشهادات الغربية التي رأت فيما يسمى بقضية المرأة بأنها وبالا ومقتا على المجتمعات ودمّرت الكثير من قيمه، وتم تصديرها إلى مجتمعاتنا وزرع الالغام فيها وتنادي به الجمعيات النسوية عندنا بأعلى صوتها.
ولنا وقفة مع شهادات أخرى كشفت زيغ وباطل هذه الدعاوى في المقال القادم إن شاء الله.