الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (11)
عائشة حجار- محاضرة جامعية وطالبة دكتوراه في الإعلام الحديث
هل سمعت بالخبر الاخير؟ ذلك الحادث المرعب الذي حصل في آخر الدنيا وسيتسمر شعر رأسك حين تسمعه. لم تسمع به؟ دعني أحكيه لك إذًا بالتفاصيل التي كانت والتي لم تكن. لا تريد؟ لا بأس، سيصلك الفيديو بعد لحظات في رسالة على مجموعة الواتساب الاخبارية أو العائلية. لا تشارك بالمجموعات؟ إذًا لا بد أن تشاهد صورا مختارة مع رسومات وبعض الفيديوهات التي تشتغل تلقائيا في مواقع التواصل الاجتماعي. لست مشاركا في هذه المواقع وهاتفك “نوكيا” أبو ازرار؟ ممتاز! هكذا لن تعلم أن المقطع قد وصل منذ مدة إلى هواتف أبنائك وتحوّلت الجريمة الى نكتة والدافع إلى حجة.
هذا الاسبوع كانت هناك ثلاث جرائم حول العالم تمكّنت من إشغال بعض الدقائق من وقتنا لشدة وحشيتها. لم يكن هناك مجال تقريبا للهروب من تفاصيل الاحداث المروّعة وتساءل كثيرون لماذا أصبح العالم بهذه الوحشية؟ فعلا لماذا؟ لنقسم الموضوع إلى نقاط تجيب عن قسم بسيط من التساؤلات:
– وحشية البشر ليست أمرًا حديثًا وحتى التفنن في الأعمال الوحشية هو جزء من الثقافات البشرية. أنظر مثلا سربرنيتشا، نيرون، مجزرة عكا، أصحاب الاخدود، قابيل وهابيل.
– إذا كان المسؤول عن العمل الوحشي زعيما أو سياسيا فهو حدث إعلامي يهدف لإيصال رسالة إلى مجموعة ما. أنظر مثلا إعدام النعمان ابن المنذر، قنابل هيروشيما وناغاساكي، إلقاء “أم القنابل” من قبل القوات الامريكية في أفغانستان.
– الإعلام يبرز الحوادث الأكثر وحشية بشكل خاص، لأنها تجذب الجمهور أكثر، وليس لأنها أكثر أهمية أو أن معرفتها تفيدنا بشيء. كلما كانت التفاصيل أبشع استيقظ فضولنا وغريزة التلصص لدينا أكثر، وبهذا نغذي بعيوننا نشر هذه الاحداث.
– عدد البشر في العالم بازدياد، وكذلك نسبة الفقر، وبهذا أيضا عدد الجرائم والحروب.
– الجرائم تسبب بعضها! وهو أمر أثبتته الأبحاث حيث إن نسبة ارتكاب جريمة من نوع وشكل معين، تزيد أضعافا مضاعفة إن حصلت هذه الجريمة على تغطية إعلامية، هنا يمكن القول إن بعض الناس قد يقلّدون الجريمة. كيف؟ ببساطة إذا جعلتك ترى تصرفا ما مرة تلو أخرى فإنني أزرعه في رأسك وأجعلك تألفه، ثم يزيد الاحتمال أن تفعل بنفسك ما شاهدت. للأسف الافعال الطيبة لا توقظ غريزة التلصص لدينا، ولذلك لا تحصل على تغطية إعلامية كما تفعل الجرائم والفضائح، لذا نجد الأخيرة تزداد أكثر.
– مواقع التواصل الاجتماعي هي صفحات إلكترونية مليئة بفحوى يكتبه الكثير من الناس، وبهذا يكون قسم كبير منه مكررا، عام 2017 كان أكثر من نصف الفحوى في فيسبوك وتويتر عبارة عن منشورات منسوخة، لذا فأنت تتعرض للقصص البشعة مرة تلو أخرى، بل إنها تحاصرك ولا تسمح لك بتجاهلها، لا أحد تقريبا محمي من هذا الأمر.
لنلخص ما قلناه حتى الآن: نحن في عالم فيه أكبر عدد من البشر خلال التاريخ، أضف إلى ذلك أن عدد البشر الذين يملكون منصة إعلامية عدد هائل، هذه المنصات الاعلامية حاضرة بقوة في حياتنا اليومية، وتبثّ لنا رسائل سلبية في الغالب، كل هذه الرسائل الكثيرة المتكررة يتعرض لها الكثير من البشر، مغذية بهذا الشر في نفوسهم حتى يصل الأمر بالبعض إلى تقليد ما تحويه الرسائل بشكل واع أو غير واع (أنظر مثلا قتل، سرقة، تنمر، تحرش).
سأنهي بنصيحة من الصعب جدا اتباعها، لكنها تجعل حياتك أفضل: سمعت عن حادث قتل أو تعذيب أصبح حديث الساعة؟ دع الأمر ينتهي هنا! لا تدخل مواقع التواصل الاجتماعي في هذا اليوم. لا تشاهد مقاطع وصور لتفاصيل أي جريمة، مشاهدة الكوارث لا تزيدك جمالا ولا شبابا. لا تنشر مقاطع عنيفة، أنت لا تعلم إلى أي نوع من العقول ستصل هذه المقاطع، وعقول البشر كما بتنا نعلم جيدا، خطرة جدا.
ملاحظة: إذا كان هناك أي نص إعلامي ترغبون بأن أتناوله في الحلقات القادمة أرسلوا إليّ اقتراحاتكم، ملاحظاتكم، نصائحكم عبر الفيسبوك: Aysha Hjjar