اعتراف إسرائيلي بسرقة آثار سيناء.. لماذا تصمت مصر؟
اعترفت صحيفة عبرية بسرقة الاحتلال الإسرائيلي لآثار مصرية في شبه جزيرة سيناء، إبان فترة الاحتلال لها في ما يعرف بحرب السويس عام 1956، وذلك في ظل صمت مصري يثير التساؤلات، حول عدم مطالبة مصر بآثارها المنهوبة.
صحيفة “معاريف” العبرية، قالت الأحد، إن وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان، عكف على سرقة الآثار المصرية في سيناء، وأنه كان يشرف بنفسه على أعمال الحفر للكشف عن الآثار، فيما أرفقت صورة لمنزله يعج بالآثار الفرعونية المسروقة.
وأكدت أن دايان قام بالحفر بحثا عن الآثار بمنطقة “سرابيط الخادم” الأثرية بجنوب غرب سيناء، موضحة أنه كان يحط بمروحيته الخاصة بالمناطق الأثرية المصرية، ويخفي الآثار في أكياس تمهيدا لنقلها إلى بيته.
كاتب التقرير الصحفي الإسرائيلي عيدو ديسنتيك قال إن والده آريي، أثناء خدمته بقوات الاحتياط، ضبط موشيه دايان وهو يسرق آثار سيناء، مؤكدا أنه كان يشرف على أعمال الحفر للكشف عن الآثار، ثم أرسلها إلى بيته في تل أبيب، عبر مروحيته الخاصة.
وقالت الصحيفة إن وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبينها “معاريف” لم تكتب عن سرقات دايان الأثرية إلا عام 1981، بعد اعتزاله العمل السياسي، مؤكدة أن إسرائيل عند احتلالها سيناء عام 1956 سرقت الآثار من سرابيط الخادم، وتم شحنها لقسم الآثار بالقدس المحتلة.
تقارير صحفية مصرية عديدة تحدثت عن سرقة إسرائيل لآثار سيناء، بينها صحيفة “روزا اليوسف”، التي نقلت عن مدير منطقة آثار سرابيط الخادم مصطفى محمد، عام 2015، قوله إن الإسرائيليين حفروا بمواقع “الشيخ محسن، والنبي صالح، ووادي فيران، ومغارة، وسرابيط الخادم، ووادي النصب، وخريج جنوب سيناء وقاموا بمسح أثري لساحل البحر المتوسط”.
“الحل في اتفاقية لاهاي”
وفي تعليقه، أعلن رئيس قطاع الآثار المصرية السابق الدكتور محمد عبدالمقصود، في حديث صحفي، عن تعجبه للتجاهل الإعلامي المصري لما أعلنته الصحيفة الإسرائيلية، واصفا إياه بـ”الشيء الغريب والتجاهل المتعمد”، متسائلا: “لماذا لا يهتمون في مصر بهذا الأمر بنفس درجة اهتمام الإعلام العربي والعالمي؟”.
عبدالمقصود، أحد المسؤولين المصريين السابقين عن ملف عودة الآثار المصرية المسروقة من سيناء بعد احتلال إسرائيل لها بالعام 1967، أكد أن “الأهم الآن هو ذلك الاعتراف الإسرائيلي الذي يوثق سرقة آثار سيناء بعد حرب السويس بالعام 1956، واحتلال إسرائيل لشبه الجزيرة المصرية لعدة شهور”.
ولفت إلى أن أزمة سرقة آثار سيناء عقب نكسة 1967، تم حلها بالتفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي عامي 1992 و1994، وتم استرداد نحو 1800 صندوق على 4 دفعات”، مبينا أن “هذا ملف جديد لسرقة الآثار المصرية لم تحدث فيه أية مفاوضات بين القاهرة وتل أبيب”.
وقال الخبير بالآثار والأكاديمي المصري، إنهم “في مصر يبدو أنهم لم يفهموا القصة بعد”، مبينا أن “ما تستند إليه القاهرة لاستعادة آثارها هذه هو اتفاقية (لاهاي 1899 و1907)، خاصة أنها مواقع أثرية ثابتة ومعروفة وقعت تحت الاحتلال، وتمت سرقتها زمن الحرب”.
وأشار أيضا إلى أن ما يعزز موقف مصر أكثر، هو أن موشيه دايان كان مسؤولا رسميا وليس شخصا عاديا، وهو “ما يضع المسؤولية على عاتق الحكومة الإسرائيلية”.
ويعتقد أن هناك “معلومات أخرى أكثر خطورة لم تنشر بعد قد تكشف النقاب عن جرائم أشد وطأة لإسرائيل بحق آثار مصر في سيناء، وأن هذا ما سمح بنشره فقط حول سرقة الآثار المصرية القديمة بمنطقة سرابيط الخادم”.
وحول دور الحكومة المصرية في استرداد هذه الآثار من الاحتلال الإسرائيلي، أكد الرئيس السابق لقطاع الآثار المصرية، أنه “على وزارة الخارجية المصرية بحث هذا الشأن في ظل وجود علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، يمكن على خلفيتها فتح هذا الملف وطلب إيضاح واسترداد الآثار المصرية”.
ولفت إلى أنه “حال تقديم مصر شكوى لليونسكو فإن قرار المنظمة الدولية المعنية بالتراث والثقافة غير ملزم لإسرائيل”، مؤكدا أن “هناك طرقا أخرى قد تلزم تل أبيب وهي الاحتكام إلى اتفاقية (لاهاي) في هذا الشأن”.
وختم عبد المقصود بالقول: “أتمنى أن أرى رد الفعل المصري قويا بهذا الملف”.
من جانبه أكد الباحث والأكاديمي المتخصص في الآثار، حسين دقيل، أن الاعتراف الإسرائيلي “فرصة لمصر يجب استغلالها لاستعادة آثارها المنهوبة، رغم أن هذا الحديث بدأ ذكره منذ العام 1981، وكان هناك فيلم وثائقي عن هذا الأمر نهاية الثمانينيات”.
وحول تاريخ تلك الآثار المنهوبة من سيناء قال الأثري المصري، في تصريحات صحفية: “المعبد المذكور بالتقرير هو سرابيط الخادم للإلهة (حتحور) معبودة الجمال عند المصريين القدماء الذين اعتقدوا أنها تحمي الصحراء”.
وأشار إلى أن “تاريخه قديم منذ عصر أمنمحات الأول بالقرن العشرين قبل الميلاد، واستمر العمل به بعصر سنوسرت الأول، وعصر الدولة الحديثة وهناك نقوش لتحتمس الثالث، وحتشبسوت، ورمسيس الثاني، تؤكد أن المصري القديم اهتم بهذا المكان”.
وبين دقيل أن المعبد “يقع بجنوب سيناء قرب منطقة رأس سد ويشتهر بالفيروز، وبجوار المعبد مغارات الفيروز ذات النقوش الأثرية، وهي المنطقة التي ذكرها التقرير وأكد أن دايان ذهب إليها ودخل المعبد وسط الحراسة مدعيا أنه في مهمة رسمية بينما تنتظره طائرة حملت الكثير من الآثار”.
وجزم الأكاديمي المصري بأن “أهمية تقرير معاريف تكمن في أنه موثق بالصور والتواريخ، وأن التقرير يسلط الضوء على دور دايان كزعيم من زعماء الكيان المحتل بسرقة آثار سيناء”.
ولفت إلى أن صور التقرير الإسرائيلي “التقطت وقت ارتكاب الجريمة، ويظهر فيها دايان يتجول بموقع سرابيط الخادم، والجنود بالملابس الزرقاء يحرسون المكان قبل سرقة الآثار مثل تمثال تحوت، وحتحور، وغيرهما، إلى جانب عرض صورة تلك الآثار في منزله بتل أبيب”.
وعبر صفحته بـ”فيسبوك” تساءل الأكاديمي المصري عادل دوبان: “أين المسؤولون المصريون من الأخبار المؤكدة عن سرقة إسرائيل للآثار المصرية أثناء احتلال سيناء، وهي قديمة ومعروفة؟ ولماذا لم تشترط مصر عودة الآثار المنهوبة بموافقتها على اتفاقية السلام مع إسرائيل؟ ولماذا تقاعست الحكومة المصرية حتى الآن عن شكوى إسرائيل في اليونسكو لمطالبة دولة الاحتلال بإعادة الآثار المسروقة؟”.