عبد الحكيم مفيد الذي عرفت
بقلم: أ. رؤوف حمود
افتتح عبد الحكيم محادثته معي كعادته بعبارته المعتادة “بحكي معك عبد الحكيم من مصمص”، وهي قد تلخص ميزة الرجل الرائعة، شخصيته المرحة والعفوية، والتي لا تعرف التصنع والتكلف، روح إيجابية متفائلة مليئة بالطاقة والحيوية مع حس نقدي حازم وجريء، شخصية جمعت ثقافة اكاديمية وقاعدة تربوية-ايمانية ومعرفة سياسية وتنظيمية انعكست في كتاباته ومقالاته والأهم في عمله الشعبي والجماهيري في خدمة شعبه وقضيته.
مع عبد الحكيم ستشعر أن لقاءه متعة وفراقه أمتع لأنه سيجعلك تسبح في أفكاره ومقولاته بعد أن يتركك، كلماته ونبرة صوته وحركات جسده تجعلك مشدوها، ناصتا ومتشوقا، رجل أحسن التكلم في السياسة والفكر والتاريخ والدين والاعلام، بل أجاد عبد الحكيم أيضا الكتابة والتعليق والتحليل، والأقدر من كل ذلك كان ناشطا ميدانيا في العمل الشعبي والسياسي والوطني، ونادرا ما تجد من يجمع كل هذه المهارات والقدرات.
نشأنا على مقالاته، تأثرنا بفكره وطروحاته، استمعنا بلهفة لمحاضراته، في الجامعة والمعسكرات الطلابية والأسابيع الدعوية والندوات السياسية، أحسن التكلم بلغة الشباب والكبار، وعرف كيف يخاطب العقول والوجدان، تحدث وكتب عن التراث والتربية والذاكرة والفيسبوك والأرض والإنسان، أضحك الجميع بتعليقاته ونكاته، اهتم أن يتعرف على الناس والتحبب للجميع، تكلم في النظريات الإعلامية والسياسة الدولية بطريقة مفهومة ومبسطة للناس.
عبد الحكيم جمع بين التناقضات، ينتقد بشدة الأخرين من الأحزاب والشخصيات ويظلون يحبونه ويقدرونه، لأن الرجل لم يكن أكاديميا منظرا بل عاش مع شعبه ووطنه الذي أحب ترابه وجباله ومدنه الساحلية وقراه الجليلية، حمل هموم الأوقاف وأهل عكا ورمية والقرى الغير معترف بها، واللد ودهمش والعراقيب والأسرى والأقصى.
عرف أن وحدة شعبنا بأحزابه وحركاته من خلال المتابعة ليس قرارا تكتيكيا إنما حياة ومستقبل هذه الجماهير مرهونة بها، أحبوه الجميع لأنه كان انسانا، شاركهم أفراحهم وأحزانهم، حتى بعد حظر الحركة ظل في عطاءه وتواصله مع قضايا وابناء شعبنا.
في أخر أيامه عمل على إنشاء مركزا متخصصا في مجال الاعلام، كان الرجل يؤمن بما يفعل، في ظروف سياسية وإقليمية هي الأشد منذ النكبة، أراد دائما رفع وعينا لما يدور من حولنا، سبح ضد التيار أحيانا، ثائرا على العديد من المسلمات، لم يسع لإرضاء البعض بقدر ما أراد قول الحقيقة كما يراها، لم يحاول الغاء الأخر بل عبر عن المشروع الإسلامي الوسطي النير في البلاد والمنطقة، دخل في حقول الالغام، سوريا وإيران وداعش وحزب الله وفتح وحماس، اتفقت معه في الغالب واختلفت معه أحيانا كما الكثيرين، لكن أصالة عبد الحكيم وشهامته الفلسطينية وأدبه الايماني جعله يبني الجسور مع المخالفين له بالرأي، تحدثنا طويلا عن الشباب والصحوة والفكر والعقيدة والربيع العربي ولجنة المتابعة، لم يحاول أبدا أن يكون مثاليا، قال كل ما أعتقد وشعر دون أن يجرح ويلغي الأخر.
قبل سنة تقريبا توفيت والدته فكتب مقالا في قمة الروعة والعاطفة، هذا الرجل عرف كيف يبكينا ويضحكنا، عباراته وكلماته خرجت من قلب ووجدان المسلم، الانسان الوطني، والغريب في عبد الحكيم انه بادر دائما للتعبير عن المشاعر نحو اخوانه، في التقدير والحب في الله، وكان يعرف كم نحبه، لست الوحيد، أعرف المئات من الشباب والإخوة يحملون لعبد الحكيم مشاعر صادقة لأخ حبيب، وأستاذ مرموق، وصحفي معروف، وسياسي بارع.
أخي ورفيقي وأستاذي، احبك في الله، وأشكرك باسم كل أبناء الصحوة في بلادنا.
سنشتاق لك، تركت فراغا كبيرا، لكن تركت اثرا أكبر، لا باس ابا عمر، رفقة محمد عليه الصلاة والسلام وصحبه كنت تطلب، أساله تعالى أن يجمعنا بك معهم ومع كل الصادقين.
عبد الحكيم مفيد مدرسة تستحق أن تدرس ملامحها وأفكارها وأعمالها وتقدم للأجيال القادمة وسنعمل على ذلك ان شاء الله.