إبراهيم طوقان.. شاعر دق باب الحرية فكانت قصيدة “موطني”
علي سعادة
في حياة المبدع قد تكفي جملة، قصيدة، قصة قصيرة، ضربة بالريشة، لتصنع قيمته الإبداعية.
لا يحتاج، الكاتب أحيانا، إلى إراقة الكثير من الحبر وتمزيق الأوراق ورميها حول مكتبه بشكل فوضوي.
إبراهيم طوقان ابن مدينة نابلس الفلسطينية، كان من ذلك القليل الذي حفر اسمه من خلال قصيدة “موطني” التي طرزت الفضاء العربي وما زالت تغنى كلما ضاقت الأوطان على أبناء العروبة:
مَوطني الجلالُ والجمالُ
والسَّنـاءُ والبهـاءُ في رُبـاك
والحيــــــاةُ والنّجـــــــاةُ
والهـناءُ والرّجاءُ في هـواك
هل أراك
سالماً مُنعّـماً وغانماً مُكرّماً
هل أراك فـي عُلاك
تبلغُ السّماك
مَوطني
ذلك كان مطلع قصيدة لم تزد على 80 كلمة لكنها أصبحت إرثا ثقافيا يتجدد.
عاش إبراهيم عبد الفتاح طوقان الذي ولد عام 1905 في نابلس في بيت يتذوق الأدب والشعر، فخرج منه إبراهيم وشقيقته الشاعرة فدوى طوقان الملقبة بـ”شاعرة فلسطين”.
يعتبر طوقان الذي تشرب العربية من خلال قراءة القرآن الكريم أحد الشعراء المنادين بالقومية العربية والمقاومة ضد الاستعمار الأجنبي للأرض العربية في القرن العشرين، حيث كانت فلسطين واقعة تحت الانتداب البريطاني.
اضطرته الظروف ليكمل دراسته الثانوية في مدرسة المطران في القدس عام 1919، حيث قضى فيها أربعة أعوام، تتلمذ خلالها على يد نخلة زريق الذي كان له أثر كبير في تعليمه اللغة العربية والقصيدة العمودية في بنائها الكلاسيكي المعروف.
التقى في بيروت أثناء دراسته بالجامعة الأمريكية نخبة من الأدباء والمفكرين مثل وجيه البارودي، وحافظ جميل، وعمر فروخ، حيث كونوا معا حلقة أدبية تحت عنوان “دار الندوة”، وكان أيضا على صلة وثيقة بالشاعر الكبير بشارة الخوري المعروف بـ”الأخطل الصغير”.
وفي بيروت بدأت حالته الصحية تسوء مما تسبب في تأخير تخرجه نتيجة مرضه المتكرر.
يعتبر طوقان الذي تشرب العربية من خلال قراءة القرآن الكريم أحد الشعراء المنادين بالقومية العربية والمقاومة ضد الاستعمار الأجنبي للأرض العربية في القرن العشرين، حيث كانت فلسطين واقعة تحت الانتداب البريطاني.
عمل بعد تخرجه عام 1929 مدرسا في نابلس، وفي وظائف بسيطة أخرى، ثم عاد إلى بيروت لتدريس اللغة العربية في الجامعة الأمريكية ما بين عامي 1931 و1933.
دفعته حالته الصحية إلى العودة إلى فلسطين حيث باشر عمله عام 1936 في القسم العربي في إذاعة القدس وعين مديرا للبرامج العربية، ولكنه لم يبق طويلا في دار الإذاعة بعد أن أقالته سلطات الانتداب البريطاني بسبب مواقفه الوطنية، مما دفعه للسفر إلى العراق ليعمل مدرسا في دار المعلمين العالية، ولم يمكث في بغداد طويلا فقد عاجله المرض فعاد إلى وطنه من جديد.
صارع طوال حياته مجموعة من الأمراض التي أنهكت جسده، وجعلته ضعيف البنية بالإضافة إلى ألم في الأذن، وكان يعاني من قرحة في المعدة، والتهابات في الأمعاء، أنهكت جسده النحيل فرحل في الثاني من أيار/ مايو عام 1941 ودفن في نابلس.
كتب إبراهيم طوقان الكثير من القصائد والأشعار وغلبت على شعره القصيدة الوطنية، التي عبر من خلالها عن هموم الوطن وأبنائه في الفترة التي عايشها أثناء سيطرة الإنجليز على فلسطين.
وانتشرت أشعاره وأناشيده الوطنية في فلسطين فعرف وقتها، بـ”شاعر فلسطين” وتخطتها إلى عموم الوطن العربي، وقاده التغزل بالوطن إلى كتابة قصيدة الغزل التي مزج فيها مشاعر الحب بعواطف الألم والغضب على ما يجري لوطنه.
أمضى طوقان حياته القصيرة في طلب العلم، ونظم الشعر، والتدريس، والكتابة في الصحف والمجلات والإذاعة الفلسطينية.
وبقيت أشعاره في وجدان أبناء العروبة والعربية ولعل نشيد “موطني” الذي نسمعه صباح كل يوم في ساحات المدارس ومعاهد التعليم، خير دليل على بقاء روحه وأدبه في الذاكرة. وأصبحت النشيد غير الرسمي للشعب الفلسطيني منذ ذلك الحين، واتُخذت نشيدا للعراق بعد الغزو الأمريكي للعراق.
إضافة إلى قصائد “يا شهيد الوطن”، “الفدائي”، “حي الشباب”،” وطني أنت لي”، “الثلاثاء الحمراء” و”ملائكة الرحمة”.
يرى الشاعر الأردني المعروف حيدر محمود أن إبراهيم طوقان هو الذي أسس لما يمكن أن نسميه (حركة الشعر الفلسطيني) لتأخذ مكانها في حركة الشعر العربي في زمن الكبار: شوقي وحافظ ومطران في مصر وبدوي الجبل وأبو ريشة في سورية والجواهري في العراق والشابي في تونس.
وأضاف: “..وإذا كانت فلسطين طوال عمرها تسمى أرض الشهداء فإن إبراهيم طوقان بما أبدعه خلال عمره القصير جدا جعلها تصير فيما بعد أرض الشعراء بلا منازع، فقد أنجب شعره العشرات من هؤلاء الذين أجزم أنهم أفضل الشعراء على الساحة العربية”.
كانت علاقة إبراهيم طوقان، بشقيقته الشاعرة فدوى، متميزة، وقد تحدثت فدوى عنها قائلة إن هذه العلاقة بدأت منذ وقت مبكر من حياتها، حيث كان إبراهيم بالنسبة لها الأمل الوحيد المتبقي في عالمها “المثقل بعذابات المرأة وظلم المجتمع”، ورأت فيه “الضوء الذي يطل عليها من خلف أستار العتمة والوحشة والوحدة”.
عمر قصير نسبيا لكي يصنع الأديب لنفسه اسما، لكنه وضع فيه قصائد أثارت الكثير من الكلام حين ألقيت للمرة الأولى من بينها معارضته لقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي “قم للمعلم وفّه التبجيل”.
وصفت الشاعرة فدوى طوقان أخاها بأنه “شاعر الوطن”؛ لأنه “سجل آلام فلسطين وآمالَها خلال الانتداب الإنجليزي، كما لم يسجله شاعر فلسطيني من قبل”.