السنغال.. حضرة صوفية عمرها أكثر من قرن
على مدى أكثر من قرن، ومسجد الحاج مالك سي، في العاصمة السنغالية دكار، ترتفع داخله أصوات الذاكرين كل يوم جمعة من الصباح حتى المساء.
بدأ هذا التقليد عام 1902 على يد المتصوف السنغالي الشهير الحاج مالك سي (1855 ـ 1922)، الذي واصل إقامة حضرات الجمعة في المسجد الذي أسسه وسمي باسمه، رغم المضايقات التي كان يتعرض لها خلال حكم الاستعمار الفرنسي.
تعد السنغال إحدى دول غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي، ويقدر عدد سكانها بنحو 13.7 مليون نسمة، يشكل المسلمون 95 في المئة منهم.
يهتم المسلمون في السنغال بالطرق الصوفية، ويقبل أغلبهم على المشاركة في الحضرات وحلقات التصوف، رجالا ونساء شيبا وشبابا، ويتدفقون مساء كل جمعة إلى مسجد الحاج مالك سي لهذا الغرض.
يتلو الشعب السنغالي الأذكار بطريقة متناغمة وترانيم خاصة، فيما ترتفع أصوات الذكر في منطقة المسجد، لتضفي عليها أجواء مفعمة بالروحانية.
تبدأ طقوس الحضرة، التي أصبحت بمثابة مهرجان ديني وثقافي، بترديد الصلوات والأدعية والأذكار، من قبل المشاركين الذين يشكلون حلقة حولها حجاب أبيض طويل، لقراءة الأذكار.
بعد ذلك، يبدأ الجميع بترديد الشهادة “لا إله إلا الله”، و”الله أكبر”، بأسلوب متميز وفريد لفترة طويلة، وبصوت واحد يرمز إلى وحدة الصف والتعاضد.
تتوقف ألسنة السنغاليين اللاهجة بالذكر في الحضرات، عند اقتراب موعد أذان العشاء، وبعد أداء الصلاة، يباشر المشاركون الاستغفار، والأدعية، قبل أن يتفرقوا إلى منازلهم وقلوبهم عامرة بالخشوع وذكر الله.
** الجميع متساوون
يشارك آلاف الأشخاص من مناطق وطبقات اجتماعية مختلفة في هذه الرحلة الروحانية، التي تساوي بين الغني والفقير.
ويقف المشاركون في الحضرة جنبا إلى جنب، جميعهم على قدم المساواة، تاركين اختلافاتهم الاجتماعية والمادية في الخارج، متمسكين بتقاليد الحضرة التي لهجت ألسنة المؤمنين بها منذ قرون.
وتعد الحضرة في السنغال رمزا لتعزيز التآلف وشد وثاق الإيمان والمشاعر الروحية، حيث تقام في أيام مختلفة ضمن المساجد الصغيرة المنتشرة في البلاد.
ورغم اهتمام السنغاليين بالمشاركة في الحضرات بمختلف الأزمنة والأمكنة، إلا أنهم يحرصون على حضور تلك المقامة أيام الجمعة بمسجد الحاج مالك سي في دكار.
ويعتقد السنغاليون أن المشاركة في حضرات أيام الجمعة بمسجد الحاج مالك سي، تمنح المؤمنين مشاعر جياشة وشعورا مختلفا بالطمأنينة والراحة.
ورغم الضغوط التي تعرضوا لها خلال سنوات الاستعمار الفرنسي، واصل السنغاليون إقامة الحضرات، ولم تستطع القوات المستعمرة آنذاك، فك ارتباط المسلمين في السنغال بتقاليدهم الصوفية.
وقال عبد الرحمن جوي، إنه يواظب على المشاركة في الحضرات المقامة أيام الجمعة بمسجد الحاج مالك سي، منذ كان طفلا.
وأضاف جوي، للأناضول، أن المشاركة في الحضرة تقرب العبد من خالقه، وهو ما سعى الشعب السنغالي إلى التمسك به خلال الحقبة الاستعمارية.
وأشار أن قوات الاستعمار الفرنسي وضعت نصب عينيها محاربة الطرق الصوفية في البلاد، ما جعل تقاليدها تحظى باهتمام الشعب، لتتحول إلى رمز للنضال من أجل استقلال السنغال.
وشدد على أن التقاليد الصوفية تشغل مكانة مميزة في المجتمع السنغالي، لذلك يسعى مجتمعنا إلى الحفاظ عليها والتمسك بها.
وأوضح أن الحضرة تعني الاقتراب من الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وتغرس في النفس روح الطمأنينة والسلام، ومخافة الله تعالى وحده.
وأشار أن الحجاب (الغطاء) الأبيض المستخدم في الحضرة، يرمز إلى التركيز في ذكر الله، والتفكر بملكوته، ورؤية قدرة الخالق وحب نبيه محمد.
يشار أن أغلب السنغاليين يتبعون الطرق الصوفية التي تلعب دورا مهما في إشاعة أجواء السلام والهدوء في البلاد.
(الأناضول)