بين يديّ فخامة الرئيس المصريّ؛ الدكتور محمد مرسي رحمه الله
أحمد هاني مصطفى محاميد
وَكَـانَــتْ فِـي حَـيَــاتِـــكَ لِـي عِــظَـــاتٌ وَأَنْــــتَ اليَـــوْمَ أَوْعَـــظُ مِـــنْـــكَ حَـــيًّا
هي همَساتٌ أنثرها بين يديّ الحاقدين الشّامتين القومجيّين النّاصريّين اليساريّين، الذين يعتقدونَ أنّهم أهل الفصاحة والبلاغة، والسّياسة والفكر المستنير، والذين يعتقدون أنّ هذا الكون لم يوجَد إلّا ليتناغم مع فكرهم وعقائدهم، ويتراقص عند إيقاع نغماتهم، ويتهادى عند سكراتهم، وأنّ الخلقَ كلَّ الخلق يتوجّب عليهم أن يسيروا قطيعًا طائعًا لما يقولون، وأن يتقلّدوا الذي يُنَظّرون، والذين يحسبونَ أنّهم يُحسنونَ صنعًا.
همساتٌ أنثرها بين أيديهم كي يكونوا على بيّنة ودراية عميقتين، ولكي تكون هذه الهمسات لهم دغدغة تصيب أوتار ما وأدوا مِن فضيلة، وتهمس في وجدانيّة وسمفونيّة جنازة المروءة والأخلاق، وناقوسًا يدقّ مسامع الرجولة والإنسانيّة والوطنيّة التي عزّت عليهم في زمن الرّداءة والقماءة، والانحطاط الأخلاقيّ، والجمود الفكريّ، والاهتراء النفسيّ، والحَوَل السياسيّ، والاجترار التّاريخيّ.
رحل فخامة الرّئيس الشّهيد بإذن الله، ملاقيًا ربّه الذي هو أعلم به.
رحل محمد مرسي، ملقيًا ظلاله العميقة في المنطقة الفلسطينيّة والعربيّة والإسلاميّة والعالميّة، فرأينا شريحة مريضة من المصفّقين الراقصين لموته واستشهاده، وشممنا روائح الحقد النّاضح من أفواههم وقلوبهم الممتلئةِ شناءةً وغِلًّا.
وشاء الله أن يفضحهم، وأن يخزيهم فاضحًا إيّاهم، كاشفًا عوراتهم، راشحًا سوءاتهم، مُنْجِمًا سقطاتهم، مسطّرًا مثالبهم التي تسوّد وجه التاريخ وتشوّهه.
منع الانقلابيّ المجرم الخائن إقامة صلاة الغائب، فشاء الله -رغم أنوف المجرمين الخائنين- أن أقيمت الصلوات في جميع أصقاع الأرض معلنة حبّها لهذه الرئيس الذي أنزل الله محبّته وقبوله بين عباده.
صلّى مئات الملايين صلاة الغائب على روح فخامة الرئيس، فكانت الصلاة في بيوت مصرَ المحاصرة، وخرج مئات الملايين في المغرب العربيّ ومشرقه هازجين مهلّلين: “لا إله إلّا الله السّيسي عدوّ الله”، وردّد الأحرار معلنين: “السّيسي يا ملعون… مرسي في العيون”.
صفّق القومجيّون والنّاصريّون والماركسيّون، يوم أن انقلب الخائن السيسيّ على الرئيس الشرعيّ المنتخب هازجين قائلين راقصين: “باي باي مرسي”، وهلّلوا مُرحّبين معانقين رأس الخيانة الذي اعتبروه النّاصريّ الجديد؛ فهم ما زالوا متمسّكين بالفكر الناصريّ المجرم، والاشتراكيّ الماركسيّ الدمويّ.
وتأتي المفارقة العجيبة، عندما يخرج إلينا بعضهم من خلال كلماته الصفراء، وألفاظه العفراء، وتعابيره الرّشحاء، محاولًا أن يُنبِتَ صِـبْـغَـةً إنسانيّة عزفت عنه منذ زمن سحيق، فيكتب متدثّرًا برداء التنظير والتفلسف العقيم، فيحاول أن “يترحّم” خَـجِـلًا على الرئيس الشهيد، بعد أن دسَّ سمومه الزّعفاء، في مصطلحاته الرّعناء، مبيّنًا أنّ مرسي كان يريد أخونة الدولة المصريّة، وإعادة الخلافة العثمانيّة “المجرمة”، وغيرها من الأراجيف التي تسربل هؤلاء، وأشباه هؤلاء، مُـمَجِّدًا العصر الناصريّ الدمويّ، ، معتبرًا السّيسيّ الانقلابيّ المجرم محرّرًا ومنقذًا مصر من ظلمات العصور الوسطى، جاعلًا من الشبّيح الأكبر “بشّار” رمزًا للرجولة والوطنيّة والممانعة، متناسيًا أنّ الناصريّة، والاشتراكيّة والماركسيّة والبعثيّة، وغيرها من التيارات الماسونيّة الهدّامة، هي المسبّب الوحيد لانهيار هذه الأمّة وتخلّفها وتبعيّتها، وتقتيلها وتشريدها.
لن أخوض في نقاش مع هؤلاء وأشباه هؤلاء؛ ذلك أنّ نقاشهم لا يمكن أن يصل بك إلى زاوية من زوايا الإنسانيّة، والفكر والإقناع والاقتناع؛ فهم مُتَــحَجّرون في فكرهم، مُهترئون في نفسيّتهم، دمويّون في سرائرهم.
فهل بعد ما حصل، وما يحصل في بلاد الشام، مِنْ مساحة للنقاش مع هؤلاء، أو أشباه هؤلاء؟!!
ويبقي هؤلاء وأشباه هؤلاء متخبّطينَ في متاهات نفسيّتهم المريضة.
فكيف يرضى هؤلاء وأشباه هؤلاء، برئيس وطنيّ إسلاميّ نظيف منتخب؟!
وكيف يقبل هؤلاء وأشباه هؤلاء، باستنشاق عبير الإسلام وطلاوته؟!
كان لا بدّ لهؤلاء وأشباه هؤلاء، أن يكونوا من أشدّ الناس عداوة وكرهًا وضغينة لكلّ ما هو إسلاميّ، محتضنينَ أغلال الخيانة والدّياثة التي تسربلهم.
كان لا بدّ لهؤلاء، وأشباه هؤلاء أن يُخرجوا كلّ مسحة طاهرة من دائرةِ الدّنس التي يرتعون فيها، فَـيَـصْدُقُ فيهم قول الحقّ تعالى: ” فَمَا كَـانَ جَــوَابَ قَوْمِــهِ إلَّا أَنْ قَـالُوْا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَـاسٌ يَتَطَهَّــرُونَ”.
ارتقى مرسي؛ وهو اليوم بين يديّ ربّه، وهو ليس بحاجة إليكم، وإلى أمثالكم وإلى أمثال أشباهكم.
يكفي مرسي شرفًا أنّه عاش واقفًا، وارتقى واقفًا ثابتًا، قابضًا على دينه، متمسّكًا بعقيدته، نافضًا كلّ شكلٍ مِن أشكال النّقيصة والهزيمة والدّنيّة.
يكفيك شرفًا، أيّها السيّد الرئيس، أنّني أستطيع القول فيك: “أرعبتهم حيًّا، وأرعبتهم أكثر ميتًا”، فصحّ فيك ما قاله أبو العتاهية؛ وكأنّه يصفك أنتَ-فخامة الرئيس-وصفًا صادقًا، ويرسمك أنتَ-فخامة الرئيس-لوحة نضّاحة؛ رغم أنوف هؤلاء، وأشباه هؤلاء:
وَكَـانَــتْ فِـي حَـيَــاتِـــكَ لِـي عِــظَـــاتٌ وَأَنْــــتَ اليَـــوْمَ أَوْعَـــظُ مِـــنْـــكَ حَـــيًّا ويكفيكم أنتم-يا لوثة الفكر، ويا عورة التّاريخ- خزيًا وعارًا وَضِعةً وشَنارًا، أنّكم ستعيشون أذلّاء راكعين، وستبقَـوْنَ أغلالَ العبوديّة مُـحْـتَضنين، ولا تزالونَ مع كلّ شكلٍ من أشكال المثالب والنّقائص معانقينَ متوحّدين، وستدأبونَ محاولين من ذواتكم كلّ شكلٍ من أشكال المناقب مُخرجين، وتتقيّأونَ أساريرَ الإنسانيّة والرجولة والمروءة نافضين، وسيعلم التاريخ أين يضعكم، ويضع أمثالكم وأمثال أشباهكم؛ فَـيَـصْدُقُ فينا وفيكم ما قاله أبو الفوارس؛ سعد بن محمد بن سعد التميمي، الملقب بشهاب الدين، والمعروف بـ”حَـيْصَ بَـيْـصَ”:
مَلَكْنَـا فَكَـانَ العَفْوُ مِنَّا سَجيَّةً فَلَمَّا مَلَكتُمْ سالَ بالدَّمِ أبطُحُ
وحَلَّلتُمْ قَتلَ الأسارى وطالما غَدَوْنَـا عَنِ الأسرى نَعِـفُّ ونَصفَحُ
فَحسبُكُم هذا التفاوتُ بَينَنا وكُلُّ إِناءٍ بالذي فِيهِ يَنضَحُ
فإلى فخامة السيّد الرئيس محمد مرسي؛ ابن التيّار الإسلاميّ، وابن الإسلام السّياسيّ، سليل الشهيديْنِ؛ حسن البنّا والسيّد قُطب، ونجيب حركة “الإخوان المسلمون” التي جادت بأرواح شهدائها في سبيل الله والوطن، والتي جاهدت في أرض فلسطين دفاعًا عن العروبة والإسلام، إلى فخامة الرئيس، الّذي عاش واقفًا عزيزًا، وماتَ أبيًّا كريمًا، وارتقى مُبتسمًا شامخًا، أقدّم هذا النشيد:
(((أَنْــتَ الوُقُـوفُ))
تـَشـْدُو عـُيـُونٌ في الثـَّرَى وحـُشـُودُ
والنـّازِفـَاتُ الـحـُمـْرُ والـتـَّرْديـدُ
تـَشـْدُو الـحـَيـَازِمُ والـضـُّلـُوعُ مـُجـَاهـِدًا
تـَشـْدُو الـجـِبـَالُ فـَفـِي السـَّمـَاءِ شـَهـِيـدُ
وَغـَرَسـْتَ لـَحـْظَ الـشـَّمـْسِ فـِي عـَيـْنِ الدُّجى
وَمـِنَ الـمـَسـَاجـِدِ مــَبــْسـَمٌ وَتـَلـِيـدُ
وَنـَمـَتْ دِمـَاؤُكَ فـِي الـصُّدورِ تـَفـَجُّـرًا
وَتـَنـَاثـَرَتْ نـَحـْوَ الـشَّهـِيـدِ تـَجـُودُ
أَخـْجَلـْتَ ثـَوْبَ الـعِزّ فـِي زَمـَنٍ مـَضَى
فـَأتـَى يـَزُفــُّكَ جـَعـْفـَرٌ ورَشـِيـدُ
وَأتـَتْ مـِيـَاهُ النيلِ تـُعـْلـُنُ صـَمـْتَهـَا
مـَاذَا تـَقـُولُ وَقـَدْ خـَبـَا الـتَّنـْدِيدُ
وَمـَشـَتْ عُروقُ التّمرِ تـَتـْبـَعُ نـَخْلـَهـَا
وَمـَضَى الـفـُرَاتُ إلـى الـجَنـُوبِ يـُرِيـدُ
وَالـنـَّيـلُ أَفـْلـَتَ مـِنْ فراعينِ الدّجى
نَحـْوَ الـهـَدِيـرِ وَمـَا أَرَاهُ يـَحـِيدُ
تـَشْدُو رَحـِيـلـَكَ فـي الـمَغـَارِبِ طـِفـْلـَةٌ
تـَشـْدُو الشُّيـُوخُ وَفـِي الـخَلـِيجِ صـَعـِيدُ
يـَا سـَيـِّدَ الـشُّهـَدَاءِ فـِي زَمـَنِ الـخـَنـَا
يـَا فـَارِسَ الـعـَصْرِ المـُلـُوكُ عـَبـِيـدُ
هـَانـُوا وَهـَانَ الـمـَوتُ عـِنـْدَكَ عـِزّةً
هـَلْ يـَسْتـَوِي التـَّرْقـِيـصُ والـتَّجـْوِيـدُ
إنِّـي أَرَاكَ مـُجـَاهـِدًا مـُتـَبـَسِّمًا
فـَعـَلَوْتَ شـَأْنـًا فـِي العـُلا ويَـزِيـدُ
هـَزَجـَتْ سِهـَامُ الـمـَوْتِ حـِيـنَ طـَلـَبـْتـَهـَا
وَقـَدِمـْتَ تـَجـْتـَاحُ الـحُـتـُوفَ تـَقـُودُ
يـَا بـَاعـِثَ الآمـَالِ يـَا رَمـْزًا قـَضـَى
أَرْفـِقْ بـِهـَذَا الـقـَلـْبِ فـَهـْوَ فـَئـيـدُ
يـَا أحـْمَدُ، يـَا مـُقـْعـِدُ، يـَا سـَيـِّدُ
يـَا قـَائـِمـًا لـَيـْلاً ونـَحـْنُ هـُجـُودُ
يـَا نـَافـِضـًا جـَسَدًا تـَذَلــَّلَ قـَيـْدُهُ
أَنـْتَ الـوُقـُوفُ وَنـَحـْنُ فـِيـكَ قـُعـُودُ
أَلـْبـَسْتَ ثـَوْبَ الـمـَوْتِ رَايـَةَ عـِزَّةٍ
أَشـْرِفْ بـِهـَذَا الـمـَوْتِ يـَا مـَلـْحـُودُ
شـَرُفَ الـتُّـرابُ لـِقـَاءَ يـَوْمٍ زُرْتــَهُ
وَزَكـَتْ دِمـَاؤُكَ فـِي الـثـُّغـُورِ تـَمـِيـدُ
إنَّـا شـَمـَمـْنـَا خـَاشـِعًا يـَهـْوَى الـرَّدَى
فـَوَقـَفـْتَ أَنـْتَ وَفـِي الوَقـُوفِ خـُلـُودُ