هتشسون.. حكاية قس أميركي أصبح مسلما برام الله
في منزل قديم وسط مدينة رام الله، تظلله أشجار الصنوبر ونباتات الزينة، ويزخر بالذكريات والصور العائلية التاريخية؛ يعيش الأميركي دون هتشسون ويروي سيرة وصوله إلى فلسطين قبل حرب 1967، وزواجه من ابنة عائلة مسيحية عريقة، ثم إسلامه متأثرا بدعم جيرانه وانشغاله مؤخرا بالكتابة عن الإسلام.
كان هتشسون (نحو سبعين عاما) يستعد للسفر لزيارة ولديه رنا ورمزي المقيمين في الولايات المتحدة عندما جلس في حديقته، وإلى جانبه مؤلفاته ومُصحفان مفسّرين باللغتين العربية والإنجليزية، وبدأ حكايته قائلا إن الصدفة جعلته يترك بلاده في سنته الجامعية الأخيرة ويسافر إلى فلسطين لتدريس الإنجليزية بإحدى مدارس رام الله وسط الضفة الغربية عام 1965.
وبعد احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967، شمله الإحصاء الذي أجراه الاحتلال الإسرائيلي لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، وبناء عليه حمل بطاقة هوية كمواطن فلسطيني.
وفي المدرسة التي بدأ العمل بها، تعرّف هتشسون على المعلمة سينا منصور ابنة جريس منصور، أحد أهم أطباء رام الله حينها، وتزوج منها عام 1972، ويقول “سينا كانت صديقة بالنسبة لي، لكنها من عائلة محافظة وقرر والدها تزويجها لي، ثم أحببنا بعضنا كما يحدث لدى الأزواج العرب الذين يحبون بعضهم بعد الزواج”.
إصرار على البقاء بفلسطين
عاد هتشسون وزوجته أواسط السبعينيات إلى الولايات المتحدة لإكمال دارسة الماجستير، وفي هذه الفترة أنجبا رنا. ورغم رغبة عائلته وزوجته في البقاء هناك، فإنه فضّل العودة إلى فلسطين من أجل تربية ابنته وابنه رمزي الذي ولد لاحقا في بيئة محافظة بعيدا عن المجتمع الأميركي المنفتح.
وفي عام 1982، أصيبت زوجته بمرض السرطان وتوفيت خلال زيارتهم للولايات المتحدة، ورغم إلحاح والدته وانزعاجها من مخاطبة أبنائه باللغة العربية، فقد عاد هتشسون مع طفليه إلى فلسطين لينشآ كما تربت والدتهما بين جديهما.
وشكلت وفاة زوجة هتشسون مفترقا في حياته، وقال “اعتقدت دائما أنني فقدتها لأنني لم أكن مؤمنا بما فيه الكفاية”، لكن جارته أم جودة في مدينة البيرة الواقعة قرب رام الله حيث عاش عشرين عاما، كانت تقول له “هذا قدر من الله، ولا علاقة له بإيمانك وهو سيساندك من بعدها”، مما ساعده على تجاوز أزمة فقدان زوجته.
تأدية الشعائر
بدأ هتشسون منذ ثلاثين عاما تأدية شعائر الإسلام بعد أن ذهب إلى إحدى طالباته من عائلة بحّور بمدينة البيرة، وطلب منها تعليمه الصلاة، وصار منذ ذلك الحين يصوم رمضان ويقرأ القرآن، ويقول إنه كان يؤدي عباداته في سنوات إسلامه الأولى دون أن تعرف عائلته في رام الله أو الولايات المتحدة احتراما لمشاعرها، قبل أن يصلي ويصوم علنا بمرور الوقت.
ويعيش هتشسون حاليا في منزل عائلة زوجته، الذي بُني عام 1936 وسط رام الله، ويحافظ فيه على أثاث حماته ألين عودة وأرشيف صور عائلتها الذي يؤرخ له منذ بداية القرن العشرين على الأقل بوصفها ابنة أول رئيس لبلدية رام الله إلياس عودة.
وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2004)، طلب الاحتلال الإسرائيلي من الأجانب مغادرة رام الله عدة مرات، لكنه رفض وشهد اجتياحات المدينة ومنع التجول لفترات طويلة، ويقول “أنا أجنبي لكنني فلسطيني أيضا”.
في منزله التاريخي، ستشاهد صور عائلتي منصور وعودة المسيحيتين العريقتين ومطرزات كتب فيها “الله ومحمد”، ومصاحف بالعربية وأخرى مترجمة. ويذكر هتشسون أن أحدها كان هدية من حماه الطبيب الراحل “جريس منصور” الذي داوم على قراءة القرآن، ويعتقد هوتشسون أنه “كان مسلما في قلبه”، وأنه قضى حياته متنقلا بين القرى ليعالج الناس، ولديه علاقات قوية مع المسلمين.
تقاعد ومؤلفات
بعد تقاعده من التدريس عام 2012، انشغل هتشسون بالكتابة، وأصدر مؤلفين بالإنجليزية: “Polishing The Lamp Of The Heart” و”Trays Of Light”، ويروي فيهما قصصا اجتماعية وتاريخية تناقلتها عائلته وطلابه، وتجربته في التعرف على الإسلام من خلال تفاعله مع هؤلاء الناس في رام الله والبيرة، وفهمه الآيات القرآنية التي يورد تفسيراتها من خلال هذه التجارب.
ويقول إن مؤلفاته لاقت استحسانا كبيرا لدى القراء في الولايات المتحدة، وأن من بين أهل رام الله الكثير من المسيحيين، لكن هناك مسلما في داخلهم يظهر في ثقافتهم وعاداتهم العربية المحافظة.
وألّف هتشسون في السنوات الأخيرة سلسلة عن سيرة أجيال عائلات فلسطينية منذ مطلع القرن العشرين، مرورا بالنكبة وحتى الآن، واستلهم أحداثها من حياة أصدقاء فلسطينيين بعضهم من قرية دير ياسين التي تعرضت للمجزرة عام 1948.
ويعتقد هتشسون أن الإسلام دين مكمّل للمسيحية، وأنه قبل إسلامه كان مسيحيا متدينا لدرجة توجهه لدراسة اللاهوت خلال سنواته الجامعية بالولايات المتحدة، التي أصبح فيها قسيسا لخمس سنوات قبل أن يأتي إلى فلسطين.
تبادل الزيارات
يقول هتشسون إن مريم في المسيحية هي والدة سيدنا عيسى عليه السلام كما في الإسلام، لكن عيسى في الإسلام هو رسول من الله وليس ابن الله، ويضيف “هذه الفكرة كانت أكثر قربا لي عند التفكير في رسالة عيسى كنبي مثل محمد أرسل للناس منهم”.
ويتبادل هتشسون الزيارات مع طالباته المسيحيات والمسلمات وعائلاتهن بمدينة رام الله، ويقول “كثيرون يزورونني وأزورهم ولا أشعر بأنهم يترددون في ذلك قبل إسلامي أو بعده”، ويرتدي في استقبال زواره أحيانا كوفية فلسطينية على كتفيه.
وحاز هتشسون عام 2016 على جائزة فلسطين للتميز والإبداع تكريما لمسيرته التعليمية التي تركت بصمة لدى طلابه، واستمرت نحو نصف قرن.
المصدر: الجزيرة