قرية الشجرة.. قاومت ببسالة قبل أن تحتلها العصابات الصهيونية
اعداد ساهر غزاوي
في إطار جهود الهاغاناه لإحكام سيطرتها على الجليل الأسفل قبل 15 أيار. قامت بالهجوم على قرية الشجرة، وفي السادس من آيار/مايو 1948 سقطت قرية الشجرة عقب سقوط مدينة طبريا وتمهيداً للهجوم على بيسان، وذلك بعد معركة من أشرس المعارك التي وقعت بين قوات الجهاد المقدس الفلسطينية والعصابات الصهيونية المدعومة من بريطانيا التي حسمت المعركة بتدخلها إلى صف العصابات الصهيونية ودامت نهاراً كاملاً. وبعد أسابيع من الاشتباكات العنيفة انتهت باحتلال العصابات الصهيونية لقرية الشجرة وتهجير سكانها جميعاً.
تقع قرية الشجرة على تلٍّ متوسط الارتفاع، إلى الجنوب الغربي لطبريا، على ارتفاع يصل إلى 275 م، وتحيط بأراضيها أراضي لوبية وطرعان. وتنتشر الغابات والأعشاب البرية على سفوح التلال الجنوبية المواجهة للقرية. وكان سكان الشجرة يعتمدون على الزراعة في معيشتهم. وفي 1944/1945، خصصوا ما مجموعة 2102 من الدونمات لزراعة الحبوب، بينما كان 544 دونماً مرويا أو مستخدماً للبساتين وأشجار الزيتون. وكان سكان الشجرة يعتمدون في معيشتهم على زراعة الحبوب والزيتون والفاكهة.
وكانت قرية الشجرة التي أطلق عليها الصليبيون اسم “سييرا” (sierra)، تحتل موقعا أثرياً ضم آثاراً، منها أسس كنيسة دارسة، وحجارة عليها خربتان، إحداهما في الشمال الشرقي والأخرى في الجنوب الغربي، تضمان بعض الاطلال والصهاريج والمدافن. وخرج من القرية العديد من الأدباء والشخصيات المعروفة وأبرزهم الفنان ناجي العلي والمنشد المشهور الفنان أبو عرب، كما استشهد على أرضها الشاعر عبد الرحيم محمود، من قرية عنبتا، قضاء نابلس.
معركة الشجرة
في أواسط شباط 1948 بينما كان القتال دائراً بين العرب وقوات الهاغاناه في وادي بيسان، شنت الهاغاناه هجوماً تضليلياً على الشجرة. وورد في صحيفة “فلسطين” أنه بعد منتصف ليل 17 شباط تسللت إحدى وحدات الهاغاناه إلى داخل القرية وفجّرت منزلين (وقال بلاغ رسمي بريطاني إن المنزلين كانا مهجورين).
فشلت فرقة الهاغاناه من الاستيلاء على قرية الشجرة في المعارك التي وقعت في 6 آيار بالرغم من أن سكان القرية المدنيين أخلوها لتحولها لساحة قتال، وانتهج نهجهم سكان (عولم وسيرين وحدثا) أما قرية كفركما الشركسية فان سكانها لم ينزحوا عنها إذ أعلنوا أنهم سيبقون على الحياد. وكانت عملية الشجرة من أصعب هذه العمليات، إذ تميزت هذه القرية بموقعها الاستراتيجي للجانبين العربي (جيش الإنقاذ المشترك) واليهودي (الهاغاناه).
بدأت قوات الهاغاناه عملياتها على الشجرة بالإغارة على قرية لوبيا لاحتلال أكبر مساحة من الأرض العربية بالإضافة إلى تسهيل الهجوم في ليلة التاسع من حزيران عام 1948 ليشمل المجدل والناصرة ولوبيا ومسكنة، إلا أن قوات جيش الإنقاذ نجحت في إحباط هذه الهجمات مما اضطر قوات الهاغاناه إلى الهجوم ثانية، فانسحبت أمامها القوات (المشتركة)، واحتل اليهود المواقع الحساسة على طريق الناصرة المؤدية إلى الغرب كلها، وقامت قوات أخرى بقطع الطريق المؤدية إلى الشرق من قرية الشجرة.
قررت قيادة جيش الإنقاذ ارسال ما تملكه من الدعم والعتاد (فصيلتين إلى قرية لوبيا القريبة من الشجرة)، واستطاعت هذه القوات دعم المجاهدين المتواجدين على جبهة الشجرة، حيث قامت بتدمير قسم من قوات الهاغاناه والحصول على بعض الغنائم من مصفحات صالحة، كما أرسلت قوة صغيرة للتمركز على طريق صفد-الرامة مما أمكن تأمين محاور العمليات، وقام جيش الإنقاذ بتجهيز السرايا والمصفحات والعتاد اللازم لكل حاجة. واندفع بها صباح التاسع من حزيران في اتجاه لوبيا-الناصرة قاصداً القضاء على قوات الهاغاناه المتواجدة في منطقة الشجرة.
وفي ليلة العاشر من حزيران اتخذت هذه القوات مواقعها للهجوم على القوات الصهيونية المتمركزة في الشجرة. وقد صدرت الأوامر بالهجوم على الشجرة في صباح 10 حزيران، فاندفع المشاة تساندهم المدفعية، وتحميهم المصفحات نحو التلال التي تفصلهم عنها أراضي منبسطة مكشوفة معرضة لنيران القوات الصهيونية وكان نتيجة ذلك أن تكبدت هذه القوات خسائر فادحة كان لها الأثر فيما بعد.
وقد رافق هذا الهجوم عملية هجوم أخرى انطلقت من لوبيا اشترك فيها عدد من المجاهدين الفلسطينيين، كما جذب صوت القصف المدفعي المجاهدين المتواجدين في منطقة الناصرة نحو تلال الشجرة من الغر، وقد تميز الهجوم بعنفه وسرعته واحكام العمليات، في حين كانت المدفعية تزداد شدة في إطلاق نيرانها.
بدأت قوات الهاغاناه بالانسحاب تدريجاً على طول خط النار باتجاه قرية الشجرة، وقامت القوات العربية المشتركة بدورها بمطاردة هذه القوات، في حين تحولت نيران المدفعية بقصف مستعمرة الشجرة ذاتها وسرعان ما وصلها المجاهدون، وفي هذه الأثناء توقف إطلاق النار تنفيذاً لاتفاقية الهدنة الأولى (11) حزيران من العام 1948. وفي أثناء وقف القتال- فترة الهدنة الأولى من 11/6 وحتى 9/7/1948-استغل اليهود كل لحظة من الهدنة لإحضار المعدات العسكرية والعتاد اللازم والمؤمن والتي زُودوا بها من أطراف غربية لا سيما بريطانيا وأمريكيا لخوض معارك متوقعة ما بعد الهدنة.
لم تلتزم القوات الصهيونية بالهدنة- كالعادة- فحاولت الاستفادة منها لتحسين وضعها على حساب جيش الإنقاذ، فقامت بالاعتداء على العرب بشتى الوسائل من سكان الشجرة، لا سيما الأطفال والنساء وبعض الجنود الذين تواجدوا في حينه داخل القرية.
مع إكمال القوات الصهيونية استعداداتها اللازمة لمعارك المجاهدين وانتهاء الهدنة في 9 تموز من عام النكبة- قامت بهجوم شرس في صباح 8/7/1948 أي قبل انتهاء الهدنة بيوم على الشجرة، واحتدمت المعركة وامتدت ساحة العمليات إلى بقية أنحاء الجبهة. وقد ظهر لأول مرة منذ اندلاع الحرب في فلسطين طائرات حربية إسرائيلية تزودت بها أثناء الهدنة، وقامت بقصف القرى المجاورة للشجرة قصفاً شديداً، كما ظهرت لأول مرة المدفعية الثقيلة في جبهة الشجرة. وبدأت الذخائر تنفذ بين يدي القوات العربية في حين أخذت قوات الهاغاناه تصعد شدة القتال على جبهة الشجرة، وتبذل جهوداً مستميتة لطرد القوات العربية المشرفة على الشجرة، وقد أدى نفاذ الذخائر من المجاهدين إلى سحب المصفحات في الجانب الغربي، وظهر احتمال سحب القوات المتواجدة في الشجرة إلا أن ذلك سيؤدي إلى سيطرة الهاغاناه على الشجرة بسهولة لا سيما إحكام سيطرتها على الجليل الأسفل.
لهذا تم الإقدام على تنفيذ عملية يائسة وذلك بتنفيذ هجوم على القاعدة العسكرية للهاغاناه الموجودة في مستوطنة ايلانه (الشجرة) للاستفادة مما يتوفر فيها من المؤن والذخائر والمعدات اللازمة التي من شأنها تعزيز قوة المجاهدين.
بدأ الهجوم في ليل 3 تموز 1948 وأظهرت القوات العربية في المعركة شجاعة نادرة، بالرغم من أنها كانت مستنزفة القوى بعد معارك خاضتها طوال ستة أيام بلياليها، فقد أمكن رد قوات الهاغاناه وتشتيتها والتقدم مرة أخرى حتى الشجرة وسط كثافة نارية غزيرة وطاحنة.
وفي نهار 13 تموز تم النصر للمجاهدين والاستيلاء على قرية الشجرة، لكن قوات جيش الإنقاذ تكبدت خسائر فادحة لا تقدر حينه بثمن، بالإضافة إلى إصابة أكثر قادة السرايا بجروح بليغة.
ما لبثت قوات العدوان أن أعادت تنظيمها حيث قامت في بداية 14 تموز بحشد كبير في كفر سبت القريبة من مستعمرة ايلانه “الشجرة” وأخذت مدافعها الثقيلة بقصف مواقع جيش الإنقاذ بكثافة عالية وبشدة وسرعة متناهية. مما أدى إلى ضعف متزايد لدى جيش الإنقاذ وسقوط العديد من الشهداء. بالرغم من ذلك بذلت القوات العربية كل جهودها لخوض معركة شديدة، لكن مدفعية الهاغاناه تابعت قصفها مواقع الشجرة، وفي الوقت ذاته قامت جيوش الهاغاناه بتطوير هجومها على بقية القطاعات والتي من شأنها اضعاف المجاهدين حيث انتقل الصراع إلى أبواب الناصرة.
مع تزايد قصف الهاغاناه ضد قوات الإنقاذ المنتشرة على جميع الجبهات في فلسطين، وخاصة المتواجدة في جبهة الشجرة، وزحف قواتها المتواجدة في طبريا نجو لوبيا والشجرة المتواجدة أيضا في الناصرة نحو الشجرة وتزايد خسائر جيوش الإنقاذ وسقوط المزيد من الشهداء، تسللت أنباء مفادها سقوط اللد والرملة وأجزاء من البلاد لا سيما القرى المجاورة للشجرة: لوبيا، نمرين، طرعان، عين ماهل، شفاعمرو والناصرة والتي ثبطت روح المقاومة.
ففي 15 تموز 1948 سقط الشجرة بعد صراع دام مع الصهاينة معلنة الاستسلام لقوات الهاغاناه، وبسقوط الشجرة أحكمت الهاغاناه سيطرتها على الجليل الأسفل.
الجدير بالذكر أنه في معركة الشجرة يوم 13 تموز من عام النكبة استشهد الفلسطيني المعروف عبد الرحيم محمود (أبو الطيب) وقد أصابته قذيفة في عنقه، وكان يتمتم وهو محمول على أكتاف أصدقائه:
احملوني احملوني واحذروا أن تتركوني
وخذوني ولا تخافوا وإذا مت ادفنوني
شاهد على النكبة
يقول الشاهد محمد سليمان البكر (أبو سليمان) من مواليد 1937 في مقابلة شخصية: “اللي بعرفه وسمعته وكيف تشردوا وانتقلوا أهلها للشجرة مع أني ما كنت واعيا منيح وقتها، بس سمعت من أبوي سليمان البكر التالي: (كان الهجوم على الشجرة يوم الخميس الصبح بالتعاون مع محمد رزق العراقي وكان هذا من قيادة جيش الإنقاذ العربي، وكان مسؤولا عن تدريب الشباب، واللي تبين بعدين انه يهودي خاين من قيادة الهاغاناه وكان الهجوم صار بعدما انقتل كم شب من بلدنا وهم راجعين من طبريا عند منطقة الخان وكانوا رايحين يجيبوا سلاح للبلد وما عرفنا اذا جابوا أو لا.
وصار الهجوم من اليهود وكانوا كيف قال أبوي (250) جنديا وانقتل من أهل الشجرة نفسها (25) قتيلا منهم سعد الأحمد (أبو طرماح) وحسن الحجة وإبراهيم البكر انقتلوا بالبلطات وبعدني متذكرهم مرميين بين القش ومصارينهم بره.
وتصاوب أخوي عبده البكر وكان متخبيا بالمضافة مع نمر أبو سعده ويطخوا على اليهود منها، وأسروه اليهود وحطوه بسجن سمخ ولما احتلها السوريون طلعوه وهرب لسوريا ورجع مرة بال (88) وبعدها ما عدنا شفناه.
وبتذكر انه خالتي زهرة كانت متخبية بالخزانة وطلعوها وطخوها بس ما ماتت وضلت تزحف واتخبت بين البقر. واللي عرفته انها هربت لسوريا وماتت على الطريق. وانقتل كمان 3 من الذيابات مصطفى وخالد وإبراهيم المحمد.
وبالليل بعد الدفن قرر أهل البلد يهربوا بس اللي عارض هم محمد رزق العراقي اليهودي بس الشباب ما ردوا عليه وطلعوا غصباً عنه بالتهديد وكل جماعة تفرقت ببلد”.
_______________
المصادر:
(1) إبراهيم أبو جابر، “جرح النكبة” الجزء الأول، ص 139، 159.
(2) وليد الخالدي، “كي لا ننسى” (1997). مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص 401، 402.
(4) مواقع الكترونية.