ضحايا ميانمار واجهوا الحرق والقتل والطرد والاغتصاب بشراسة
تتجول مئات الأبقار وسط المساكن المهجورة وحقول الأرز المحترقة. تأكل الكلاب الجائعة العنزات الصغيرة. أما بقايا المساجد والأسواق والمدارس التي كانت تعج بمسلمي الروهينجا في يوم من الأيام فيخيم عليها الصمت.
وعلى الرغم من القيود المشددة على دخول شمال ولاية راخين فإن “رويترز” سافرت بصورة مستقلة إلى أجزاء من المنطقة الأكثر تضررا في أوائل أيلول/ سبتمبر لتقدم أول نظرة مفصلة يلقيها صحفيون من داخل المنطقة التي تقول منظمة الأمم المتحدة إن قوات الأمن في ميانمار مارست فيها التطهير العرقي.
وقتل نحو 500 شخص وفر 480 ألفا من الروهينجا منذ 25 آب/ أغسطس حين أدت هجمات على 30 موقعا للشرطة وقاعدة عسكرية نفذها مسلحون مسلمون إلى إطلاق الجيش حملة شرسة. ورفضت الحكومة اتهامات وجهت لقوات الأمن بممارسة الحرق العمد والاغتصاب والقتل.
قال سيد إسلام (32 عاما) من قرية يا خات شوانج جوا سون قرب المنطقة التي زارتها “رويترز” شمالي مونجداو: “كنا نخشى أن يطلق علينا أفراد الجيش أو الشرطة الرصاص إذا وجدونا… فهربنا من القرية”.
وكان يتحدث هاتفيا من مخيم للاجئين في بنجلادش بعد أن فر من قريته عقب الهجمات.
وقال سكان من قريته إن “قوات الأمن أحرقتها في عملية سابقة ضد مسلحين من الروهينجا أواخر العام الماضي. ويعيش من لم يفروا منذ ذلك الحين في أكواخ بدائية ويأكلون الطعام الذي توزعه وكالات الإغاثة”.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك إن صورا التقطتها الأقمار الصناعية أظهرت تدمير آلاف المنازل في شمال راخين في 24 قرية. ورصدت منظمة الأمم المتحدة مساحة 20 كيلومترا مربعا من المباني المتهدمة.
وقالت الحكومة إنه تم إشعال النار في أكثر من 6800 منزل. وتلقي باللائمة على القرويين الروهينجا وجماعة (جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان) التي نفذت هجمات 25 آب/ أغسطس .
وقال زاو هتاي المتحدث باسم زعيمة ميانمار أونج سان سو كي: “المعلومات التي حصلنا عليها تشير إلى أن الإرهابيين هم من مارسوا الحرق”.
الطعام ينفد
لم تصل مساعدات تذكر إلى شمال راخين منذ اضطرت الأمم المتحدة لتعليق العمليات بسبب القتال وبعد أن قالت الحكومة إن الأغذية التي تقدمها المنظمة الدولية تساعد في استمرار وجود المسلحين.
في سيتوي عاصمة الولاية أوقف عرقيون معادون قوافل نظمها الصليب الأحمر مرتين وفتشوها.
في يو شي كيا حيث اتهم السكان الروهينجا جيش ميانمار في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي باغتصاب عدة نساء قال مدرس تحدث هاتفيا إلى “رويترز” من القرية إنه لم يتبق هناك سوى 100 أسرة من جملة 800.
ويلعب من تبقوا لعبة القط والفأر مع الجنود الذين يأتون إلى القرية في الصباح مما يدفع السكان للاختباء في الغابة ثم يعودون في الليل.
وقال المدرس: “ليس لدينا طعام لنأكله الليلة. ماذا يمكننا أن نفعل؟ نحن قريبون من الغابة حيث توجد أوراق الشجر التي يمكن أن نأكلها وحيث نجد بعض المياه لنظل على قيد الحياة”. ورفض الكشف عن اسمه لأن السلطات حذرته من الحديث إلى الصحفيين.
وقال الرجل إن الهرب بين الأحراج تحت الأمطار الموسمية مع أبويه المسنين وأطفاله الستة وزوجته الحامل ليس خيارا.
وقال زاو هتاي إن الحكومة أعطت أولوية لتقديم المساعدات الإنسانية للمنطقة.
وأضاف: “إذا كانت هناك أي أماكن لم تصل إليها المساعدات بعد فعلى الناس أن يبلغونا وسنحاول الوصول إليهم في أقرب وقت ممكن”.
كما نزح نحو 30 ألفا من سكان شمال راخين من غير المسلمين أيضا.
وقبل موجة النزوح الأخيرة كان هناك نحو 1.1 مليون من مسلمي الروهينجا في ميانمار يعيش معظمهم في راخين حيث حرموا من الجنسية وتعتبرهم الأغلبية البوذية متطفلين.
“سعداء لأنهم رحلوا”
يقول الروهينجا الذين فروا إلى بنجلادش ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان إن لجان أمن أهلية من الراخين العرقيين ساعدت الجيش في طرد السكان المسلمين.
كمال حسين (22 عاما) من أليل تان كياو جنوبي بلدة مونجداو قال إن قريته دمرت أوائل أيلول/سبتمبر وإنه فر بعد ذلك إلى بنجلادش.
قال حسين إن حشودا من الراخين: “سكبت البنزين على المنازل. ثم خرجوا وأطلق الجيش قنبلة على منزل لإشعال النار فيه”.
وقال المتحدث باسم الحكومة زاو هتاي إن الراخين العرقيين أحرقوا بعض المباني الخالية بالمنطقة. وأضاف: “طلبنا من الحكومة المحلية اتخاذ إجراءات بهذا الصدد”.
وتظهر المقابلات التي أجرتها “رويترز” وصور الأقمار الصناعية أن أكبر ضرر أحدثته الحرائق حل ببلدة مونجداو حيث وقعت معظم هجمات المسلحين. في معظم أنحاء المنطقة التي تمتد لأكثر من 100 كيلومتر وسط أشجار كثيفة وجداول ملأتها مياه الأمطار الموسمية احترقت معظم القرى.
أما في بلدة مونجداو نفسها التي كان يسكنها الراخين البوذيون والمسلمون وبعض الهندوس حتى وقت قريب يلزم من تبقوا من الروهينجا منازلهم.
في بلدة راتيدونج التي سكنتها أعراق مختلفة يقول سكان وعمال إغاثة إن 16 من جملة 21 قرية للروهينجا أحرقت.
وقال سكان إن “الناس في أماكن كثيرة لا يستطيعون الحصول على أدوية”.
وقال تين تون سو وهو مسؤول إداري من الراخين في شين خار لي التي تعرض فيها موقع أمني لهجوم إن رد الجيش كان سريعا وإن جميع الروهينجا أرغموا على الرحيل. وأضاف أن نحو 1600 منزل أحرقت في اليوم التالي للهجمات لكنه ألقى باللائمة في الحرائق على المسلحين.
وقال تين تون سو: “لديهم عدد كبير جدا من الناس. كنا سنخشى البقاء لو كانوا هنا. أنا سعيد جدا لأنهم رحلوا جميعا”.
“الغرقى” يدفنون في بنجلادش
وفي السياق ذاته، كشفت وكالات أن جثث غرقى من مسلمي الروهينجا دُفنت، الجمعة، بعد غرق قاربهم وتعرف ذويهم عليهم.
وقالت الشرطة في بنجلادش إن “أكثر من 50 من لاجئي الروهينجا فُقدوا بعد انقلاب قاربهم فيما تأكدت وفاة 20 آخرين بينما تتزايد أعداد الفارين من ميانمار أمام حملة عسكرية طردت أكثر من نصف مليون شخص من البلاد”.
وغرق اللاجئون في المياه العميقة أمام ساحل بنجلادش في وقت متأخر أمس الخميس.
وقال لالو ميا الذي لاقت زوجته وابنته وابناه حتفهم في الحادث: “اصطدم قاربنا بصخرة كبيرة وانقلب” في المياه.
وفقد شقيقه سونا ميا ثلاثا من بناته أعمارهم 10 و8 و3 سنوات فيما نجت زوجته وثلاثة أطفال آخرين.
ودعت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، الخميس، الدول إلى تعليق إمداد ميانمار بالأسلحة بسبب العنف ضد مسلمي الروهينجا إلى أن يتخذ الجيش الإجراءات الكافية للمحاسبة.
وهذه هي المرة الأولى التي تدعو فيها الولايات المتحدة لمعاقبة القادة العسكريين الذين يقفون وراء القمع لكنها لم تصل إلى حد التهديد بإعادة فرض العقوبات التي علقتها واشنطن في عهد الرئيس باراك أوباما.