“المرأة وفنون الكتب”: استعادة خطّاطات منسيات
عرف التاريخ الإسلامي، في حقب مختلفة، نساء اشتهرن في فن الخط والنسخ، ولكنهن اليوم شبه منسيات، فقلّما يجري التوقُّف عند أخبارهن وإضافاتهن، وليس هذا إلا جزءاً من تهميش المرأة في المرويات التاريخية بالعموم.
في هذا السياق، تتوقّف “مكتبة قطر الوطنية” عند “دور المرأة في فنون الكتب في العالم الإسلامي” في يوم تتخلّله مداخلات تبدأ عند العاشرة من صباح السابع من الشهر الجاري وتنتهي عند السادسة والنصف مساء.
شكّلت فنون الكتاب أحد أبرز مجالات الفنون الإسلامية. ورغم كثرة الأبحاث حول نشأة فنون الكتاب وتطورها بصفة عامة، إلا أن دور المرأة في تطور هذا الفن الإسلامي لا زال غير معروف بشكل كبير.
ومن خلال تقديم عدة محاضرات تاريخية وعرض مقاطع فيديو لنساء يمارسن فن الخط اليوم، تستكشف الجلسات موهبة المرأة وتأثيرها في الفنون الإسلامية على مر التاريخ، وتلتفت إلى كثير من هذا التراث الذي لا زال حياً حتى اليوم.
تفتتح الجلسة الأولى مع محاضرة للأكاديمي هلال كازان تحت عنوان “المرأة والنص السماوي: خطّاطات نسخن القرآن”، تليها محاضرة للباحثة صبيحة غول أوغلو تتناول “المكتبات وكتب الأدعية والنساء في دار الخلافة العثمانية”.
أما الجلسة الثانية، فتبدأ بمداخلة للباحث ماهرين شيدا رازفي بعنوان “فنانات وخطاطات مغمورات في البلاط المغولي”، وتلقي الأكاديمية ماريكا ساردار ورقة بعنوان “المرأة المغولية راعية للمخطوطات: حمیدہ بانو بيجم نموذجاً”.
وفي الجلسة الثالثة، يُعرَض فيلم قصير بعنوان “رحلة النور” لخديجة الغواص، ثم تلقي الباحثة أنيتا شودري ورقة حول “الرحلة الشخصية لامرأة مع الزخارف الإسلامية”، وتختتم الجلسات مع مداخلة الباحثة فيدا أحمد التي تتناول فيها “استلهام التقاليد”.
المحاضرة مناسبة لاستذكار سير وتواريخ وفنون خطّاطات من مشرق ومغرب التاريخ الإسلامي، فقد عرفت الحضارة الإسلامية خطّاطات في العراق، وحلب، والمغرب العربي، والأندلس، وتركيا وغيرها.
ومن أبرز خطّاطات العصر العباسي فاطمة بنت الحسن بن علي العطار الشهيرة بأم الفضل البغدادية الكاتبة، كتبت بالخط المنسوب وزاد الخطّاطون على خطّها بعدما قلّدوها، والرضا بنت الفتح وعُرفت بكثرة ما نسخت من الكتب، وكذلك حافظة خاتون بنت محمد سعيد أفندي.
أما خطّاطات المغرب العربي فاشتهرت منهن فاطمة الحاضنة، والتونسية دُرَّة الكاتبة التي حقّقت شهرة واسعة، ومن أهم أعمالها مصحف الحاضنة.
ومن خطاطات الأندلس لبنى بنت عبد المولى كاتبة الخليفة المستنصر بالله، وراضية، وست نسيم، والنُضَّار، وفرنية كاتبة للخليفة الأندلسي الناصر لدين الله، وسيدة العبدرية، وعائشة القرطبية. أما أشهر خطاطات حلب فيذكر التاريخ فاطمة بنت قريمزان الحلبية، وبوران بنت محمد بن الشحنة.
ومن خطّاطات العصر العثماني أسماء بنت أحمد آغا، وناهدة، وسلمى خانوم، والشريفة عائشة، وبعض أمهات السلاطين مثل درة خانوم أم السلطان محمود خان التي خطت مصحفاً يوجد اليوم في المدينة المنورة.
أما أهم عمل قدّمته امرأة في الخط في العصر العثماني، فكان المصحف الذي نسخته الشريفة الحافظة زليخة السعدية، وزركشته بزخارف نباتية غريبة وملونة ومذهبة، ولكل صفحة إطار عريض مذهب محاط بخط أزرق دقيق، وأسماء السور مذهبة، وللأشكال الزخرفية رؤوس وذيول ملونة.