زوجان في غزة ينجحان في افتتاح متحف
داخل منزل قديم يمتد عمره لأكثر من خمسة عقود، تصطف قطع أثرية تعود لنحو سبع حضارات قديمة مع مقتنيات أثرية فلسطينية، نجح زوجان، من مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة في جمعها على مدار عامين كاملين، والاحتفاظ فيها، وتدشين متحف تراثي.
الناظر للمنزل المُحاط بحقول أشجار النخيل والزيتون، في بلدة القرارة الحدودية شرقي خان يونس، يعتقد للوهلة الأولى، أنه آيل للسقوط، ولا يصلحُ للسكن، لكنه يتفاجأ بقطعة رخام صغيرة على جداره الخارجي كُتب عليها “متحف القرارة الثقافي”.
الزوجان الفنانان التشكيليان محمد أبو لحية (29عامًا)، ونجلاء أبو نحلة (26عامًا)، نجحا على مدار عامين كاملين، في جمع واقتناء قطع أثرية وتراثية فلسطينية وأخرى تعود للحضارات القديمة، من العصور: الكنعاني، والروماني، والبيزنطي، والإسلامي: ” الأموي، المملوكي، العثماني”، حسبما قال لمراسل وكالة الأناضول.
وبدأت فكرة إنشاء المشروع من خلال شغف الزوجين، بالفن، وهو ما دفعهما في البداية للتفكير بإقامة معرض دائم للوحاتهما الفنية في منزلهما المجاور للمتحف الحالي.
لكنهما طورا الفكرة، بحيث أصبحت تتمثل في تدشين متحف تراثي خاص، وباشرا سويةً في جمع القطع الأثرية والتراثية.
يقول “محمد”:” تمكنت من جمع واقتناء نحو ألفي قطعة تراثية وأثرية في غضون عام ونصف من البحث والتنقيب داخل قطاع غزة، خاصة بلدة القرارة التي أقطن وأقمت المتحف بها، كونها منطقة لها جذور تاريخية كأي مكان في فلسطين، وبها آثار قديمة تحت الأرض”.
ويضيف لمراسل وكالة الأناضول:” مكان المتحف عبارة عن منزل قديم يعود لعائلة الأغا، هو بالأصل مكان لتخزين الحبوب، وتبلغ مساحته (400 متر مربع)”.
وتابع:” استأجرنا المكان ورممناه، ووضعنا القطع به (..) هو ليس متحفا فقط، بل مكان ثقافي يُقام به المناسبات كيوم الأرض والنكبة والمرأة والطفل العالمي، ودورات تطريز ورسم “.
ويعمل الزوجان مدرسان للتربية الفنية، في مؤسسات غير حكومية، وعندما يعودان عند الساعة الثالثة مساءً من العمل يوميًا، يقضيان وقتهما في المتحف، حيث يقدمان دروسا ثقافية وتعريفية للزائرين عن محتوياته، بالإضافة إلى أعمال التطوير والصيانة.
وحول مكونات المتحف، يقول محمد إنه يحتوي على “غرفة مخصصة للتراث، من: أدوات حرفية، لباس فلسطيني، عملات نقدية، أدوات الفلاح، أواني طهي، تلفزيونات وراديوهات قديمة (..)”.
وتحتوي غرفة أخرى على الآثار، ومنها قطع تعود لحضارات مختلفة مرت على فلسطين كالأعمدة، والتيجان، ومعصرة زيت، وأواني فخار، ومكاحل للعيون، ولوحات فسيفساء، ومصابيح إنارة، وزجاج قديم، وأدوات المحاربين، وأباريق نحاسية، وعملات نقدية.
أما الساحة الخارجية للمتحف، فبها مقتنيات حجرية، وساحة للضيافة ولدروس العلم والدورات.
ويشدد “محمد”، على أن أحد أبرز الأهداف من إقامة المتحف هو “الحفاظ على الهوية الفلسطينية وحماية الموروث الثقافي من الضياع والاندثار”.
ويضيف:” الاحتلال الإسرائيلي سرق تراثنا في الماضي، وما زال يقوم بتهويد الأماكن الأثرية والمقدسة في محاولة لطمس الهوية؛ ومن هنا كان لزامًا علينا كشباب واعي ومدرك لأهمية الحضارات التي مرت على فلسطين أن نُدشن هذا الصرح، بحيث يكون مرجعا تاريخيا للجمهور خاصة الأجيال الصاعدة وطلبة المدارس والجامعات”.
ويبيّن أنه شكل فريقا من عشرة أشخاص، يعملون في المتحف تطوعًا، منهم: الفنان، والإعلامي، والمثقف، لكل واحدٍ منهم دوره، عند استقبال أي زائر للمكان؛ بهدف توظيف المقتنيات التراثية والأثرية وعرضها بطريقة جميلة للجمهور الذي يعتبر المتحف ملكًا له على الدوام، ومفتوحا للجميع.
أما الزوجة “نجلاء”، تشارك زوجها “محمد” الحديث، حيث تقول:” زوجي شغوف بالمقتنيات الأثرية والتراثية، وفي بداية اللبنة الأولى للمتحف، اقتنى عملات نقدية قديمة تعود للعصر الروماني، وتدريجيًا باشر البحث والتنقيب، ومع الأيام والعزيمة والإصرار على بلوغ الهدف، فكرنا سويةً بإيجاد مكان تضع به تلك المقتنيات، فمن هنا اخترنا المنزل القديم المجاور لنا”.
وتضيف نجلاء لمراسل “الأناضول”، إنهما افتتحا المشروع عام 2016، بعد قيامهما بترميم المكان وتحويله لمتحف يحمل اسم البلدة؛ مشيرةً إلى أن صعوبات جمة واجهتهما لكنهما تغلبا عليها.
وتكمل:” مع مرور الوقت وعقد لقاءات توعوية خاصة مع كبار السن والوجهاء، حول أهمية الآثار والتراث، أصبح المكان حاضنة شعبية، ومعظم سكان البلدة يعرفونه، ويترددون عليه، بجانب استقبالنا يوميًا رحلات مدرسية، وطلاب جامعات، ومؤسسات، ورياض أطفال، وإحياء مناسبات وطنية”.
وتختم “نجلاء” حديثها، وهي تشير إلى المكان:” هذا أكبر من كونه متحفًا، فهو هوية، حضارة، ثقافة، ماضي، حاضر، مستقبل”.
(الأناضول)