صفقة القرن بين السياسة والاقتصاد
أشرف دوابه- كاتب مصري
لا يخفى على أحد صفقة القرن وما تهدف إليه؛ من القضاء على ما تبقى من فلسطين، وتحويلها لدولة يهودية عاصمتها القدس، واقتصار دور الفلسطينيين على ترقيع دولة تفتقد إلى مقومات الدولة، تنفيذا لتعليمات الرئيس الأمريكي ترامب ومن خلفه اللوبي الصهيوني؛ بأيد صهيوعربية يقودها حكام مصر والسعودية والإمارات.
ولكن جاءت الفكرة الابتكارية ممثلة في مسيرات العودة بغزة لتعرقل هذا المشروع الهدام، ومع ذلك، فإن أيدي صهاينة العرب لم تستسلم وما زالت تعبث، فبدت ملامح صفقة القرن بصورة اقتصادية – من قبل – من خلال تنازل السيسي للسعودية عن تيران وصنافير، وتحويل مضيق تيران لممر دولي خدمة لمصالح إسرائيل، وتوجه ابن سلمان لإقامة مشروع نيوم الذي يمثل نتاجا لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي دعا إليه الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بريز، ثم ما ظهر أخيرا على لسان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، عن شراكة مصرية جديدة مع الإمارات في منطقة قناة السويس، بنسبة 51 في المئة لهيئة قناة السويس و49 في المئة لشركة موانئ دبي.. تلك الشركة التي طردها القاصي والداني، بدءا بالولايات المتحدة وانتهاء بجيبوتي والصومال. ويأتي هذا الدور الإماراتي في ظل صفقة القرن الاقتصادية، لجعل قناة السويس في خدمة الاسرائيليين، وامتدادا للسلوك الاسرائيلي لابن زايد الذي أدمن شراء أراضي القدس من العرب وتسليمها للمستوطنين.
ولم تتوقف صفقة القرن الاقتصادية على ذلك، بل لازمها سراب الوعود الذي يغذي به السيسي أهل الغفلة والتيه من المصريين. ففي الوقت الذي أعلنت حكومة السيسي عن تحول مصر إلى أكبر مركز إقليمي لتصدير الغاز لأوروبا، وأن لديها أكبر حقل غاز في المنطقة وهو حقل ظهر، وأنها حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز بالاكتشافات الجديدة منه بالبلاد، يظهر من الحقائق ما يفند وعودهم البراقة وأكاذيبهم المستمرة، فقد أعلنت منذ أيام شركة روسنفت الروسية عن بدء الإجراءات القانونية لتوريد الغاز الطبيعي والمسال للسوق المصرية، وتأتي هذه الخطوة بعد توقيع شركة دولفينوس القابضة، في آذار/ مارس 2018، اتفاقات مدتها 10 سنوات لاستيراد غاز بقيمة 15 مليار دولار من إسرائيل.
بل إن سراب تحويل مصر لمركز إقليمي للغاز بدا واضحا من خلال ما كشفت عنه القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي؛ من أن إسرائيل وقعت اتفاقاً لمد خط أنابيب بحري لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، وذلك بدعم من الاتحاد الأوروبي وبتمويل من أبو ظبي. وذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن هذا الاتفاق التاريخي سيسمح ببناء أطول وأعمق خط أنابيب للغاز في العالم. وقد قاد هذه الخطوة وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينس، الذي قدم المقترح للاتحاد الأوروبي في مؤتمر بأبو ظبي؛ التي وافقت على المقترح وقررت تخصيص 100 مليون دولار لهذا الغرض. وقد أشار شطاينس إلى أن هذا الاتفاق من شأنه أن يعود بفائدة سياسية على إسرائيل، حيث من المتوقع أن يعدل الموقف الأوروبي تجاه إسرائيل.
ومن الجدير بالذكر، أن العام الماضي شهد توقيع عددا من الدول الأوروبية مع إسرائيل، على الإعلان المشترك؛ الذي بموجبه يُمد الخط البحري لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، في غضون ثماني سنواتٍ مُقبلة. وقد جرى التوقيع خلال لقاء عُقد في مقر وزارة الطاقة الإسرائيلية، حضره وزراء طاقة كل من إسرائيل وإيطاليا وقبرص والاتحاد الأوروبي.
واللافت للنظر، أنه رغم وعود السيسي وعلاقته بالإمارات، فإن الإمارات جعلت من خط الغاز الاسرائيلي أكبر منافس للخط المصري الذي يفتقد للقدرات الاسرائيلية وتشعبها عالميا، وهو ما يعكس التوافق الخفي بين الإمارات وحكومة السيسي على ذلك؛ خدمة للمشروع الصهيوني الذي يقدسونه وينظرون إليه على أن سر بقائهم والداعم لحكمهم.
كما أن هذا الخط الاسرائيلي يحقق في الوقت نفسه مطامع صهاينة العرب في وقف النفوذ التركي الذي فرض نفسه بإرادة حقيقية وإدارة رشيدة، من خلال مشروع خط السيل التركي لنقل الغاز إلى أوروبا. وقد شهد الشهر الماضي مشاركة الرئيسين أردوغان وبوتين في مراسم أقيمت بإسطنبول بمناسبة استكمال الجزء البحري من المشروع، الذي يشمل مد أنبوبين باستطاعة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لكل منهما؛ من روسيا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر البحر الأسود، على أن يغذي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول جنوب شرقي وجنوبي أوروبا.
إن تلك الحقائق تكشف بوضوح عن حجم الخيانة التي لا تنتهي، وتحويل العدو إلى صديق والصديق إلى عدو، من أجل كراسٍ زائلة، تعيد بنا تاريخ الأندلس. وسوف يأتي اليوم الذي تنكسر فيه مؤتمراتهم وصفقة الخيانة المسماة صفقة القرن على صخرة الصمود الواعي، ووقتها لن يجدوا حتى من يقول لهم: ابكِ كالنساء على مُلك لم تحافظ عليه كالرجال.