الأبناء جواهر والآباء حدادون
الشيخ كمال خطيب
في ظل موجة العنف التي تجتاح مجتمعنا الفلسطيني في الداخل وكثرة حوادث القتل التي هي ولا شك تجعل المؤسسة الإسرائيلية تفرك يديها فرحًا لهذا الحال، حيث السياسة الرسمية غير المعلنة هي سياسة “فرق تسد” وهي سياسة “فخار يكسّر بعضه” ونحن نلمس هذا في ظل الفارق الكبير بين تعامل الشرطة في الأحداث الجنائية في الوسط العربي، وبين تعاملها وسرعتها وابداعاتها المذهلة وعبقريتها الاستخبارية في الأحداث ذات الخلفية الأمنية والقومية في الوسط اليهودي.
ولأنه ليس من الحكمة أن ترفع شكواك إلى ظالمك، ولا أن تنتظر منه العمل لصالحك.
ولأن الكثيرين من السياسيين من الداخل الفلسطيني نراهم في حالة نفير عام عند كل حادثة قتل عبر البيانات والاستنكارات، والحقيقة أنه ليس بمقدورهم فعل شيء أكثر من ذلك.
ولأنني على قناعة أن إعداد الأطفال من الصغر وتربيتهم التربية الإيمانية الفاضلة، فإنه صمام الأمان والسياج الواقي من الانزلاقات على كافة أشكالها، ليس أننا سنصبح مجتمعًا ملائكيًا ولكن بيقين أننا لن نتردى حتى نصبح مجتمع غاب والحال يغني عن المقال، وعليه كانت هذه الكلمات:
ولأننا نرى في الأبناء أنهم زينة الحياة الدنيا، وأنهم نعمة من الله تعالى أنعم بها علينا نحن الآباء، فإننا نرى أن الاهتمام بالأبناء هي مسؤولية سيحاسب الله الآباء عنها يوم القيامة إذ يقول سبحانه {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة}. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. ويقول علي كرم الله وجهه: “رحم الله من أعان ولده على بره”.
ولأننا لا نريد أن نعتز بكثرة الأبناء عددًا، وإنما نعتز بدينهم وأخلاقهم وثقافتهم وأصالتهم وانتمائهم لدينهم وأمتهم ووطنهم، لأجل ذلك كان لا بد أن يقوم الآباء بواجبهم اتجاه الأطفال.
إن الأبناء في نظر الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله هم جواهر كما قال” إن أطفالنا جواهر” ولمّا كانت الجواهر تحتاج إلى أيدي ماهرة ولطيفة وصادقة من أجل حسن تصنيعها وصيانتها، إلا أن كثيرين من الآباء يستعملون في التربية أيدي حدادين.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله منبهًا إلى أهمية دور الأسرة في التربية فيما نقله عنه الدكتور حسان شمسي باشا في مقدمة كتابه الرائع -كيف تربي أبناءك في هذا الزمان -: “وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا”.
ولقد عاتب أحد الآباء ابنه على عقوقه له وسوء معاملته، فقال الابن:” يا أبت إنك عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا”.
ولقد استشعر داوود عليه السلام فضل الله عليه فتمنى ودعا الله أن يتم فضله على ابنه مثلما أتمه عليه فقال: “إلهي كن لابني كما كنت لي”، فأوصى الله إليه: “يا داوود قل لابنك يكن لي كما كنت أنت لي، أكن له كما كنت لك”.
وقديمًا قالت العرب: “الطفل أبو الرجل”، وهذا يعني أن داخل كل طفل منا توجد ملامح الرجل الذي يكونه في المستقبل، وهذا يعني أيضًا أن أحداث الطفولة هي التي تحدد جزءًا كبيرًا من شخصياتنا واتجاهاتنا.
ويقول الإمام الغزالي: “فالصبي إذا أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابًا حسودًا سروقًا نمامًا ذا فضول وضحك ومجانة، وإنما يتحفظ من جميع ذلك بحسن التأديب”.
ويقول الأستاذ حسان شمسي باشا: “وعلى الآباء والأمهات أن يتواضعوا احترامًا أمام عظمة الطفل، وأن يفهموا أن كلمة الطفل لفظة مرادفة لكلمة الملك وأن يشعروا بأن من ينام بين ذراعيهم بشكل طفل هو المستقبل بنفسه، وأن من يلعب بين أقدامهم مستغرقًا في اللهو هو التاريخ بعينه”. ويقول أخي وصديقي الأستاذ عدنان السبيعي: “أيها الأبوان: أولادكما هم أغلى الناس، هكذا تقولون!!! ولكن هذا القول لا يكفي بل ينبغي أن يُدعم القول بالعمل، ألا ترَيان أن معظم الناس يخبئون الكلام المهذب والأسلوب الظريف ليقدموه للغرباء، ولا يكادون يقدمون شيئًا منه لأولادهم وزوجاتهم، مع أنّ هؤلاء أولى من غيرهم بالكلمة اللطيفة والتعامل اللبق”.
ومن أجل المساهمة في صناعة وصياغة ذلك الابن الطفل” المستقبل” الذي هو أغلى الناس، ومن أجل عدم نسيان أن وظيفة الآباء هي ليست فقط تجهيز اللباس والطعام والكتاب، وإنما هي بالأساس وظيفة المربي الذي يريد أن يصيغ لبنة من لبنات المجتمع الصالح، فإنها جملة من النصائح والملاحظات قد تساعد في تعزيز مكانة الطفل ودوره في ظل رعاية أسرية مخلصة وواعية يكون نتاجها إبنًا بارًا مؤمنًا صالحًا نافعًا يكون سببًا لنيل والديه رضوان الله سبحانه ثم الجنة، فيا أخي أيها الأب الفاضل:
1-لا تشغل نفسك بتحقيق طموحاتك وتنسى مشاكل أبنائك.
2-لا تترك مسؤولية التربية على عاتق زوجتك وحدها، فدور الأب لا غنى عنه، وأن تعبك من أجل كسب الرزق لا يعفيك من مسؤولية التربية.
3-حاول أن تقضي وقتًا كافيًا مع أبنائك، تعيش معهم أحاسيسهم ومشاكلهم.
4-على الآباء أن يتعلموا الإصغاء إلى أبنائهم كي يتعلم الأبناء كيف يصغون إلى آبائهم.
5-حاول تنمية الإحساس بالنجاح في نفوس أبنائك منذ الصغر، واجعلهم يلتفتون إلى تصرفاتهم الحسنة، وامدحهم عندما يتصرفون بشكل جيد.
6-شجع أولادك على أن يكونوا صادقين معك.
7- عندما تكون في البيت حاول ألا تفكر إلا في شئون بيتك وأولادك، وعندما تكون في العمل، فكر فقط في عملك.
8- إذا رأيت طفلك متمردًا عليك فاسأل نفسك: هل احتضنت طفلك ذلك اليوم؟ يقول الإمام الغزالي: “الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإن عُوّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل معلم له ومؤدب، وإن عُوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيّم عليه”.
9- حين تحاور ابنك، ادع الله أن يرزقك التوفيق في حوارك معه.
10- اجعل ابنك يحس مشاعر الصداقة أثناء حوارك معه، حتى يفتح لك عقله وقلبه.
11- كن مستمعًا فعالًا أثناء حوارك مع أبنائك، ولا تنشغل عنهم أثناء حديثهم بقراءة الجرائد أو متابعة التلفزيون.
12- لا تكثر من انتقاد أبنائك حتى لا تسبب لهم ازمة في الحوار معك.
13- ابتسم أثناء الحوار مع أبنائك، فهذا يجعلهم يشعرون بالأمان في حوارك معهم ولا يتخذون موقفا منه.
14- الضرب آخر الدواء. لا تلجأ إليه حتى لا يهابوا الاقتراب منك والحديث معك. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “عرّفوا ولا تعنّفوا”.
15- لا تسب أبناءك أثناء الحوار معهم، فيكرهون حديثك والحوار معك. الإمام الغزالي يقول: “إن العصا وجارح القول لا يخرجان إنسانًا مؤدبًا، وإنما يصنعان قردًا مدربًا”.
16- إياك أن تعاقب الولد بقولك له إنك لا تحبه أو تهدده بأنك لا تحبه بعد اليوم بسبب فعل فعله.
17- حاول أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه بسرعة. بعد العقاب ضمه إليك وأشعره بأنك تحبه.
18- لا تقارن ولدك بالآخرين كأن تقول له “أنظر إلى فلان فإنه يسمع دومًا كلام أبيه، وأن فلان يحسن القراءة والحفظ أكثر منك مع أنه أصغر منك سنًا” وهكذا.
19- إياك أن تنتقد ابنك أو تعاقبه أمام أصدقائه أو منافسيه من أبناء أقاربه وجيرانه وأبناء صفه.
20- لا يجوز أبدًا أن تمتد العقوبة فتؤدي إلى إهانة الطفل وإهدار شخصيته وكرامته التي خلقها الله تعالى فيه ولا يضرب الوجه بأي حال، ورحم الله من قال: “لا أستعمل سوطي ما دام ينفعني صوتي، ولا أستعمل صوتي ما دام ينفعني صمتي” والمقصود التدرج في العقوبة، فلعل الصمت مع التأني الوقور ينفع مع الطفل أكثر مما ينفع معه السوط ورفع الصوت والتأنيب والتهديد.
21- الأوامر المباشرة تقطع الحوار وتجردها من مضمونها، لا تلجأ إليها إلا للضرورة.
22- كن قدوة لهم في تعليمهم الآداب السلوكية والمهارات الحوارية من حسن الإصغاء والحديث الهادئ في مراعاة الأوقات المناسبة.
23- استثمر لحظات المرح مع أبنائك ووطد العلاقة القلبية بينك وبينهم.
24- لا تتشاجر مع زوجتك أمامهم، وتذكر أن الحوار مع زوجتك يرقبه الأبناء ويتمثلونه في كل أحوالهم في الحوار، واجتهد أن تسوّي خلافاتك بعيدًا عن أولادك. والأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.
25- تجاوز وتغافل عن بعض التفاهات التي تصدر منهم، وتغاضى عن بعض أخطائهم.
26- لا تلبّ كل رغباتهم حتى لو كنت تستطيع ذلك وبرر رفضك بصورة موضوعية.
27- لا تحجر على رأي وإن كان غير صائب، ولا تخجل من انتقاد أبنائك لك طالما أنه في حدود اللياقة والقبول.
28- لا تكن ديكتاتوراً.
29- لا تحبط ابنك، ولا تحقر من شأنه.
30- لا تضيّق عليه في الجانب المالي فينحرف ليحصل على المال أو يشعر بالدونية ولا تسرف في إعطائه كذلك فينحرف أيضًا.
31- أشعره بأنه شخص مرغوب فيه دائمًا، وموفق في عمله غالبًا ويتعلم من أخطائه القليلة.
32- عّود ابنك أن يصارحك فيما يلاقيه، ويحدث معه، لأنك إن لم تفعل ذلك فإنه سيذهب للبحث عمن يفضي إليه بما عنده، وقد يكون هو الصديق الذي ينصحه بما ليس في مصلحته.
33- أدرس نفسية ابنك، وقد يكون انطوائيًا، فاعمل على تشجيعه كي تتسع آفاقه ونشاطاته.
34- احترم ابنك، فالطفل بحاجة إلى احترام شخصيته لتنمى وتقوى، وإذا ما ذبلت هذه الشخصية، حرم الطفل من الفوز والنجاح في المستقبل، وربما تهاون في ارتكاب الرذائل، لأنه يشعر أنه محتقر ومهان. ولقد قال ابن خلدون رحمه الله في مقدمته: ” من كان مرباه بالعنف والقهر من المتعلمين أو الخدم غلب عليه القهر وضاقت نفسه وذُهب بنشاطها وحمل على الكذب والخبث خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة بذلك”.
35- شجع ابنك وذلك عبر تركيزك على الإنجازات أكثر من الأخطاء، وعلى الجوانب الإيجابية أكثر من السلبية، وإياك والتشبط (كأن تقول له قبل أشهر كنت لا تستطيع قراءة أكثر من عشر صفحات وها أنا أراك وقد قرأت القصة كاملة).
36- قلل من التوبيخ لأن الرقابة الصارمة على الطفل تولد عنده حالة من عدم الاطمئنان أو فقدان الثقة بالنفس. واعلم أن الطفل ليس آلة صمّاء نديرها حسبما نشاء، وإنما للطفل إبداعه الخاص ورغبته في إدارة أموره الخاصة. فلماذا نحرمه من لذة الإبداع عبر توبيخه السريع عند كل ما يفعله ويقوم به، ولماذا الخوف والشكوى من كثرة حركته ورغبته في التعرف على الأشياء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “عُرامة الصبي نجابة في عقله” والعُرامة هي الحركة الزائدة والرغبة في التعرف على المحيط به.
أيها الأب الكريم أيتها الأم الفاضلة، قال الأحنف بن قيس لمعاوية بن أبي سفيان وقد أغضبه ولده يزيد: “هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا نحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فارضهم، ولا تكن عليهم ثقيلًا فيملّوا حياتك ويتمنوا مماتك”. ثم إنه الله سبحانه وتعالى القائل {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
وما أجمل ما قاله الأستاذ الفاضل محمد عبد الجواد في مقدمة كتابه” كيف تحاور ابناءك” وبعد عزيزي الأب عزيزتي الأم، هذه دعوتي إليكم : أبناؤنا حبات قلوبنا يحتاجون إلينا وإن بدا لنا غير ذلك، فهل سنتأخر عنهم كثيرًا؟ إن أبناءك هم أنت في الغد، فما صورتك التي تحب أن تخلفها للغد”.
فيا { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}. {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون