الطفل الغزي محمد: “لم افعل شيئا يؤذي الاحتلال.. رفعت العلم فقط” (قصة إنسانية)
لم يعد الطفل الفلسطيني محمد جاسر بربخ يحلم بأن يمتلك دراجة أو كرة قدم أو حتى يعود للدراسة التي تركها ليساعد في إعالة أسرته الفقيرة، بل باتت أقصى أمنياته أن يغادر فراشه ليلعب من جديد مع أقرانه.
ولا يمكن أن يتحقق حلم الطفل محمد، الذي لم ينه ربيعه الخامس عشر، بالسهولة المتوقعة فرصاصة إسرائيلية أصابته، مؤخرا، خلال مشاركته في “مسيرات العودة”، قرب حدود غزة، تسبت ببتر ساقه اليمنى لتبقيه طريح الفراش دون حراك.
وتحولت حياة الطفل الغزي، منذ 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو تاريخ إصابته، إلى جحيم فكوابيس ما حدث معه لحظة تفجر الدماء من ساقه بفعل الرصاصة الإسرائيلية، توقظه من نومه فزعا حتى بات يخشى الاستغراق بالنوم، وآلامه تحول ساعات نهاره لكابوس آخر لا يذهب شره إلا جرعات مكثفة من المسكنات.
وفي يوم إصابة محمد قرب الحدود الشرقي لمدينة خانيونس (جنوب) استشهد 6 فلسطينيين، وأصيب العشرات بجروح مختلفة، إثر استهداف قوات الجيش الإسرائيلي لمتظاهري “مسيرات العودة” بالرصاص الحي.
وبينما يجلس على كرسيه المتحرك وإلى جواره عكازيه الخشبيين، يتذكر ما حدث والحزن يكسو محياه، فيقول لمراسل وكالة الأناضول، بصوت متقطع وخافت: “كنتُ أذهب لمسيرات العودة كي أطالب بحقي في العيش بكرامة في وطني، وفي الجمعة الـ31 للمسيرات، أصبت بعيار ناري من قوات الاحتلال؛ تسبب في بتر قدمي اليُمنى”.
وفي تفاصل الحادثة، يضيف: “حملت علم فلسطين وبدأت أركض بين المتظاهرين، لم أفعل شيئا يؤذي جنود الاحتلال، ولم أتوقع للحظة أنني مُستهدف، لكني أصبت وسقطتُ أرضًا وزحف شاب محاولا إنقاذي علمت لاحقًا أنه أصيب بعيار ناري إسرائيلي واستُشهد بجواري، قبل أن يتمكن المسعفون من نقلي مع الشهيد لسيارات الإسعاف”.
ويتابع: “تلقيت العلاج في المستشفى الأوروبي بمدينة خان يونس، جنوبي القطاع، وتم تحويلي بعد أيام إلى مستشفى المقاصد في مدينة القدس المُحتلة لاستكمال العلاج وهناك بتر الأطباء قدمي بعد فقدان الأمل بعلاجها”.
“لا أعلم ماذا فعلت لأجل هذا ؟، وماذا أفعل بعد ذلك ؟، ما الذنب الذي ارتكبته حتى يطلق جنود الاحتلال النار تجاهي”، يتسائل محمد وقد سالت دموعه على عينيه.
ويكمل حديثه: “كنت ألعب في السابق مع أصحابي، وأخرج في الصباح مع والدي للسوق لأبيع معه على بسطة صغيرة، بعد أن تركت الدراسة، لكن الآن فقدت قدمي، ولا أستطيع حتى مغادرة الفراش لوحدي، وأجلس طوال اليوم في المنزل”.
ويتمنى محمد أن يحصل على ساق صناعية ليتمكن العودة للعب مع أصدقائه ويذهب للسوق لمساعدة والده، الذي يبيع بعض قطع الزينة للفتيات على بسطة صغيرة.
ولا تستطيع عائلة بربخ أن توفر له ساقا صناعية بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة فما يجنيه والد محمد يوميا لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة.
ولم يكد يكمل الطفل الفلسطيني حديثه حتى بدأ يشعر بالدوار بسبب الحبوب المسكنة التي يتناولها، ليعود إلى فراشه مسرعا ويغرق في نوم ربما يستيقظ منه بعد دقائق بسيطة بسبب آلامه وكوابيس لا تتوقف عن ملاحقته.
وإلى جوار سرير محمد كانت تجلس والدته ماجدة بربخ (40 عاما)، وعيونها الدامعة لا تفارق وجه وجسد طفلها النحيل.
وتقول بربخ لمراسل وكالة الأناضول: “حتى في نومه لا يستطع أن يهنأ، منذ إصابته وهو يتألم، ولا نعرف ما هو الحل، أنا أتعذب وأموت ألف مرة في اليوم عندما أنظر إليه وأقف عاجزة عن فعل أي شيء”.
وتضيف: “طفلي دمرت حياته كليا، أتألم كثيرا عندما أراه طريح الفراش يتألم ويتسيقظ فزعا ولا يستطيع الخروج للعب”.
وتتساءل: “لا أعلم ما الذنب الذي اقترفه طفلي ليحصل ما حصل له ؟؛ يؤلمني عندما يخبرني يوميًا أنه يتمنى اللعب والخروج للشارع مع الأولاد”.
وتتمنى الأم لطفلها أن يتعافى من الألم الذي أنهكه، وأن تقدم له إحدى الجهات المعنية ساقا صناعية حتى يعود لممارسة حياته بشكل طبيعي، وتعود الابتسامة البريئة إلى وجهه فقد “أتعبتني نظراته الحزينة البائسة”.
وتعتبر بربخ أن طفلها كان يذهب في كل يوم جمعة إلى “مسيرات العودة” ليلهو مع أصدقائه وزملائه بالمدرسة، ولم يكن يشكل أي خطر على جنود الاحتلال.
وتقول: “كنت أخشى عليه كثيرا وعندما طلبت منه في أحد الأيام أن لا يذهب أصر على المشاركة وأخبرني بأنه لا يقترب من السياج الحدودي”.
وتضيف: “في يوم إصابته تلقيت اتصالا من مجهولين أبلغوني خلاله بإصابته بساقه بجروح بسيطة، ولكن عندما ذهبت إلى المستشفى علمت أن الرصاصة تسببت بانقطاع الشريان الرئيسي والأوردة والأعصاب في ساقه”.
“آنذاك، بقي لدي أمل بأن تعود ساقه إلى سابق عهدها ولكن حين ذهب إلى مستشفى المقاصد بمدينة القدس تلاشى ذلك الأمل وبترت ساق طفلي”، تكمل الأم قبل أن يقطع حديثها صوت أنين طفلها محمد.
المصدر: الأناضول