عن الـ99 في المائة
حسام كنفاني
لم يكن من المتوقع أن يصدر نفي عن الرئاسة الفلسطينية لما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت عن لسان الرئيس محمود عباس، خلال لقائه مع وفد من حركة السلام الآن الإسرائيلية، غير أن آمالاً كانت تحدو بعضهم بأن يخرج شيءٌ عن السلطة الفلسطينية يفنّد شيئاً مما جاء على لسان الرئيس الفلسطيني، ليس في ما يتعلق بعرض الكونفدرالية، والذي ليس جديداً، ولا بحديثه عن لقاءات مع رئيس جهاز الشاباك (الأمن الداخلي) الإسرائيلي في أكثر من مناسبةٍ، وتباهيه بالتنسيق الأمني، بل عن الاتفاق معه على تسعة وتسعين في المائة من الأمور. فأبو مازن، وبحسب ما نقلته نصاً الصحيفة الإسرائيلية، قال لضيوفه “عندي مشكلة مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، وليس مع الليكود.. أنا ورئيس الشاباك نلتقي بشكل دوري، ونتفق على 99% من الأمور”.
كان مؤكدا أن هذا التصريح يحتاج توضيحاً من الرئاسة الفلسطينية، خصوصاً أنه يحتوي فقرتين على قدر كبير من الخطورة، ربما تحتاجان إلى مساءلة الرئيس الفلسطيني عنهما، بداية في حديثه عن “الليكود” وأن لا مشكلة له معه، بل مشكلته شخصية مع نتنياهو. مؤكّد أن أبو مازن، أو أحد من السلطة، لن يتمكّن من نفي هذا الكلام، على اعتبار أن نشره قد يكون مرفقاً لاحقاً بتسجيلاتٍ صوتيةٍ لا يصلح معها النفي. لكن على الأقل كان في وسع السلطة أن تخرج لتوضح كيف يمكن للرئيس ألا يكون لديه مشكلة مع “الليكود”، وأن مشكلته خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. ووفق أي منطقٍ من الممكن أن يخرج هذا التصريح الذي يرفع المسؤولية عن الحزب اليميني الذي يتبنّى كل القوانين التي تلغي حقوق الفلسطينيين، ولعل جديدها قانون القومية العنصري الذي يستهدف فلسطينيي الداخل بالدرجة الأولى، ويحصر المشكل بشخص نتنياهو، وكأن الخلاف هو بين الاثنين في “وجهات النظر”، تماماً مثل أي خلاف بين اثنين في حزب الليكود نفسه، حيث يكون الانتماء للحزب من دون أن يؤثر ذلك على التباينات الثنائية بين الأعضاء.
الأنكى من جزئية “اللا مشكلة مع الليكود” هو التفاهم مع رئيس “الشاباك” على تسعة وتسعين في المائة من القضايا. التصريح لم يتم نفيه، ولا خرج أي موقفٍ يوضحه. ما هي القضايا التي يتفاهم معه بشأنها؟ والأهم ما هو هذا الواحد في المائة الذي يتم الخلاف حوله؟. مؤكّد أن هذا الواحد في المائة لا يتعلق بملفات الاستيطان، ولا حق العودة، ولا تقاسم المياه، ولا بسط السلطة سيادتها على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، وهو ما يطالب به أبو مازن، ولا رفض إعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل. قد تكون هذه الملفات الكبرى أكبر من الواحد في المائة الخلافي بين عباس ورئيس “الشاباك”، فإما أن الطرفين متفاهمان عليها أو أنها غير مدرجةٍ في الأساس في معايير الاتفاق والخلاف. تلقّف مغرّدون كثيرون “إعلان الاتفاق” ليشيروا إلى انسجام أبو مازن مع قناعاته، في ما يتعلق بالعلاقة مع الطرف الإسرائيلي، وسخروا من الخلاف القائم فقط “على تسهيل مرور مسؤولي السلطة الفلسطينية وسحب بطاقات VIP منهم”.
لكن بعيداً عن الجزء الأخير الساخر، فالأكيد أن الرئيس الفلسطيني منسجمٌ جداً مع قناعاته، حتى لو وضعته في الحضن الإسرائيلي، أو جعلته مصطفاً إلى درجة 99% من الرؤية الأمنية الإسرائيلية لكيفية التعاطي مع الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة. الأكيد أن ما قصده عباس، في تفاهمه مع رئيس الشاباك، ليس مرتبطاً بالعملية السياسية التي يقدّسها، بل بالتنسيق الأمني الذي لا يقل قداسةً، والذي وضعه على هذه الدرجة من التفاهم والانسجام مع الطرف الإسرائيلي، حتى لو جاء ذلك على حساب الشعب الفلسطيني.
حبذا لو كان هناك توضيحٌ من السلطة، علّه يبقي على ما تبقى من ستار الخجل.