الطلاق…. ومسؤولية الإصلاح
بقلم: المرافع الشرعي أحمد السيد
إن الاحصائيات المقلقة لحالات الطلاق في مجتمعنا العربي، تعني بلا شك أن نصف العائلات العربية على الاقل، تقترب من حالة التفكك الاسري الذي يؤدي حتما الى حالة من الضياع الاجتماعي، والعداء المجتمعي، الناتج عن حالة نفسية متردية لذلك الابن، أو تلك الفتاة التي تعيش تحت وطأة الخلافات الزوجية والصراعات الاسرية المستمرة، وبالتالي خلق نفسية معقدة وانتقامية وغير مستقرة.
ومن خلال نظرة عن كثب لحالات الطلاق التي وقعت بين أيدينا نجد أن اصل الخلاف ومنبت النزاع ما هو الا من مستصغر الشرر، وبإمكان طرفي النزاع نزع فتيل الازمة، وقد تكفل الله تعالى بأنه متى توفرت النية الصالحة للإصلاح، فان توفيق الله نازل لا محالة فقوله الحق ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً )، فيه الدواء الشافي والجواب الكافي لمن أراد الاصلاح، فدور الاهل والمحكمين الذين يسعون للإصلاح وفقط الاصلاح، وليس مجرد الحصول على المبلغ الملزم به طرفي النزاع عن قبولهم التحكيم، وهذه آفة أخرى تزيد الطين بلة بانصياع المحكم وخضوعه لإملاءات المحامي، أو المرافع، أو الموكل من طرفه، وصياغته للحل وفق هوى موكله.
ومن فهمنا للآية، فإن الطلاق بالإمكان ايقافه ومنعه، بمجرد خوفنا من تفاقم النزاع وتوسع رقعة الشقاق، ببعث الحكمين أهل الرأي السديد والقول الرشيد، وأصحاب النوايا الصادقة للإصلاح فحينها يكون التوفيق من العليم الخبير.
وحتى لا نقف أمام المشهد متفرجين، علينا نحن أصحاب الشأن والتأثير في ترشيد الخلافات وتوجيهها بالشكل الذي يؤول الى الصلح، وعدم الاستعجال في فرض التفريق، لنساهم بالقدر المستطاع في ايقاف عجلة التدهور الاخلاقي والاجتماعي، الناتج عن حالات تفكك الاسر وتفرقها.
كما أنه يجب الحد من ظاهرة الاستخدام المفرط للهواتف، وتصفح المواقع، ومراقبة حالات التواصل، التي تقف على رأس الاسباب المؤدية للخلافات الزوجية، ومن طرائف المصائب في إحدى الحالات أن الزوجة تنام وهي تحتضن الهاتف المحمول، وتسهر حتى ساعات الفجر للتواصل مع الزميلات والصديقات!!!، وزوجها لا يحرك ساكنا ثم يقف أمام القاضي يطالب بالطاعة والاهتمام من قبلها، ليصل الامر الى الطلاق وضياع الابناء.
كما أن التربية الدينية والاخلاقية أصبحت تستمد من الافلام والمسلسلات التي تدخل البيوت بإذن خاص ورعاية كاملة من قبل الزوج، بل ويشارك في متابعة هذه القنوات التي تبث كل وسائل الفتنة وطرق التمرد الاسري، والتفكك الزوجي، وبلا وعي أو إدراك يجد الزوج والزوجة أنفسهما وقد انصهروا في بوتقة الخيال التمثيلي، وقلدوا الممثلين بلا إدراك لحجم الفتنة التي ستعم في بيوتهم.
إن وهم الحب والتفنن في التدليل والانفتاح الزائد والعلاقات مع الاصدقاء والجيران والزملاء، التي لا تحدها حدود، ولا يردعها رادع، لهي من أهم الاسباب التي تسعر البغض وتشعل الكراهية وتنقض البيوت وتهدم المستقبل وتعيث في أركان البيت فسادا، فالعلاقة بين الزوجة أو الزوج مع المجتمع المحيط، يجب أن تكون بعيدة عن خصوصيات البيوت وما يدور داخل سور الاسرة لا يطلع عليه الا اصحاب الشأن فقط، ولا يعرف كنهه وطبيعته ونوع العلاقة بينهما، إلا هما فقط، وليس للصديقة والزميلة والجارة، أن تطلع على طبيعة العلاقة وسبل التعامل وطرق الحياة المشتركة بين الزوجين، وكذلك الصديق والزميل والجار، ولكن حالنا يصل الى نشر حيثيات العلاقة على مواقع التواصل لتجد المحب والناصح وأكثر ما تجد الحاقد والمسيء والنمام.