قافلة الحج الشامي.. رحلة عبر التاريخ إلى أرض الحجاز
يقصد نحو ميلوني مسلم سنويا أرض الحجاز لتأدية فريضة الحج التي أصبحت أكثر يسرا وسهولة، فيما كان الحجاج يتعرضون في الماضي لمشاق وأخطار لا حصر لها.
قبل استخدام وسائط النقل الآلية (برا وبحرا وجوا)، كانت بلاد الشام بموقعها الجغرافي مركز تجمع للحجاج المسلمين القادمين من تركيا وسائر البلدان الإسلامية الشرقية.
وعرفت العهود الإسلامية الأموية والعباسية والفاطمية والزنكية والمملوكية العديد من قوافل الحج، إلا أنها لقيت اهتماما لافتا في العهد العثماني.
كان الدرب الشامي في عهد العثمانيين هو طريق القافلة العظمى للعالم الإسلامي، فكان ينضم إليه، إضافة إلى الشاميين، العراقيون والفارسيون وأهل القوقاز ومسلمو الأناضول وأوروبا، بفضل أمان وتسهيلات هذا الدرب.
** تحت إشراف السلطان
في رحلة تتبعتها الأناضول، يسلط المؤرخ والأستاذ الجامعي في جامعة بيروت العربية الدكتور حسان الحلاق، الضوء على قافلة الحج الشامي.
وقال الحلاق: “كانت قافلة الحج الشامي من أهم قوافل الحج، وكان موعدها يبدأ عادة منذ منتصف شهر شوال من كل عام، وبالتحديد بعد عيد الفطر”.
وتابع: “وكانت تضم حجاج بلاد الشام (الولايات السورية والولايات اللبنانية بما فيها حجاج بيروت والولايات الفلسطينية والأردنية) وحجاج أذربيجان والقوقاز والقرم والأناضول والبلقان وحجاج إسطنبول، فضلا عن حجاج العراق”.
وأوضح أن “عدد حجاج قافلة الحج الشامي وصل في بعض سنوات القرن التاسع عشر خمسين ألف حاج تقريبا”.
وأضاف الحلاق أنه “نظرا لأهمية قافلة الحج الشامي كان السلطان العثماني يشرف بنفسه على تنظيمها ورعايتها لضمان سلامتها قبل انطلاقها من إسطنبول”.
** تأمين القافلة
“برئاسة أمير الحج تقطع القافلة الطريق التجاري وصولا إلى دمشق، ومنها إلى مؤاب وبلاد معن ومزريب، ومن ثم إلى مدائن صالح، حتى تصل إلى المدينة المنورة”، بحسب المؤرخ اللبناني.
وتابع أن “كل والٍ لولاية عثمانية كان مسؤولا عن حماية قافلة الحج الشامي حتى تصل إلى حدود الولاية الثانية”.
وأردف أن “الدولة العثمانية كانت حريصة على سلامة الحجاج ذهابا وإيابا، ولهذا لم تتردد في تخصيص رواتب وعطايا للبدو والقبائل الذين كانوا يتعرضون للحجاج”.
وتابع: “لوقف التهديدات المستمرة لقوافل الحجاج، قامت الدولة العثمانية بعمل حزام أمن يمتد من منطقة سواكن وموانئ اليمن وخليج البصرة وجدو والسويس، وتأمين أمن البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط”.
ولفت الحلاق إلى أنه “قبل انطلاق قافلة الحج الشامي كان الجميع يصلي صلاة السفر، ويحرص والي دمشق وأمير الحج والمسؤولون العثمانيون على التأكد من أن صناديق الهدايا والصرة الهمايونية (مساعدات ترسل سنويا إلى الحرمين الشريفين مع كل موسم حج) مقفلة بإحكام ومختومة بختم الوالي”.
** قطع من كسوة الكعبة
بعد أن تؤدي القافلة، وفق المؤرخ اللبناني، شعائر الحج في رحلة تستمر لمدة أشهر، تبدأ بالعودة بداية من شهر محرم، مع بداية السنة الهجرية الجديدة.
وزاد بأنه “كان من عادة أمير قافلة الحج الشامي عند عودتها أن يجلب معه قطعا من كسوة الكعبة المشرفة الخاصة بالسنة المنقضية (التي اهتم ولاة مصر عبر التاريخ بصناعتها وتبديلها سنويا)، وذلك تبركا بها ولتغطى بها أضرحة الأولياء”.
و”نقل بعض الحجاج، وفي مقدمهم مفتي بيروت الشيخ عبد الباسط الفاخوري، الذي شارك في قافلة الحج الشامي، بعض هذه القطع، وجعلوها كسوة لضريح الإمام الأوزاعي ولبعض أضرحة الأولياء الصالحين”، وفق الحلاق.
** مهللين مكبرين
ولاستقبال حجاج قافلة الحج الشامي عادات حرص عليها الأهل عاما بعد آخر.
وقال المؤرخ اللبناني إن “المدن الشامية كانت تستقبل حجاج قافلة الحج الشامي بمثل ما ودعوا به من ترحاب وأهازيج وأناشيد ومدائح نبوية وزينات، لا سيما من أشجار النخيل”.
وتابع: “وكان البيارتة (أهل بيروت) وأهل صيدا وطرابلس والمناطق اللبنانية يستقبلون ذويهم في دمشق وفي مناطق الجبل وفي ضواحي بيروت مهللين مكبرين”.
وأوضح أنه “بعد أن أنشأ السلطان عبد الحميد الثاني سكة حديد الحجاز عام 1906 ـ 1908 كان الجميع يودع ويستقبل الحجاج قرب مرفأ بيروت”.
وختم الحلاق بقوله إن “قافلة الحج الشامي تعتبر مظهرا مهما من مظاهر الحج عبر التاريخ العثماني، وقد بدأت بالاختفاء تدريجيا منذ القرن العشرين”.
(الأناضول)