عن دول تظن نفسها كبيرة
ماجد عبد الهادي
ما إن تنبس ببنت شفة عن التطبيع، أو التقارب المضطرد بين دول عربية وإسرائيل، على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، حتى تتلقى سيلا من الاتهامات بالعمل لخدمة “إيران الصفوية”، أو يردّ عليك كثيرون، لا سيما من السعودية، بموشّح عن علاقاتٍ دبلوماسيةٍ تقيمها “تركيا العثمانية” مع دولة الاحتلال.
وعبثاً تحاول، في مثل هذه الحال، إن حاولت إعادة النقاش ليقف على قدميه، بأن تدعو، مثلا، إلى مواجهة جرائم التدخل الفارسي، ذي البعد المذهبي، في سورية والعراق واليمن، لكن من دون استخدامها ذريعةً للتحالف مع إسرائيل، وبأن تدعو كذلك إلى موقفٍ أكثر عدلاً إزاء تركيا التي لها ما لها من مواقف في دعم القضية الفلسطينية، وعليها ما عليها من مآخذ، في مقدمتها وجود السفارة الإسرائيلية على أرضها، غير أن خصومها العرب يتشبثون بهذه الجزئية نقطة إدانة، كان يمكن أن يكونوا محقّين فيها، لولا أنهم يهرولون نحو تل أبيب، ويعجزون، في الوقت نفسه، عن تفسير عداوتهم أنقرة بحجج تشبه التي تبرّر موقفهم من طهران.
عليك أن تقف مع السعودية، أنّى وقفت، بوصفها بلاد الحرمين الشريفين وقائدة الأمة الإسلامية، يُصرُّ هؤلاء، ويكرّرون تحت طائلة التخوين، فلا ينتبهون إلى أن اتهام الآخرين بالارتماء في أحضان إيران وتركيا، لتبرير الارتماء في أحضان إسرائيل، أو التحالف معها، يعني اعترافاً ضمنياً بفشل تريليونات الدولارات التي أنفقها آل سعود على صفقات التسلح وشراء الولاءات، في تحويل دولتهم إلى قوة سياسية وعسكرية، قادرة على الوقوف بمفردها، وعلى قدم المساواة مع الدول الإقليمية الثلاث التي تتصدر الحيز الجغرافي المعروف باسم الشرق الأوسط، إسرائيل وإيران وتركيا.
لكن السعودية، وللإنصاف، ليست الدولة العربية الوحيدة التي ما انفكّ حُكامها وأتباعهم يتحدّثون عن مكانتها الكبيرة وقوتها الجبارة، في حين يواصل حُماتها التغنّي بإعلان “حلْبها” مقابل حمايتها، وإن أنت تطلعت حولك، سترى رأي العين كيف أن “الحلْب” لم يقتصر على المال، بل شمل ثروات إنسانية وقومية ودينية، أهمها القدس، كما امتد إلى بلدان أخرى كبيرة، أو هكذا كانت، قبل أن يُقلّص الحُكام الصغار تأثيرها ليجعلوها أشبه بشركات مقاولاتٍ خدمية، تعتمد في بقائها على إرضاء إسرائيل، وتؤدي، في سبيل ذلك، مهمات قذرة، أشدّها انحطاطاً في الوقت الراهن، ممارسة نظام عبد الفتاح السيسي الضغط على الفلسطينيين ومحاصرتهم، ومنع الغذاء والدواء عن الملايين منهم في قطاع غزة، لإجبارهم على التخلي عن سلاحهم، والقبول بصفقة تصفية قضيتهم الوطنية.
من أي تأتي مظنة الكبر أو العظمة، لهذه الدول ولقطعان المدافعين عن أباطيلها؟ تتساءل متحيّراً، وأنت تتذكّر أيضاً، ما منيت به جيوشها من هزائم، خلال السنوات القليلة الماضية، أمام مليشيات وتنظيمات مسلحة في سيناء والموصل والرقة وتعز وحتى في نجران، ثم لا تجد مفرّاً من الجواب الوحيد المحتمل، وهو قدرتها على قمع شعوبها، وسحق معارضيها، وتهديد جيرانها الأقل قوة أو الأصغر حجماً، وتلك أعمالٌ ما كان لها أن تجرؤ على القيام بها، طبعاً، لولا اطمئنانها إلى تواطؤ العالم الذي يسمي نفسه حرّا، في مقابل ما تدفع له ولوكلائه من مال أو مواقف أو مقدسات.
واستدراكاً، ربما تكون وسائل الإعلام الجديدة، قد ساعدت على تنامي الأوهام، أو قل الأورام، إلى درجةٍ مبكيةٍ مضحكةٍ، صار بعضهم معها يعتبر ضخامة عدد المتابعين على موقع افتراضي مثل “تويتر” دليل قوة، بينما الواقع ينفي للأسف وجود دول كبيرة فعلاً، على أرض العرب، إلا من حيث المساحة وعدد السكان، مثلما ينفي جدّية التلويح بمواجهة إيران، أو منافسة تركيا، ويفضح استخدام الخلافات الحقيقية والمفتعلة، مع هذين البلدين، غطاءً للتحالف مع إسرائيل.