أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ثلاثاء الفخار و ثلاثاء العار و جمعة الانتصار

الشيخ كمال خطيب

يوم الثلاثاء الأخير 5/29 مرّت على المسلمين ذكرى عزيزة تملؤها شموخًا وعزًا وفخارًا، إنها ذكرى فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وذلك في العام 1453 م على يد السلطان العثماني الشاب محمد الفاتح، وتحولت من يومها إلى اسطنبول عاصمة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية. ويوم الثلاثاء القريب القادم 6/5 ستمر على العرب والمسلمين ذكرى مؤلمة جلّلتنا بالعار والشنار وما زلنا نتجرع مرارة عارها، إنها ذكرى هزيمة ونكسة 5 /6/ 1967 يوم انتصرت اسرائيل على كل جبهات قتالها مع الدول العربية واحتلت سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان السوري والقدس الشريف عاصمه فلسطين، ولتتحول القدس إلى “يروشلايم” عاصمة الدولة العبرية الصهيونية.

ثلاثاء الفخار فيه فتحت القسطنطينية، ومنها كانت الانطلاقة إلى البلقان وصولًا إلى وسط أوروبا، وكان قتال المسلمين يومها تحت راية الإسلام، بينما في ثلاثاء العار ضاعت من العرب أراضٍ عربية وأصبحت تحت الاحتلال الصهيوني، وكان قتالهم يومها تحت راية القومية العربية متجردين من أي انتماء للهوية والراية الإسلامية.

في ثلاثاء الفخار وبتحرير القسطنطينية وفتحها، فقد أخذنا بثأر القدس لأن الجيوش والحملات الصليبية التي اندفعت من أوروبا كانت تتجمع في القسطنطينية لتشحن بالأحقاد والضغائن، ثم تكمل سيرها لاحتلال القدس عام  1099ميلادي، لتقع القدس تحت الاحتلال للمرة الأولى منذ الفتح العمري لها إلى أن حررها صلاح الدين الأيوبي عام1187 ميلادي. وفي ثلاثاء العار يُعاد احتلال القدس للمرة الثانية منذ الفتح العمري، ولتقع تحت الاحتلال الصهيوني وما زالت وهي بانتظار صلاح جديد يحررها من هذا الاحتلال ودنسه.

في ثلاثاء الفخار كان القائد هو محمد الفاتح شاب لم يتجاوز 24 سنه، وكان قد نشأ نشأة إيمانية، حتى أنه كان يصطحب  معه مربيه وشيخه “شمس الدين أُق” والذي طالما كان يذكّره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”. وكان يقول له: لعلك يا بني أن تكون ذلك الأمير الذي يفتح القسطنطينية. بينما في ثلاثاء العار فقد كان عداء قادتها للإسلام وللعلماء أكثر من عدائهم لإسرائيل، حيث أنه وقبل عشرة أشهر فقط من ثلاثاء العار وتحديدا يوم 29/ 8/ 1966 كان جمال عبد الناصر قد أعدم وعلق على المشنقة العالم والمفكر ومفسر القرآن الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى.

في ثلاثاء الفخار كان قائدها محمد الفاتح قد أستبقها بإعداد جنوده إعدادًا إيمانيًا صادقًا، ورباهم تربية إسلامية عميقة حيث استبق يوم المعركة بالطلب من جنوده بالصيام نهارًا، وأن يجعلوا الليل للذكر والاستغفار وقراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصى ضباطه بالالتزام بأخلاق الإسلام بعدم المساس بغير المقاتلين من النساء والأطفال.

بينما في ثلاثاء العار وتحت راية القومية العربية المنسلخة عن الإسلام وتعاليمه، فإن وزير الدفاع المصري يومها عبد الحكيم عامر قضى ليلة 5/حزيران بالسهر وشرب الخمر في حفل راقص مع كبار ضباطه كما ذكرت ذلك زوجته “اعتماد خورشيد” في كتاب مذكراتها. وكانوا يعدون جنودهم بالقول “إن أم كلثوم تنتظركم في تل أبيب”.

في ثلاثاء الفخار وقف محمد الفاتح يذكر جنوده بالإخلاص والتوكل على الله والقتال في سبيل الله خالصًا، قائلا لهم: “إن هذه السيوف التي نحملها ليست للزينة ولا للتباهي ولكن لنقاتل بها في سبيل الله تعالى”. بينما في ثلاثاء العار كانت توجيهات مسؤولي التوجيه المعنوي في الجيش العربي السوري تقول للجنود “بحثنا عن الله وعن الأخلاق والقيم فلمّا نجدها في مزابل التاريخ”. وكان شعارهم قول شاعرهم:

لا تسل عن ملّتي عن مذهبي    أنا بعثي اشتراكي عربي

وقول الآخر:

آمنت بالبعث ربًا لا شريك له    وبالعروبة دينًا ماله ثاني

في ثلاثاء الفخار ومع كل الحالة المعنوية والإيمانية العالية، فقد سبقها ورافقها إعداد عسكري هائل وعظيم من محمد الفاتح وقادته العسكريين، حيث قام بتجهيز جيش قوامه 250 ألف مقاتل، وبنى أسطولًا من 180 سفينة حربية وصنع 18 طوبنجية “مدفع” عملاق، كان المدفع الواحد يحتاج إلى مئة ثور لجرّه وكل ذلك استعدادًا لفتح القسطنطينية.

بينما في ثلاثاء العار فقد كان قادة القومية العربية جمال عبد الناصر في مصر وحافظ الأسد والد بشار الدموي، والذي أشغل يومها وزيرًا للدفاع في سوريا ولكنه في الحقيقة كان الرئيس الفعلي وليس أمين الحافظ الذي كان ضعيفًا. لقد كان هؤلاء يكذبون وهم يفاخرون بتصنيع صواريخ من طراز “القاهر والظافر” وأنها ستدك تل أبيب، ليتبين عند بدء المعركة أنها صواريخ كرتونية، وأما طائرات الميغ الروسية التي كان يقول عنها قادة مصر وسوريا “الميغ تتحدى القدر” وإذا بها أعجز من أن تتحدى طائرات اسرائيل وليس القدر، حيث دمرت كلها وهي ما تزال ملقاة في مرابضها.

في ثلاثاء الفخار وبعد النصر المبين نزل محمد الفاتح عن حصانه وسجد لله شكرًا، وأخذ يحفن التراب ويحثو به على رأسه ويعفّره به وهو يبكي تواضعًا وشكرًا لله تعالى، وكيف لا يبكي وهو يرى رايات التوحيد أصبحت ترفرف على أسوار القسطنطينية. بينما في ثلاثاء العار وبسبب خيبته وفشله وإذا بجمال عبد الناصر يتظاهر بالاستقالة، ولكنها كانت مسرحية مفضوحة حيث خرجت غوغاء القاهرة لتحمله على الأكتاف رافضين استقالته، مبررين ذلك بأن مصر انتصرت في المعركة والدليل أن القائد ما زال حيًا.

في ثلاثاء الفخار وما إن انتهى القتال وسكتت السيوف وإذا بمحمد الفاتح رحمه الله يطلب من جنوده البحث عن قبر الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، والذي كان قد خرج منذ عهد معاوية بن أبي سفيان في حملة بحرية لفتح القسطنطينية، لكنه مات ودفن عند أسوار القسطنطينية. فقد أمر محمد الفاتح بالبحث عن القبر ولقد وجدوه، ليربط محمد الفاتح حلقات التاريخ المبارك والمشرف مع بعضها البعض.

بينما في ثلاثاء العار وقد تمرغت كرامة العرب بالتراب، وما إن انتهت حرب الأيام الستة بل الساعات الستة وإذا بجنود الاحتلال الصهيوني يصعدون على أسوار القدس يهتفون “يا لثارات خيبر” و “محمد مات خلّف بنات”. وليس هذا وحسب بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي يومها “موسى ديان” كان أول من أوعز ببدء أعمال الحفر عند المسجد الأقصى في محاولة منه لربط حلقات التاريخ المزيف والكاذب لإثبات أن المسجد الأقصى قد بني على أنقاض هيكلهم المزعوم.

في ثلاثاء الفخار كان القائد العام للقوات المسلحة الإسلامية يوصي جنوده بالحفاظ على إنسانية الأسرى من المقاتلين الأعداء، لا بل إنه سأل عن مصير الإمبراطور قسطنطين قائد الجيوش البيزنطية فوجده مقتولًا، فأمر بالسماح لأهل القسطنطينية  أن يشيّعوه في جنازة دينية تليق به وبمكانته عند أهله وشعبه.

بينما في ثلاثاء العار ولشدة هوان الجنود العرب على أعدائهم وعند قادتهم، فليس أن قتلاهم لم يجدوا من يدفنهم، بل تُركوا في ساحات القتال تأكلهم الوحوش والطيور الجارحة، بل إن الأحياء منهم ممن وقعوا في الأسر الإسرائيلي، فإن المئات منهم قد رُبطوا في سلاسل وقامت الدبابات الإسرائيلية بالسير فوق أجسادهم لتمزقهم، وكان ذلك بأوامر من شارون وبنيامين بن اليعازر كما ورد ذلك في مذكرات لقادة عسكريين إسرائيليين، وما ذلك إلا دليلًا على همجية هذا المحتل من جهة وهوان الجندي العربي من جهة ثانية، حيث لم يسأل عنه قادته وإنما تركوه في ساحات القتال يتجرع جراحه ومرارة هزيمته تحت رايات القومية العربية.

# جمعة الانتصار

بين ثلاثاء الفخار التي مضت قبل أيام وثلاثاء العار التي تحلّ بعد أيام، فإنها جمعة الانتصار موعدها اليوم الجمعة حيث كان مساء السادس عشر من رمضان شاهدًا على استعدادات معركه بدر الكبرى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، والتي بلغت ذروتها يوم 17/ رمضان.

تأتي ذكرى بدر وانتصار المسلمين في أول مواجهة عسكرية مع قريش لتذكرنا بقوانين النصر وأخلاقيات التي كانت يومها. وعمل بمقتضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم في بدر فانتصروا، وعمل بها محمد الفاتح وجنوده في ثلاثاء الفخار فانتصروا، بينما خالفها بل سخر منها جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وغيرهم في ثلاثاء العار فهزموا شر هزيمة.

إنها معركة بدر فيها انتصرت القلة على الكثرة، وانتصر الصدق على الكذب، وانتصر الإيمان على الكفر، وانتصر الحق على الباطل. صحيح أن بدايات المعركة كانت خروجًا لاعتراض قافلة قريش، ولكن سرعان ما تطورت وتسارعت الأحداث لتتحول إلى معركة عسكرية بكل تفاصيلها في إشارة إلى أن يد الله سبحانه هي التي كانت تعمل {وتريدون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} آية 7 سورة الأنفال.

 في جمعة الانتصار كانت الحالة المعنوية في ذروتها حين وقف المهاجرون وقال قائلهم المقداد بن الأسود رضي الله عنه : “يا رسول الله إمض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك”. ووقف المهاجرون فقال قائلهم سعد بن معاذ رضي الله عنه: “فإنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق فأعطيناك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا  نبي الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك”.

في جمعة الانتصار ومع الإعداد والأخذ بالأسباب، فقد كان الدعاء وكان الرجاء وكان البكاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا فعل محمد الفاتح ليلة ثلاثاء الفخار. فقد ورد في كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إلى السماء يبكي ويدعو “اللهم إن هذه قريش قد جاءت بقدها وقديدها وخيلها وحديدها، تحارب دينك ورسولك. اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد اليوم، اللهم نصرك الذي وعدت” حتى يشفق عليه أبو بكر من كثرة الدعاء والبكاء فيقول له “إن الله منجز لك ما وعدك”.

جمعة الانتصار كانت هويتها الإيمانية واضحة في كل مرحلة من مراحلها كما ورد في آيات سورة الأنفال {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار…. } آية 15. {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} آية 24. {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} آية 27. {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون} آية 45. {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} آية 65.

إنه الإيمان وإنه الإعداد والتجهيز {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} آية 60 سورة الأنفال. فالإيمان والإعداد هما صمام الأمان وضمان النصر بإذن الله.

هذا ما كان في جمعة الانتصار وفي ثلاثاء الفخار، وهو ما لم يكن أبدًا في ثلاثاء العار. وهذا ما يتوجب أن يكون في أي معركه من المعارك تريد الأمة أن تعيش فيه عزيزة كريمة وتسترد أرضها ومقدساتها.

نعم إننا لم ندخل التاريخ بأبي جهل وأبي لهب، وإنما دخلنا التاريخ بأبي بكر وعمر وسعد بن معاذ رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

نعم إننا لم ندخل التاريخ بيوم البسوس وداحس والغبراء ونكسة 5/حزيران، وإنما دخلنا التاريخ بيوم بدر واليرموك والقادسية وحطين وفتح القسطنطينية.

نعم إننا لم ندخل التاريخ بجمال عبد الناصر وحافظ الأسد، وإنما دخلنا التاريخ بمحمد الفاتح وصلاح الدين وخالد بن الوليد.

نعم إننا لم ندخل التاريخ بالمعلقات السبع، وإنما دخلنا التاريخ بالقران الكريم.

نعم إننا لم ندخل التاريخ باللات والعزى، وإنما دخلنا التاريخ بلا إله إلا الله محمد رسول الله.

إنه الإسلام به نعز وبغيره نذل، وصدق عمر القائل: “كنا معشر العرب أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله”.

نحن إلى الفرج أقرب، فأبشروا .

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى