أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

أمريكا وإسرائيل وحبل السرة الديني

الشيخ كمال خطيب

بعد أيام عشرة وتحديدًا يوم 14/5/2018 سنشهد تنفيذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، واعتبار هذه الخطوة هدية من أمريكا لإسرائيل في الذكرى السبعين لإقامتها والتي ستكون يوم 15/5، وكل ذلك بمقتضى القرار الذي أصدره ترامب يوم 6/12/2017 واعتباره القدس عاصمة اسرائيل الأبدية والموحدة.

وليكون السؤال، هل هذا القرار والخطوات التي أعقبته لها دوافع سياسية محضة ولها أبعاد اقتصادية، أم أن البعد الديني هو الحاضر الأول والدافع الرئيسي وراء اتخاذ هذا القرار؟ خاصة وأن الجميع يعلم أن مقدار المصالح الاقتصادية الامريكية مع الدول العربية عمومًا ومع السعودية خصوصًا تفوق بأضعاف كثيرة حجم المصالح الاقتصادية بين أمريكا وبين إسرائيل.

وإن من يتتبع سياسة الرؤساء الأمريكيين يدرك أن العلاقة مع إسرائيل هي أقوى من أن يحددها هذا الرئيس أو ذاك، وإنما هي خاضعة للالتزام الأخلاقي لكل هؤلاء الرؤساء بحماية دولة إسرائيل وأمنها، وذلك من منظور ديني خالص. وهذا ما ورد في مذكرات الرئيسين جيمي كارتر ورونالد ريغان بشكل خاص، رغم أن ريغن ينتمي للحزب الجمهوري ويُعرف بميوله الدينية بينما كارتر ينتمي للحزب الديمقراطي ولكنه الذي قال في مذكراته أنه كان يؤمن بضرورة الدفاع عن إسرائيل وحقها بالتفوق وقهر أعدائها حتى قبل أن يصبح رئيسًا، وأن ذلك له علاقة بإكراهات وضرورات الرئاسة الأمريكية.

ولقد برز هذا واضحًا في كلمة قنصل أمريكي سابق في المغرب والذي قال في حوار تلفزيوني أورده الدكتور أبو زيد الإدريسي في كتابه “القضية الفلسطينية”، حيث قال القنصل: “أنتم مخطئون، فليس بيننا وبين إسرائيل أي مصالح ولا أية منافع اقتصادية، على العكس فنحن نخسر كثيرًا بسبب علاقتنا بإسرائيل ومعاداتنا للعرب في قضيتهم الحساسة القضية الفلسطينية، فالسعودية أفضل لنا بكثير من الناحية الاقتصادية فكيف ببقية بلاد العرب، لكن الذي بيننا وبين إسرائيل شيء معنوي وديني وخاص، فنحن نرى في إسرائيل تكرارًا لتجربتنا الروحية والحضارية، فنحن جئنا الى الأرض الجديدة منذ 500 عام نحمل السيف في يد والإنجيل في يد من أجل أن ننشر الحضارة في تلك الأرض. وهذا ما حصل لما كررت إسرائيل مشروعنا في أرض العرب عندما جاءت إلى فلسطين تحمل البندقية في يد والتوراة في يد من أجل أن تقيم نفس المشروع الحضاري المشترك، أن الذي بيننا وبين اسرائيل هو القوام الحضاري المشترك وهو الأخلاق المسيحية واليهودية”.

وهذه المعاني وردت في كتاب الكاتبة الأمريكية غريس هالسل “يد الله، لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل”. ومما يجدر ذكره ما قاله الدكتور الإدريسي أن ذاك القنصل قد تم توبيخه ثم عزل من منصبه بعد هذه التصريحات لأنه كشف ما كان يجب أن يظل مخفيًا.

إن العلاقة بين أمريكا وبين إسرائيل هي علاقة روحية وعقائدية قبل أن تكون علاقة سياسية واقتصادية. يقول الإدريسي صـفحة 58 من كتابه: “ويعتقد البروتستانت بأن الإنجيل ناقص وأن التوراة هي التي تمنحه العمق الحقيقي، فالإنجيل مجرد تكملة للتوراة، والتوراة جزء من عقيدة المسيحي وشطر دينه، والبروتستانتي يؤمن به وبكل ما فيه من أساطير الأرض الموعودة و”الحق اليهودي في فلسطين” داخل في ذلك، فلقد دخل الى العقيدة المسيحية كتاب التوراة بأكمله و”ابتُلع كاملًا دون أن يُفهم”، هذه هي القاصمة الأولى. أما القاصمة الثانية فهي أن اليهود قد نجحوا عن طريق اختراقهم للكنيسة المسيحية في ترسيخ حقيقة أصبحت جزءًا من العقيدة الصلبة للمسيحي وهي أن الشرط الرئيسي في عودة المسيح ونزوله إلى الأرض هو قيام دولة اسرائيل. ومن هنا علينا نحن المسلمين أن نتخلى عن المنظور “الخبزي” المادي في تحليل وتفسير العلاقة بين اسرائيل وأمريكا، ذلك أن شطرًا من الأمريكيين عندما يرون الإنسان العربي يطالب بإزالة إسرائيل فإنه لا يرى أمامه فلسطينيًا أو مسلمًا يريد أن يستعيد حقه، بل يرى أمامه عدوًا حقيقيًا له، يريد أن يلغي الشرط الضروري لنزول المسيح، فنحن إذًا بالنسبة للمسيحيين وبالنسبة للأمريكيين على وجه الخصوص لسنا أصحاب حق نريد استرداده وإنما نحن أعداء نريد حرمانهم من أن يتحقق الشرط التاريخي الإلهي لنزول المسيح الذي سوف يحكم العالم كله ألف سنة وينشر المسيحية وحدها، وأنه لن ينزل إلا في مملكته إسرائيل ، ولذلك لابد من إقامة هذه المملكة”.

مع الأسف، فإن المسلمين يجهلون عقلية الأمريكي، حيث مجمل الفهم الإسلامي للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية هو فهم يُسقط الدين من الحساب، وهو فهم مادي خالص يتحدث عن لغة المصالح وحدها. يقول الدكتور الإدريسي صفحة 64: “فلا يمكن أن نجد طفلًا مدللًا في هذه الدنيا مثل إسرائيل، ولا يمكن أن نجد – أُمًا-مستسلمة لهذا الطفل المدلل مثل أمريكا، ولا يمكن أن نفهم ذلك إلا في إطار الاختيار الديني الذي يرى من خلاله المشروع الصليبي المجنون أن اليهود يحققون مصالح المسيحيين بأن يحققوا لهم أهم شرط لنزول المسيح”. هكذا إذن هي العلاقة بين أمريكا وبين إسرائيل، بين الأم وبين طفلها المدلل، إنها علاقة حبل السرة الديني.

الأوروبي في نسخته الإسرائيلية

مثلما أن إسرائيل مرتبطة دينيًا بأمريكا، وهذا مما يعطيها من أسباب القوة الكثير وهو ما بينّاه في الفقرة السابقة، كذلك فإن الإسرائيلي هو نسخة طبق الأصل عن الأوروبي حتى وإن كان هو يهوديًا بينما كان الآخر مسيحيًا. ولعل هذا يلمس من خلال السلوك العام للإسرائيلي وتعامله مع الآخر ونظرته إليه.

ولا بد من الإشارة كذلك أن الأكثرية الساحقة من السياسيين الإسرائيليين هم من اليهود ذوي الأصول الأوروبية الغربية حتى أنه وإلى الآن لم يترأس حكومة إسرائيل إلا يهودي من أصول أوروبية، وحرم من ذلك أي يهودي من أصول شرقية، وهذا ينطبق على المناصب العليا في أجهزة الجيش والمخابرات، وإن كان حدث شيء من التغيير في العقدين الأخيرين.

وإذا كان السياسيون الإسرائيليون من ذوي الأصول الأوروبية، وهذا يعني أن فكر وثقافة هؤلاء هي غربية، ومن أهم ملامح وممارسات هذه الثقافة هو إبادة الشعوب الأخرى والقضاء عليها، لا بل أن أنظمتهم ومستعمراتهم لم تقم إلا على إبادة شعوب الأرض والبلاد التي احتلوها، ليس هذا في أمريكا فقط وإنما في استراليا وكندا وغيرها.

إن من يقرأ تاريخ الحروب الصليبية من المصادر الغربية نفسها، وخاصة الحملة الصليبية الأولى التي دخلوا فيها إلى بيت المقدس في العام 1099 للميلاد، حيث لجأ المسلمون إلى فناء وساحات المسجد الأقصى ظنًا منهم أن النصارى يوقرون مساجدهم كما يوقر المسلمون كنائسهم، وأن للمساجد حرمة عندهم. فذبحوا من المسلمين سبعين ألفًا حتى غرقت ركب خيولهم وفرسانهم في الدماء. وكذلك الإبادة ولغة الذبح الجماعي للهنود الحمر، وقصف سكان هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية، وإبادة زنوج أفريقيا، واختطاف واسترقاق واستعباد من بقوا منهم على قيد الحياة.

فلقد اجتمع في الساسة والعسكريين الإسرائيليين الثقافة الغربية التي تربوا عليها خلال وجودهم وآبائهم هناك، مضافًا إليها الخلفية الدينية والتوراتية، حيث المصادر اليهودية نفسها تشير أنهم استعملوا لغة الدم والإبادة أو ما يسمى في كتبهم ب “التحريم” حيث ورد في “سفر يشوع” ما فعل يوشع بن نون في مدينة أريحا من قتل الناس وحتى البهائم وحرق المحاصيل التي يستفيد منها الناس ثم بعد ذلك هدم الحصون والأبنية.

إن ما تمارسه المؤسسة الإسرائيلية اليوم والذي مارسته عام النكبة ونحن في أيام ذكراها السبعين من تهجير وقتل وهدم وترويع، وإن المصطلحات التي تسمى بها حملاتها العسكرية “عناقيد الغضب”، “الرصاص المصبوب” وغيرها من مصطلحات كلها تشير إلى الطبيعة الدموية والإبادية التي يستخدمها هؤلاء في حربهم.

وإن من يتحدثون منهم اليوم بمنطق الوعد الإلهٰي لهم في فلسطين، فإنهم يمارسونه بالإبادة وبالدم. إنهم اليهود الأوروبيون القادمون من بولونيا والمانيا وفرنسا وروسيا حيث ثقافتهم الغربية ممزوجة بالخلفية الدينية نشأوا عليها ورضعوا من حليبها، مع أن العلمانيين منهم يوظفون المعطيات والنصوص التوراتية والتلمودية توظيفًا ميكافيليًا انتهازيًا قائمًا على استغلال الخطاب الديني وتوظيف أساطيره.

بين يدي ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية المدعومة بوعد بلفور يوم 2/11/1917 والمعزز بوعد ترامب 6/12/2017 لا بل والمدعومة عسكريًا وسياسيًا من الدول الأوروبية يومها واليوم. إنه الدعم المتواصل وغير المنقطع مثلما هو حبل السرة موصول بين الأم وطفلها، فإذا انقطع حبل السرة مات الطفل. لا بل إنه حبل الناس الذي قاله الله تعالى في قرآنه {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} آية 112 سورة آل عمران.

إن من سوء حظ المشروع الصهيوني وحلفائه أن المسلمين اليوم والحمد لله قد فهموا تمامًا خلفيات الصراع وفهموا أساسًا أنه صراع ديني وحضاري وعقائدي وفكري خالص، وهذا ما كان يخشاه عتاة المشروع الصهيوني ويسعون لتجنبه.

إن أبرز وأشهر إخفاقات وهزائم العرب والمسلمين تلك التي كانت خلال فترة ضعف الهوية الدينية وبروز المشاريع القومية الهزيلة، وهو ما استفاد منه أعداء الأمة، أما وإن الأمة اليوم قد عادت إلى هويتها الحقيقية وعادت تتمسك بدينها فإن أعداءنا يدركون أن السؤال لم يعد هل سينتصر الإسلام أم لا فهذا أمر حتمي ويقين، ولكن السؤال كيف ومتى؟! كما قال ذلك الفيلسوف الفرنسي، وأنه سيكون وقريبًا إن شاء الله.

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى