يرحم الله الحاج مفضي أبا احمد
بقلم: توفيق محمد
رحم الله أبا أحمد رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والشهداء والصديقين والصالحين، فقد كان رجلا يحب الله ورسوله ويحب دعوته ويحب إخوانه، كنا إذا جن الليل في أيام رمضان أو أيام صلاة التسابيح أو غيرها من الليالي التي كنا نختلي فيها مع الله في مسجد عثمان بن عفان في حارة الجبارين، كنا ونحن الشباب اليافع نقف وإياه في صف الصلاة، لكنه كان منشغلا خلال ذلك عنا بما هو قائم من أجله، رحمه الله تعالى.
من جميل ما جمعنا وإياه وقد جمعنا معه الكثير الكثير أسجل بعض الملاحظات ولا شك أن إخوة كثرا لهم معه من الذكريات ما يفوق ذلك بأضعاف، كيف لا وهو من مؤسسي لجنة الزكاة المحلية في أم الفحم تلك التي كانت النواة الأولى لكل لجان الزكاة في مجتمعنا وفي كل مدننا وقرانا، بل كانت هي من اللبنات الأولى للعمل الإسلامي المنظم في قريتنا –حينذاك- ام الفحم ومن ثم في كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، تشهد له عند خالقه ويشهد له معسكر العمل الإسلامي ذاك الذي كان يصف الفحماويون أعماله بقولهم: لا يمكن ان تنجز هذه الأعمال خلال ثلاثة أيام إلا أن تكون الملائكة قد عملت مع المشايخ …
أبو أحمد هذا الذي لم يثنه المرض أبدا رغم أنه عانى في السنوات الأخيرة من مرض عضال شديد الوطأة على من يبتلى به، لكنه لم يرضخ للمرض ولم ينثن له بل بقي في كامل وعيه، وكامل ارادته يعيش الحياة فيما تبقى له من أيام ومن قوة ويعيش للآخرة – هكذا نحسبه ولا نزكيه على الله فالله حسيبه – فيما أبقى الله له من قوة ومن إرادة، ولذلك فقد كان من أواخر طلباته طلبه من صهره أن يصطحبه الى المسجد الأقصى المبارك رغم أن المرض كان قد اشتد عليه كثيرا، قال أبو أحمد لصهره الأستاذ رياض أنه يرغب أن يصلي ولو ركعة في المسجد الأقصى، وهكذا كان يوم أن اصطحبه الى المسجد الأقصى يوم 12.4.2018 فصلى ما شاء الله له أن يصلي، وعاد من هناك الى مرض الموت ذاك الذي لا يمكن ان يقف أمامه أي مخلوق كائنا من كان ، فرحم الله أبا احمد .
* كان يزورني صبيحة كل يوم أحد في مطلع سنوات التسعينيات في مكتب صوت الحق والحرية الكائن بجانب مبنى بلدية ام الفحم القديم فأضع بين يديه كل ما جمعت من مبيعات الصحيفة من مدينة ام الفحم والمنطقة فيعدها كلها وكانت قطعا معدنية في الغالب ويجمع بقية الأموال من كل البلدان ويحسب الموازنة للصحيفة بشكل دقيق جدا وهو الذي لم يتسن له الدراسة الا في المرحلة الابتدائية فكانت حساباته وأرقامه أدق من الشعرة.
* كان شديدا في الحق لا يثنيه عن قول كلمة الحق والحياة وفقها شيء، وفي ذات الوقت كان رحيما بإخوانه أيما رحمة، ولذلك كان إذا آمن بقضية معينة سار وفقها ولو بقي وحيدا في الطريق، وكان ذات يوم أن اقتنع أنه يتوجب رفع رواتب موظفي الرابطة الإسلامية ومن ضمنهم موظفي مركز الدراسات المعاصرة وموظفي صوت الحق والحرية، وكان وحيدا في تلك القناعة إلا أنه نجح في يقنع البقية برأيه وهكذا كان.
* بعد ان قرر ان يعتزل العمل الجماهيري بفترة بدأ يدرس ويقرأ بشكل عميق ولذلك تكونت لديه طاقة وقدرة علمية متواضعة لكنه بدأ يكتب المقالات ذات الطابع الإسلامي، وكان يطيب له ان يأتي الى مكتبي عندما كنت أشغل منصب رئيس تحرير صحيفة صوت الحق والحرية في يوم الخميس ليسلمني مقاله الطويل، ويوم الخميس بالنسبة للصحف الأسبوعية يوم مضغوط لا يمكن لرئيس التحرير ان يفرط في دقائق منه لغير عمل الصحيفة لكنني كنت أترك مكتبي وأجلس معه وجها لوجه نتبادل أطراف الحديث، وربما أخذنا الوقت لساعتين ونحن كذلك، وما كنت أسمح بهذا لغيره من الزوار، فقد كنت أدرك إدراكا تاما أن الفضل يجب أن يحفظ لأصحاب الفضل دائما، وقد كان هو منهم
* ذات يوم قررنا ان نصوم وأن يدعونا أحدنا على مائدة إفطار متواضعة جدا لا تتعدى الزيت والزيتون واللبنة، وكنا ما نزال شبابا يافعين وكان مضيفنا أبو أحمد رجلا في سنوات الأربعين، وقد كنا نأمل ان يكون الإفطار على غير ما اقر أصحاب القرار في حينه، لكن سرعان ما اكتشفنا أننا أمام مدرسة في تدريس مفاهيم التقشف والتواضع التي أريد لنا نتعلمها في تلك الليلة، رغم أنه كان قادرا على ان يقدم من افضل الأطعمة والمشروبات كما هو ديدنه مع ضيوفه في غير تلك الليلة.
رحم الله أخانا الحبيب الحاج مفضي أحمد أبو أحمد رحمة واسعة وإنا نشهد لك بالخير ونسأل المولى جل في علاه أن يتغمدك في واسع رحمته وان يدخلك فسيح جناته.