المشاركة الخجولة في المناسبات الوطنية.. هل تستخلص القيادة العبر؟
ساهر غزاوي
لم ترتقِ المشاركة الجماهيرية في مظاهرة سخنين القطرية الوحدوية، تضامنا مع مسيرة العودة السلمية في غزة، التي دعت اليها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني السبت (7/4/2018)، إلى مستوى الحدث، حيث لم يتعدَ عدد المشاركين ألف متظاهر ومتظاهرة.
شكل هذا التراجع الجماهيري الكبير الذي برز جلياً في مظاهرة سخنين وفي الفعاليات القطرية الوحدوية عموما، تساؤلات عديدة بين أوساط الإعلاميين والنشطاء السياسيين وبين أصحاب الفكر والرأي، لا سيما أن مدينة سخنين التي باتت “القلعة الوطنية” كما يسميها البعض، عنوانا لكل نشاط وطني يكتب له النجاح، حيث استضافت سخنين في مناسبات سابقة الحشود الجماهيرية الغفيرة، وفي مطلع سنة 2009 استضافت إحدى أكبر التظاهرات التي عرفها فلسطينيو الداخل، شارك فيها أكثر من 150 ألف متظاهر تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة حينها.
كثيرون يرون أسباب التراجع تعود للأجواء السياسية، والخلافات والانقسامات وتراجع العمل السياسي، كما أن القائمة المشتركة أدت إلى تراخي لدى الاحزاب والقواعد الجماهيرية لها، فيما يرى البعض أن أحد هذه الأسباب المهمة غياب أو (تغييب) النموذج القيادي العملي مثل الشيخ رائد صلاح، بينما عزا أخرون سبب هذا التراجع والمشاركة الـ “هزيلة” في المناسبات والفعاليات الوطنية إلى غير المبالاة وعدم الاكتراث والاهتمام بالمشاركة لدى المواطن العربي في الداخل.
وعزا أخرون الأسباب، إلى “التعب الجماهيري” من الواقع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يستدعي تنظيم فعاليات دائمة، ما يتطلب جهدًا وحاجة لتجييش دائم لأجل المشاركة، إلى جانب التعب النفسي المتراكم جرّاء قساوة الحياة والجهد في توفير لقمة العيش، حيث أن المؤسسة الإسرائيلية تدفع بالمواطن العربي إلى الاهتمام بالقضايا المعيشية، وثقافة الاستهلاك والحالة الاقتصادية، والعزوف عن السياسة، وفق تحليلاتهم.
وإلى جانب دور لجنة المتابعة وعدم وجود ميزانية لها لتمويل النشاطات المختلفة، وأزمة الثقة بين الجماهير والقيادات وغيرها، ربط آخرون التراجع الملحوظ إلى التأثر من كل ما يحدث في العالم العربي وتراجع الثورات أو الثورات المضادة، ومنها الثورة المصرية، الذي أدى الى نفسيات متعبة وسيئة لدى شريحة الشباب، وعدم جدوى المشاركة في الفعاليات الوطنية.
موقع “موطني 48” بدوره، مزجّ مع هذه التحليلات، آراء بعض القياديين والنشطاء السياسيين في قضية تراجع مشاركة الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني في المناسبات والفعاليات الوطنية التي تنظمها لجنة المتابعة العليا، خصوصا مظاهرة في سخنين الأخيرة.
المسؤولية جماعية
المحامي زاهي نجيدات، عضو حزب الوفاء والإصلاح، يقول: “إن كل من عنده حرقة على القضايا الوطنية دائماً يطمح للمزيد والمزيد من المشاركة الجماهيرية في الفعاليات الوحدوية التي تخدم هذه القضايا، ومما لا شك أن جرح غزة يؤلم كل فلسطيني بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو السياسي، وبالنسبة لمسيرة سخنين جاء توقيتها بعد مسيرة الذكرى الـ 42 ليوم الأرض في مدينة عرابة، وهناك بدل ترسيخ الوحدة بأبهى حلة اختار البعض أن يلوّح بالمختلف عليه وهو الملف السوري في هذه الحالة”، مضيفا أن “استحضار المختلف عليه إقليمياً ومحلياً كفيل على أقل تقدير ألا ّ يسهم في التحشيد وتقوية الحضور في الفعاليات الوطنية”.
ويتابع نجيدات: “الجميع، قيادةً وجماهير، يتحمل المسؤولية فتجسيد الوحدة الوطنية يتطلب سعة أفق ورحابة صدر واحترام التعددية السياسية وإلا لكان الداخل الفلسطيني تنظيماً واحداً، ومن نافلة القول التأكيد على الالتزام الميداني من قبل الجميع بكل ما يُتفق عليه حتى أدق التفاصيل”.
أمّا الصحفي عمر دلاشة فيقول: “للأسف مظاهرة سخنين لم ترتق إلى مستوى الحدث والتضحيات في غزة، كان ينتظر أن تفوق المشاركة النسب التقليدية التي تعودنا عليها في أيام الأرض أو الذكرى السنوية لهبة القدس والاقصى، ولكن المشاركة كانت ضئيلة نسبيا وحتى دون المستوى”.
ويعتقد دلاشة أيضاً أن “ما حدث في يوم الأرض الأخير، من مظاهر رفع أعلام النظام السوري، وعلم الثورة السورية وما رافق ذلك من أحداث وصلت حد العنف الجسدي خلقت نفورا لدى جمهور عريض من أبناء شعبنا، كما لاحظنا خلال يوم الأرض الاخير شعارات واضحة نادت بإسقاط القيادات العربية، وهذا يعود لعدة أسباب أولها حالة الاحباط من القائمة المشتركة ومن لجنة المتابعة التي لا تمتلك أي أدوات وموارد مستقلة من شأنها أن تصنع تغيير على الأرض، كما أننا نلاحظ وبقوة غياب الدور التقليدي للأحزاب للتجنيد لهذه المظاهرات وهذا المشهد انتجته القائمة المشتركة التي الغت أي مسعى تنافسي بين الأحزاب العربية، يضاف إلى ذلك تغييب الحركة الاسلامية من خلال حظرها إسرائيليا وإخراجها عن القانون”.
ويرى الناشط السياسي عمار أبو قنديل أن “تراجع المشاركة الجماهيرية في المظاهرات والنشاطات التي تدعي إليها لجنة المتابعة ليس وليدة اللحظة، يكفي العودة إلى مسيرة ذكرى “انتفاضة القدس والأقصى” في السنوات الأخيرة يمكننا ملاحظة هذا التراجع خلال الفترات السابقة، وفقط في الأسبوع الأخير يمكن ملاحظة هذا التراجع من خلال ذكرى “يوم الأرض” والمسيرة المناصرة لغزة في سخنين الذي شكل عدد المشاركين فيها صدمة في الوقت الذي تنتفض فيه غزة من أجل التخلص من سجنها الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي من خلال حصار قاتل في حراك شعبي رافع راية العودة، والذي كان من المتوقع ان يقابل بمساندة شعبية ضخمة تسند أهالي غزة في نضالهم باعتبار أن غزة والضفة القدس والشتات والداخل هم مركبات هذا الوطن، لكننا بالنهاية حصلنا على مسيرة هزيلة ومخيبة للآمال”.
غياب الإرادة عند جسم المتابعة أقل ما يقال عنها إنها لرفع العتب، وفقط يمكن النظر إلى عملية التحضير اليها وتوقيت الدعوة، أي قبل أقل من يومين من المظاهرة يمكن التأكيد ان الإرادة غابت بشكل جدي”، يضيف أبو قنديل ويقول إن “شكل ومكان المظاهرات والمسيرات باتت تتحول هذه المظاهرات والمسيرات التي من المفترض انها تحمل روح نضالية إلى مسيرات فلكلورية ومنصات خطابية مملة حتى أصبح الناس يبتعدون عنها، مما يزيد من تراجع الحضور من عام إلى أخر، الأمر الذي كان عليه أن يضيء ضوء أحمر في السنوات الأخيرة لكن يبدوا وللأسف انه لم يضيء لدى قيادات المتابعة ويستمرون في ذات النهج والمسيرة والفعالية بذات الشكل والنمط. إضافة إلى أن الناس باتت تُدرك أن المظاهرات داخل البلدات لا تشكل أي ضغط على المؤسسة بل باتت وسيلة لتنفيس غضب الناس وتسكيتهم”.
ويحمّل الناشط السياسي عمار أبو قنديل المسؤولية بالأساس للجنة المتابعة بمركباتها وأحزابها ورئيسها محمد بركة، “حيث تعاني المتابعة من ترهل وتآكل بتركيبتها وشكلها البنيوي وبطء اتخاذها القرارات إضافة إلى تواجد أحزاب وحركات لا تملك كادراً واحداً وما تبقى منها إلا “زعيمها” الأبدي، وهذه مناسبة للدعوة إلى ضرورة العمل على إعادة مأسسة المتابعة من خلال الانتخاب المباشر من قبل الناس وعدم الاستمرار مع شكلها التنسيقي الحالي، الأقرب الى لجنة المخاتير”.
ويلفت الناشط الشبابي السياسي مجدي أبو الحوف إلى أن “اهتمامات معظم الناس اليوم تختلف عن السابق وتتجه أكثر نحو كماليات الحياة، ويعود ذلك لنجاح المؤسسة الإسرائيلية النوعي بإغراقنا واشغالنا في هموم حياتية يومية، بالإضافة إلى الروتين وعدم الإبداع وإشراك الشباب في تنظيم هذه الفعاليات والنشاطات الوطنية، ناهيك عن الخلافات والتجاذبات بين قيادة المتابعة والكوادر الحزبية، كما أن القائمة المشتركة قتلت روح العمل التنافسي وروح العمل الإبداعي بحيث جميع الفعاليات باتت تقتصر على قيادات المتابعة وتغييب الكوادر الشبابية عن أخذ دورهم في مثل هذه المناسبات، مما يؤدي إلى عزوف الجماهير عن المشاركة في الفعاليات الوطنية، وهنا تقع المسؤولية على الجهتين، القيادة والجماهير”.
حلول واقتراحات
المحامي زاهي نجيدات يرى، أن “الحل يبدأ وينتهي بأن نتصرف، أفراداً وأحزاباً وحركات كجزء أصيل من شعبنا الفلسطيني البطل الذي بات مصدر إلهام للعالم في نضاله العادل لانتزاع حقوقه من براثن المشروع الصهيوني ومن والاه”، فيما يقترح الصحفي عمر دلاشة “تشكيل لجنة إعلامية تعمل وفقا لبرنامج واستراتيجية واضحة في لجنة المتابعة، ترصد لهذه اللجنة موارد مالية لتمكينها من أداء عملها بصورة مثالية، ومن جهة أخرى على لجنة المتابعة الحرص على تجنيب ساحة النضال الداخلية أي أزمات خارجية وتحميل أي جهة تحاول استغلال هذه المظاهرات المسئولية بشكل واضح ودون مواربة، لا يمكن للجنة متابعة تتخذ قراراتها بالتوافق فقط ان تتسامح مع مظاهرة تقود الى تسيير العمل السياسي والوطني الى جهات فئوية واضحة”.
بينما يرى الناشط السياسي عمار أبو قنديل أن الحل يكمن باستخلاص العبر وعدم انتظار المناسبة القادمة لنتفاجأ مرة أخرى، “يمكن فرز لجنة مهنية تقدم برنامجا مهنيا وعمليا يقدم طرقا نضال حديثة ووسائل تحشيد حديثة إضافة إلى مجموعات عمل متمرسة تحضر برامج جاهزة تشمل أفكار، أدوات وأساليب مختلفة علها تعيد الثقة لدى الناس في ضرورة المشاركة، بالإضافة إلى الحاجة للانفتاح على طرق عمل مختلفة وأدوات عصرية أكثر، لكي لا تصل قيادة لجنة المتابعة في الصف الأول في المناسبات الوطنية فيه إلى مرحلة تلتفت إلى ورائها لا تجد شعبًا خلفها”.
من جهته، يطالب الناشط السياسي مجدي أبو الحوف لجنة المتابعة المتمثلة برئيسها الأستاذ محمد بركة إلى “زيارة اللجان الشعبية في كل بلد وبلد لتعزيز وتقوية دورها وتطويره، علما أن اللجان الشعبية تقوم بدور بارز ومهم في تنظيم الفعاليات والوطنية والسياسية، وإتاحة المجال للأكاديميين المستلقين والاستفادة من خبراتهم في تحريك الشارع وحشد الناس على المشاركة في المناسبات الوطنية، والأمر المهم توعية الأجيال وتثقيفهم بالعمل الوطني والتصدي لأسرلة المتجمع عبر الشرطة والخدمة المدنية التي هي أساس في تفاقم العنف ونحن اليوم نستقبلها بالأحضان في مدارسنا ومؤسساتنا العربية ولا يعقل أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هؤلاء الذين يدخلون إلى مدراسنا ويربون أولادنا وهم أنفسهم من يقمع نشاطاتنا وفعالياتنا، بل هم من قتل اخواننا في البلدات العربية”.