في ذكرى الإسراء والمعراج: هلال المجد وتحقيق الوعد
الشيخ كمال خطيب
اليوم الجمعة 13/4/2018 وهو الذي يتوافق مع يوم 27/رجب/1439 يوم ذكرى الإسراء والمعراج، هذه الذكرى المباركة والمعجزة الخارقة والإكرام والوفادة الربانية للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. إنه يوم التقاء الأرض بالسماء، حين كانت القدس الشريف هي محطة هذا الالتقاء حيث كانت رحلة الإسراء من مكة إلى القدس، وكانت رحلة المعراج من القدس إلى السماء.
ها هي القدس التي كانت يومها تحت الاحتلال الروماني لتعود القدس من جديد تحت الاحتلال الصهيوني. إنها القدس التي فيها المسجد الأقصى المبارك، والتي وعد الله سبحانه أن يدخله عباده الصالحون كما دخلوه أول مرة، وعندها سيذهب وعد ترامب أدراج الرياح لتشهد الدنيا كل الدنيا أن ما وعد الله كائن وهو الحق، وما وعد ترامب فلن يكون لأنه الباطل.
# ابتسامات ابن سلمان ودموع صلاح الدين
إنها القدس الشريف التي ومنذ الفتح العمري فإنها بقيت تحت السيادة الإسلامية إلا في فترتين تاريخيتين فإنها تعرضت للاحتلال، الأولى كانت خلال الحملات الصليبية وسقوطها بيد الصليبيين بين الاعوام 1099 و1187 رغم بقاء أهلها فيها، والثانية كانت منذ الاحتلال الصهيوني لها وما تزال بين الأعوام 1967 -2018 ورغم بقاء أهلها فيها.
لكن الذي ميّز الاحتلال الأول للقدس وإن كان قد امتد قريبًا من تسعين سنه، إلا أن الله سبحانه قد منّ على الأمة بقادة عظام كلهم سعى واجتهد وبذل الكثير من أجل تحرير القدس بدءًا من عماد الدين زنكي ونور الدين إني، وانتهاء بصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله جميعا.
إنه صلاح الدين الذي كان خلال فترة الإعداد لتحرير القدس لا ترى على وجهه ابتسامة، فكان إذا سئل، لماذا لا تبتسم يا صلاح الدين فكان يقول: (إني أستحي من الله أن أضحك وما يزال الأقصى وما تزال القدس بيد الصليبيين). وظل على هذه الحال من الاستنفار المعنوي والمشاعري والعسكري حتى تم تحرير القدس في عام 1187 بعد معركة حطين الخالدة وقهر ملك اوروبا الصليبي.
ها هي القدس وقد وقعت تحت الاحتلال للمرة الثانية وهي كذلك منذ سبعين سنة في شقها الغربي، ومنذ خمسين سنه وقد سقطت كلها تحت الاحتلال الصهيوني. وخلال هذا لم نر محاولة جدية وصادقة لاستردادها، بل إنها القدس وقد تآمروا عليها وطعنوها في الظهر، وها نحن نشهد في المرحلة الأخيرة مشروع ترامب رئيس أمريكا وإعلانه القدس عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة ومنع أي حق للمسلمين وللعرب والفلسطينيين فيها.
لم يقف الأمر عند حد قرار ترامب، بل ثبت أن زعماء عرب قد توافقوا معه فيما قال، ومنهم حكام السعودية والإمارات ومصر. وها نحن نرى ونشهد مواقف وتصريحات ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وتباكيه وقلقه على المسجد الأقصى، بينما في المقابل يعلن عن اعترافه بحق اليهود في وطن خاص بهم، طبعًا على أرض فلسطين.
فهل يظن أحد أن كلمات ابن سلمان بحق اليهود في وطن وأرض لهم دون أن يأتي بذكر على حق الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم وتحديدًا في هذه الأيام التي يحيي فيها شعبنا الفلسطيني ذكرى النكبة السبعين، فهل يأتي كلام بن سلمان في معزل عن كلام وسياسات ترامب، أم أن ابن سلمان يظن أنه بإمكانه كسب قلوب الناس وهو يتحدث عن الأقصى بحرقة. ألا يعلم هذا الصبي أن شعبنا أذكى من أن تمرر عليه ألاعيب ابن سلمان وغيره. وعليه فإنه الفارق الكبير في التعاطي مع القدس بين صلاح الدين ودموعه الصادقة حرقة على تحرير القدس واستمرار احتلالها من الصليبيين يومها، وبين ابتسامات صفراء فاقع لونها من ابن سلمان وهو يتحدث عن فلسطين وكأنه يتحدث عن يخته الخاص أو عن قصر لويس الرابع عشر الذي اشتراه في باريس. إنها فلسطين إنها القدس ليست للبيع يا نخّاس.
# تحرير الإنسان قبل تحرير الأوطان
إن من يتتبع سيرة صلاح الدين رحمه الله منذ أن كان رئيسًا للشرطة في دمشق ثم في مصر، فإنه كان حريصًا على قمع مظاهر الفساد الاجتماعي والانحراف الأخلاقي في المجتمع، لأنه اللبنة الأولى من لبنات بناء مجتمع قوي متماسك يستطيع القيام بمهمة التحرير بعد ذلك. وأما عن رئاسته للشرطة في دمشق خلال فتره حكم نور الدين وتطهيره لدمشق من عبث اللصوص والمفسدين حتى أعاد إليها الأمن والاستقرار، وقد قال في هذا حسان بن نمير:
رويدكم يا لصوص الشام فإني ناصح في المقال
أتاكم سمي النبي الكريم يوسف رب الحجا والجمال
فذاك يقطع أيدي النساء وهذا يقطع أيدي الرجال
وأما عن ضبطه للحالة الاجتماعية في مصر يوم انتقل إليها حيث قمع المعاصي والفواحش والمنكرات ومظاهر الخلاعة والمجون التي كانت منتشرة في مصر خلال الحكم الفاطمي كما أورد ذلك المقريزي في تاريخه حيث يقول عما كان يفعله المصريون من انحرافات خاصة في عيد النيروز: (إذ كانت المنكرات ظاهرة فيه، والفواحش صريحة في يومه، ويركب فيه أمير موسوم بأمير النيروز ومعه جمع كثير، ويتسلط على الناس في طلب رسم “فديه ماليه”، رتّبة “فرضه” على بيوت الأكابر ويقنع بالميسور من الهبات ويتجمع المؤنثون “المخنثون” والفاسقات تحت قصر اللؤلؤ حيث يشاهدهم الخليفة الفاطمي وبأيديهم الملاهي، وترتفع الأصوات وتشرب الخمور في الطرقات ويتراشّ الناس بالماء ممزوجًا بالقاذورات، فإن غلط مستور وخرج من داره ولقيه من يرشه ويفسد ثيابه ويستخف بحرمته فإما فدى نفسه وإما فضح).
وإذا كان هذا حال صلاح الدين في قمعه وإزالته لمظاهر الفساد والانحرافات الأخلاقية والاجتماعية سعيًا لتحرير الإنسان قبل تحرير الأوطان، فإن من ينظر إلى سلوك الفاسد ابن سلمان وكيف ألغى وتجرأ على شطب دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحل محله هيئه الترفيه وهي ليست إلا وسيلة لتنظيم وتقنين الفساد والانحرافات الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع السعودي ضمن خطه ابن سلمان لمحاربه الدين، وإلا فماذا يعني أن يقوم ابن سلمان بالإعلان عن سعودية جديدة بعيدة عن مظاهر التشدد كما يسميها، ماذا يعني استقدام المطربات والمطربين لإحياء حفلات غناء ماجنة في السعودية، وماذا يعني إقامة عروض أزياء نسائية في مدينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا يعني فتح دور سينما وعرض أفلام أمريكية، وماذا يعني التعاقد مع شركات عالميه للترفيه لإقامة مدن كهذه في السعودية، بل وماذا يعني اعتقال الدعاة والعلماء أصحاب كلمة الحق والصدق بينما تطلق يد وألسن الليبراليين والعلمانيين السعوديين في محاولة منهم لصبغ المجتمع السعودي المحافظ بصبغة العلمانية والتحررية بل وحتى الاستخفاف بقيم الدين في بلاد الإسلام.
إنه الفارق الكبير إذًا بين صلاح الدين في محاربة الانحرافات الفكرية والأخلاقية استعدادًا لتهيئة الأمة لمشروع تحرير القدس والاقصى من الصليبيين، وبين مشروع ابن سلمان في انفلات الأمة فكرياً وأخلاقيًا ليتماثل هذا ويتلائم مع مشروع تضييع القدس والأقصى، بل واعتبار فلسطين وطنًا لكنه لليهود وليس للفلسطينيين كما صرح بذلك ابن سلمان.
# محاربة الشرفاء وظيفة العملاء
إن ملامح مشروع ابن سلمان في تضييع القدس وفلسطين بل وإدخال الأمة من جديد في خانة العبودية والاسترقاق لأمريكا، هذه الملامح تتجلى وبدون مقدمات في الحرب السافرة التي يعلنها محمد بن سلمان على جماعة الاخوان المسلمين، وهي التي على فكرها ووسطية مشروعها تربى جيلًا كاملًا من الشباب السعودي، الذي يدعوه لاعتبارها ثالوث الشر مع إيران والقاعدة. وما الذي يجعله يتهمهم باغتيال عمه الملك فيصل مع مخالفة ذلك لأبجديات قراءة التاريخ، وما الذي يجعلهم تنظيمًا إرهابيًا مطاردًا من قبله ومن قبل حلفائه ليلتقي في هذه العداوة السافرة مع كل أعداء الإسلام، بينما هو يطلق العنان لكل صاحب فكر هدام ليعبث بالسعودية وشعبها بل وبالأمة كلها، وهل هذا هو الاستعداد الحقيقي لإعداد جيل النصر المنشود أم إنها المسامير الأخيرة في نعش مشروع مزيف طالما تغنى بحبه للإسلام ودفاعه عن الشريعة الغراء.
بالمقابل فإننا إذا نظرنا إلى دور صلاح الدين في مشروع تحرير القدس والاقصى وكل الشرق الإسلامي، وكيف انتبه صلاح الدين لضرورة التخلص مع كل أصحاب الفكر الفاسد والعقائد المنحرفة، لأنهم من أسباب ضعف الأمة بينما كان يحرص على ترسيخ معاني العقيدة السليمة بين أبناء الأمة.
يقول الأستاذ عبد الله ناصح علوان في كتابه صلاح الدين الأيوبي: (ومن هذا المفهوم الواعي والاعتقاد الراسخ، انطلق صلاح الدين ليحطم أغلال الإلحاد وينسف قواعد الزندقة في كل بلد يذكر فيه اسم الله وترفرف على أرجائه راية لا إله الا الله، فكان إذا سمع عن رجل يدعو إلى مبادئ لا تتفق مع عقيدة أهل السنة ولا تلتقي مع قواعد الشريعة الإسلامية يأمر بقتله فورًا بعد أن يستشير جماعة الفقهاء والعلماء). (ولما أصبح صلاح الدين وزيرًا للعاضد الفاطمي في مصر إبان شبابه، آلمه ما وجد عليه حال البلاد من المعتقدات الباطلة والمذاهب المنحرفة وهي معتقدات باطلة ومذاهب منحرفة، ولا تمت إلى عقيدة أهل السنة والجماعة بنسب). (فكان من البديهي أن يهب لمحاربة هذا الباطل وأن يقضي عليه، وأن يجند كل قواه لطمس معالمه ومحو آثاره، وأن يحل محله عقيدة أهل السنة والجماعة باعتبار أنها عقيدة الإسلام الحق والقرآن المنزل. وقد أتم لصلاح الدين ما أراد، إذ لم يمض سوى شهور قليلة على وزارته حتى فتح المدارس في طول البلاد وعرضها، ومن أشهرها المدرسة الناصرية والمدرسة الكاملية، وأمر جميع طبقات الشعب أن ينخرطوا في سلك هذه المدارس، ليدرسوا الدين الحق والإسلام الصحيح خالصًا من كل دس، منزها من كل انحراف).
#هلال المجد
لا أحد ينكر عظم هذا البلاء النازل علينا نحن المسلمين هذه الأيام. ولا أحد يمكنه تجاهل هذه الحرب السافرة علينا من أعدائنا ومن أبناء جلدتنا، لكن هذا الحال بالغ السوء ومع قسوته وظلمته وظلامه، إلا أن اليقين مقابل ذلك أن فجر الإسلام سينبلج وإننا على موعد ليس مع هلال شعبان بعد أيام، ومع هلال رمضان الخير بعد شهر من الآن، وإنما نحن على موعد بإذن الله مع هلال المجد سيظهر في سماء الدنيا ومع شمس الإسلام تشرق وتنير جنبات وظلمات هذا الكون.
وأنا أعلم أن هناك من يعتبر انتظارنا لهلال المجد يهل علينا إنما هو أحلام يقظة ودغدغة مشاعر، ولكنني أقول لهؤلاء أن انتظار هلال المجد ليس أحلامًا بل يقينًا، وليس أننا سنرى تباشيره وإنما نحن نعمل وكل الخيرين من أبناء الأمة في صناعة هذا المجد القريب الآتي، وليقل المثبطون والمثقلون واليائسون ما يقولون.
إنه هلال المجد به يتحقق وعد الله سبحانه باسترداد كل الأوطان الإسلامية المغصوبة وفي مقدمتها فلسطين والقدس والمسجد الاقصى المبارك، وليتحقق وعد الله سبحانه {فاذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا} آية 7 سوره الإسراء.
ولقد دخل صلاح الدين إلى القدس وحررها من الصليبيين في الاحتلال الأول ليلة 27/ رجب ليلة الإسراء والمعراج، وإننا على أمل بالله ويقين بقرب أن تحرر القدس من الاحتلال الصهيوني ونحن قريبين من ليلة 27 / رجب ذكرى الإسراء والمعراج ومن هلال رمضان. وانتظروا إنا منتظرون وإن غدًا لناظره قريب.
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون