الراقصون على جراحنا
الشيخ كمال خطيب
* كنّا نسمع عن الشبيحة حتى رأيناهم في مسيرة يوم الأرض في عرابة، رجالا ونساءً وقيادات يسبّون ويشتمون، بل ويعتدون جسديا. لقد جمعوا بين التشبيح والبلطجة والزعرنة، فهل سيظل يوم الأرض يومًا وحدويًا أم سيتحول إلى يوم حزبيّ، فئوي، مشوه الهوية.
* هل دماء الشهداء الستّة في يوم الأرض الذين قتلهم رابين الدموي، تختلف عن دماء 600 ألف شهيد سوري قتلهم بشار الدموي. فكيف يرفع علم قاتل 600 ألف شهيد، في ذكرى ارتقاء 6 شهداء؟
* كيف للبعض أن يمجّد مسيرة العودة في غزة للفلسطينيين الذين هُجرّوا من الوطن، وكانوا يومها قريبًا من مليون فلسطيني، بينما هم يباركون ويرقصون ويهتفون لمن يُهجّر 12 مليون سوري من وطنه ؟
* كيف يُسمح لأحدهم أن يعتلي منصة يوم الأرض دون تنسيق ليتحدث عن الأسرى والشهداء، وهو الذي يستغل أموال سلطة رام الله حيث توضع بين يديه لأسرى الداخل يستغلها للابتزاز وانتهاك الحرمات.
* كيف “لأبي مازن” أن يُعلن الحداد على شهداء مسيرة العودة، وهو الذي يحاصرهم ويجوّعهم، وهو الذي أسقط حق العودة لمّا قال : “أنا لن أرجع إلى صفد”، وحتى في خطابه الأخير، فإنه قال بأن من حق الفلسطينيين أن يقرروا مصيرهم، ولم يقل أن من حقهم العودة إلى وطنهم.
# هذا أنا فمن أنتم ؟
* أنا جدي لأبي الحاج يحيى عبدالغني خطيب من قرية العزير، قائد فصيل من فصائل الثوار، وحامل بندقية خلال الثورة الفلسطينية في مواجهة الإنجليز، والعصابات الصهيونية.
* إنه جدي الحاج يحيى الذي ما كان يأكل الطعام داخل بيته وحيدًا، إلا أن يشاركه أحد، وإلا فإنه كان يخرج به على الطريق تحت الخرّوبة، لعلّ عابر سبيلٍ أو فلاحٍ أو ضيفٍ، يمر فيأكل معه. واسألوا ختياريّة قرى البطوف والمنطقة.
* أنا جدي لأمي الحاج إبراهيم محمود الصالح، من قرية عيلوط، ابنة شهيد، وزوج ابنته شهيد.
* أنا أمّي المرحومة سروة إبراهيم محمود الصالح، استشهد أخوها الوحيد خالد ” خالي”، وزوجها في يوم واحد في مجزرة عيلوط يوم 16\07\1948 وكانت قد تزوجت قبل أشهر قليلة.
* أنا أبي حسين أحمد يحيى خطيب، تشرّفت أنه اختار أرملة شهيد لتكون زوجته ومن تشرّفتُ أنها كانت أمي، شكرا والدي، ورحمة الله عليكما .
* أنا جدتي أم أبي المرحومة ندى ياسين بنت قرية الشجرة المهجرة، وابنيّ عمومتها (أخوال أبي) أبو عرب زجّال ومنشد الثورة، وناجي سليم حسين العلي رسّام الثورة، والذي ما يزال كتاب الحساب للصف الثالث، الذي كان يتعلم به في مدرسة طبريا عندي وفي مكتبتي أحتفظ به، حيث كان كثير المكوث عند عمّته جدتي ندى.
* أنا أبي الفلّاح وعامل البناءِ الذي كان يستضيف ويفتح بيته لندواتٍ ومحاضراتٍ لقادة الحزب الشيوعي، وكان يرى فيهم الوسيلة للتعبير عن موقفه من الحكومة الصهيونية (وكان أخطأ في ذلك بحسن نيّة رحمه الله). وكنتُ أنا إبن العشر سنوات عام 1972 من يطرق أبواب بيوت الناس لدعوتهم. إن استطعتم أن تسألوا المرحوم توفيق زيّاد والمرحوم فضل نعامنه، كم مرّة ألقوا المحاضرات في بيتنا، ولأنهم في ذمّة الله، فاسألوا الشيوعي الطرعاني العريق سعيد بدر.
* أنا الذي مشيتُ سيرًا على الأقدام من العزير إلى كفركنا مسافة 10 كيلو مترات ويزيد، لحضور الذكرى الأولى ليوم الأرض واستشهاد محسن طه عام 1977، وكنت ابن 15 عاما مع أبي واخي .
* أنا من كنتُ أُحضر جريدة الإتحاد من مقرّ الحزب الشيوعي في بيت الصداقة عند عودتي من المدرسة الثانوية في الناصرة، وكانت تصدر يومي الثلاثاء والجمعة وأقوم بتوزيعها في القرية، وأكثر مني كان يفعل ذلك، اخي الذي يكبرني جمال خطيب، أبو ابراهيم.
* أنا الذي أنعم الله عليّ بالهدايةِ ونوّر قلبي ودربي بحب الإسلام والانتماء إليه، والتوجه لدراسة الشريعة مباشرة بعد إنهاء الصف الثاني عشر عام1980.
* أنا من اعتقل خلال مظاهرات في جامعة الخليل بعد مجزرة صبرا وشاتيلا 17\09\1982 وكنتُ نائب رئيس مجلس الطلبة في الجامعة، وتشرفتُ أنني كنتُ أحد قادة المظاهرة، وإلقاء الحجارة، وقد ألقي القبض علي، ثم تم نقلي إلى مشفى هداسا في القدس لشدة الضرب الذي ضربوني إياه، ثم أكملتُ فترة الاعتقال في مقرّ الحاكم العسكري في الخليل، لمدة 8 أيام .
* أنا الممنوع من دخول مصر، والأردن، ولعلّي المحكوم غيابيا بالإعدام من آل سعود.
* أنا الممنوع من السفر خارج الوطن، ومن دخول القدس والمسجد الأقصى لسنوات.
* أنا الذي أغلق البنك الإسرائيلي حسابي الذي أمرر فيه بعض المعاملات البسيطة كرسوم الهاتف وصندوق المرضى، والسبب كما في رسالة وصلتني قبل أيام أنني كنتُ أنتمي إلى حركة محظورة.
* أنا ابن الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا، منذ يوم 17\11\2015 وقد أصبحت تنظيما إرهابيًا في قانونهم الظالم.
أنا ابن الحركة الإسلامية التي حُظرت لأنها هي من حرّكت قضية القدس والأقصى يوم رفعت شعار ” الأقصى في خطر” فيما ادعى غيرها أن الأقصى بخير.
* أنا تشرفت أن أكون ثنائي الشيخ رائد صلاح، شيخ الأقصى المعتقل، والملاحق والسجين في سجون الظلم الإسرائيلية.
* أنا أبٌ ل7 من الأبناء والبنات، 5 منهم يحملون شهادات الماجستير ومُدرّسة، ومن سيدخل الجامعة السنة الأولى، وكلهم اختار التخصص الذي يُحبّه في خدمة وطنه وشعبه.
* كلامي هذا ليس موجها للحزبيين الشرفاء، حتى وإن خالفوني الرأي والرؤيا. كلامي هذا موجه لوطنجيّة آخر زمن، أيّا كانوا، ممن يوزوعون شهادات الوطنيّة في بورصة انتماءاتهم الضيّقة، بل ولعلّ بعضهم يخجل من كان أبوه، وفي أي سراديب مظلمة أو في أيٍ من غرف العار كان يجلس جده، بينما يعتبر الوطنية منشورًا ناريًا على “فيسبوك” أو مظهرًا برّاقًا من مظاهر الزعامة، ويوزع صكوك العمالة والوطنية لمن يشاء.
* أنا مع المظلومين، أنا مع المقهورين، أنا مع القابضين على جمر العقيدة والمبادئ والأخلاق، فكونوا أنتم حيث شئتم .. وهذا أنا فمن أنتم؟
# وكيف لا أحبهم؟
وهم الذين اغتال الإنجليز وعميلهم الملك فاروق، مرشدهم حسن البنا.
وهم الذين أعدم جمال عبد الناصر رمز نكسة 1967، مفكرهم سيد قطب.
وهم الذين انقلب عليهم السيسي وذبحهم في رابعة، ويعتقل أكثر من ستين ألفًا.
وهم الذين دمر حافظ الأسد مركز ثقلهم، مدينة حماه السورية عام 1981 وقتل 30 الف منهم.
وهم الذين يعلن بشار حربًا دموية طائفية عليهم، لأنهم وقفوا في وجهه مع أبناء الشعب السوري.
وهم الذين افتخر ابن زايد بأنه لم يعد لهم وجود في الإمارات، لأنه شردهم وسجنهم وأعلن الحرب عليهم.
وهم الذين تبجح ابن سلمان بأنه سيجتثهم من السعودية.
وهم الذين يطعنهم في الظهر وفي صدرهم، ويتآمر عليهم أبو مازن في غزة، ويعتقل ويعذب وينسق أمنيًا ضدهم في الضفة الغربية.
وهم الذين بيّضوا وجه الأمة في غزة العزة، يقولون الجوع ولا الركوع، الحصار ولا العار.
وهم الذين حظرهم نتنياهو يوم 17/11/ 2015 زاعمًا أنهم امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، وهذا في الحقيقة شرف لا ندّعيه.
ليس لأنهم لا يخطؤون، ولكن لأنهم الأصدق على طرح النموذج للمشروع الإسلامي الوسطي.
ولا أكشف سرًا إذا قلت إنني حظيت بشرف مقابلة المرشد محمد حامد أبو النصر والمرشد مصطفى مشهور والمرشد مأمون الهضيبي والمرشد محمد مهدي عاكف رحمهم الله جميعا، وكذلك المرشد الأسير في سجون السيسي محمد بديع خلال مناسبات عامة، إما في رحلات الحج أو خلال مؤتمرات إسلامية كانت تبحث قضايا الأمة في تركيا وغيرها.
قديمًا قالت العرب “يعرف المرء بخصومه”، فاذا كان خصوم الإخوان المسلمين هم بشار والسيسي وابن سلمان وابن زايد وأبو مازن ونتنياهو، فأنا على يقين أن الإخوان المسلمين هم خيار أهل الأرض، ولذلك فأنا أحبهم.
ولقد سُئل الإمام علي أين يكون الحق، فقال: حيث تتجه سهام الباطل إنه الحق. وأنا مع من تتجه إليهم سهام الباطل. وأنا أحبهم.
# أمتي مثل أمي
لا أحد ينكر صعوبة الظرف وحالة التردي الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية.
وبدأنا نسمع بعض من يقول، هذه أمة لا تستحق العيش، هذه أمة تافهة، بحياتهم العرب ما بصيروا، كل عمرهم المسلمون منقسمون، نحن لا نستحق إلا أن نكون في الذيل، أخجل أن أقول إنني عربي وغير ذلك من عبارات اليأس بل والعقوق وجلد الذات.
أما أنا ومع اعترافي بصعوبة الحال، لكن لن أكون الإبن العاق الذي ينكر نسبه، ولا الذي يدير الظهر لأمه إذا مرضت وعند عجزها، ولا الذي ينسى فضلها عليه في شبابها فأمتي مثل أمي.
نعم مرضنا ويجب أن نتعافى، كبونا ويجب أن ننهض، غفونا ويجب أن نستيقظ، تأخرنا ويجب أن نعود ونتقدم ونستطيع ذلك.
هذا زمن الوفاء والسباحة بعكس التيار وليس العويل ولا العقوق وجلد الذات.
لن أرتمي في مستنقع اليأس، بل سأظل أمد يدي لإخراج من سقطوا فيه.
العار على من يرفع شعار “سجل أنا عربي” ثم يخجل بنَسَبِه.
أما أنا فأقول للدنيا كل الدنيا، سجل أنا مسلم، أنا عربي، أنا فلسطيني وأفتخر، وأمتي مثل أمي ولن أعقّ أمي ولا أمتي.
رحم الله قارئا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون