أخبار وتقاريرالضفة وغزةمقالاتومضات

ليس من الشعب الفلسطيني

الشيخ رائد صلاح

1- ليس من الشعب الفلسطيني من يتصرف ظانًّا أنّه يملك الشعب الفلسطيني وكأن هذا الشعب الصابر ضمن عقاراته، وله أن يتصرف به كيف يشاء، فالشعب الفلسطيني له تاريخه وجذوره، وله قيمه وثوابته، وله هويته وإنتماؤه، ولن يتنازل عن أي من هذه الأصول مهما طالت معاناته، وهو براء من ظن هذا الظان سواء كان هذا الظانّ فردًا فلسطينيًا أو زعيما فلسطينيا أو فصيلًا فلسطينيًا أو هيئة فلسطينية.

2- ليس من الشعب الفلسطيني من يتصرف ظانًّا أنّه يملك القضية الفلسطينية وكأنَّ مصير هذه القضية الحيّة هو جزء من مصيره، وكأنّ وجودها جزء من وجوده، وكأنّ حاضرها جزء من حاضره، وكأنّ مستقبلها جزء من مستقبله، بل هي أكبر من هذا الظانّ وظنونه سواء كان هذا الظانّ فردًا فلسطينيًا أو زعيمًا فلسطينيًا أو فصيلًا فلسطينيًا أو هيئة فلسطينية، وسيبقى حلُّ هذه القضية واضحًا لا ريب فيه اليوم أو غدا أو بعد عقود، ألا وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس المباركة المحتلة.

3- ليس من الشعب الفلسطيني من يتصرف ظانًّا أنه يملك شرعية إراقة دماء الشعب الفلسطيني، متى شاء، وبسبب أي مبرر شاء، وفي أي بقعة من الوجود الفلسطيني شاء، وبالكيفية التي يشاء، وبالحدود التي يشاء، وبالأدوات التي يشاء، ويملك أن يقرر متى يبدأ إراقة هذه الدماء، وأين؟! ومتى ينتهي؟!

فإن الشعب الفلسطيني ليس قطيع خراف يجوز عليها الذبح بادّعاء الحفاظ على الأمن والقضاء على الفوضى!! أو بادّعاء بسط نفوذ وسيادة السلطة الفلسطينية!! أو بادّعاء وضع اليد على الخارجين عن القانون!! فهي ادّعاءات مرفوضة ولا وزن لها، وحرمة دماء الشعب الفلسطيني أسمى من كل هذه الادّعاءات، سيّما إذا وجدت البدائل عن استباحة الفلسطيني للدم الفلسطيني، فهناك لغة الحوار بديلا عن لغة الرصاص، وهناك إمكانية الالتقاء على القواسم المشتركة بديلًا عن تمزيق كل بيت فلسطيني وكل بلدة فلسطينية وكل مخيم فلسطيني بإشاعة الفتنة العمياء، والسلاح الأعمى، والمقاصد العمياء، والنوايا العمياء، والولاءات العمياء، وهناك خيار استفتاء الشعب الفلسطيني واستمزاج رأيه والوقوف على نبض شارعه بديلا عن إكراه الشعب الفلسطيني ومصادرة إرادته وتحريم حق النقد عليه، وقمعه بمقولة فرعون: (ما أريكم إلا ما أرى)، وهناك القول الفصل للقضاء الحر النزيه إذا اشتدت النزاعات واتّسع الخرق على الراقع بديلا عن الاعتقال القسري والتمادي بالتعذيب وإغراق مصاطب الزنازين بالدماء، وإلا فإن الشعب الفلسطيني ما قرر في يوم من الأيام أن ينتقل من احتلال إسرائيلي ظالم إلى احتلال داخلي فلسطيني، ومن بطش وظلم إسرائيلي إلى بطش وظلم فلسطيني، ومن زنازين تعذيب إسرائيلية إلى زنازين تعذيب فلسطينية، وليعلم أي فرد فلسطيني، أو زعيم فلسطيني، أو فصيل فلسطيني، أو هيئة فلسطينية أنه يوم أن يستبيح نفسا فلسطينية واحدة بلا حق وبدافع الظن السيئ، والتبرير الفاسد والتأويل الأعمى فقد استباح نفوس كل الشعب الفلسطيني، وقد استباح دماء كل الشعب الفلسطيني، وقد استباح إزهاق أرواح كل الشعب الفلسطيني!!

مع التأكيد أن الكل الفلسطيني هو الخاسر في هذا المشهد المقيت، حيث أن القاتل الفلسطيني قد يكون هو الأخ الشقيق للقتيل الفلسطيني، ويوم أن قتل هذا القاتل الفلسطيني، فقد قتل أخاه الشقيق من أمه وأبيه وبيتهم الواحد الذي ولد فيه هذا القاتل وهذا القتيل، والذي أكلا فيه من طبخة واحدة ومن صحن طعام واحد وحول سدر طعام واحد، والذي شرب فيه من جرة ماء واحدة ، ومن إبريق ماء واحد ، ومن كأس ماء واحدة، والذي جلسا بجواره في ظلال شجرة زيتون واحدة، وشجرة تين واحدة، وشجرة خروب واحدة!!، أو أن يكون هذا القاتل الفلسطيني وهذا القتيل الفلسطيني هما إبنيّ الحي الواحد، أو إبني الحارة الواحدة أو إبني البلدة الواحدة أو إبني المخيم الواحد، وهذا يعني أنَّ هذا القاتل الفلسطيني كأنما قتل نفسه، وكأنما أطلق الرصاص على نفسه، وكأنما فجع أمه وأبكى أباه وأحزن أخاه وأوجع أخته وهدم أسرته ودمر بيتهّ!! أو أن يكون هذا القاتل الفلسطيني وهذا القتيل الفلسطيني -في أبعد مدى- هما إبني الشعب الفلسطيني الواحد، وهما إبني النكبة الفلسطينية الواحدة، وهما إبني القضية الفلسطينية الواحدة، وهما إبني الأمل الفلسطيني الواحد، وهما إبني المستقبل الفلسطيني الواحد، وهذا يعني أنَّ هذا القاتل الفلسطيني كأنّما قتل الشعب الفلسطيني والنكبة الفلسطينية والقضية الفلسطينية والأمل الفلسطيني والمستقبل الفلسطيني. ويا لفرحة أعداء الشعب الفلسطيني بهذا القاتل الفلسطيني!!

4- ليس من الشعب الفلسطيني من يستبيح لنفسه أن يواصل طوال الوقت المنّ على الشعب الفلسطيني بمنجزاته وبطولاته ومغامراته، سواء كان هذا المانّ فردا فلسطينيًا أو زعيمًا فلسطينيًا أو فصيلًا فلسطينيًا أو هيئة فلسطينية!! وليعلم هذا المانّ أنّه في الموقف الخطأ، وليكن هذا المانّ من يكون، وليكن سجل حياته وصحائف أعماله وسطور تاريخه ما تكون، فهو حتى الآن لم يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا، وها هي القضية الفلسطينية لا تزال في بحر هائج من الكرب والبلاء والمعاناة، وها هي قضايا الأرض المأزومة قد وجدت لها حلا إلا القضية الفلسطينية!! ولا يجوز لهذا المانّ باسم ما قدم من منجزات لهذه القضية أن يستبيح لنفسه إدخال تعديلات مشوهة على ماهية هذه القضية وعلى شعبها الصابر وعلى مطالبها العادلة وعلى جدول تضحياتها وشرف صمودها.

5- ليس من الشعب الفلسطيني من يستبيح لنفسه الشماتة من وجع ألمَّ بأي فلسطيني سواء كان هذا الفلسطيني الموجوع فردا أو جمعا، وسواء كان بغزة أو بالضفة الفلسطينية أو بالقدس المباركة، أو بالشتات، ومن استباح لنفسه التّلذّذ بهذه الشماتة سواء كان فردًا فلسطينيًا أو زعيمًا فلسطينيًا أو فصيلًا فلسطينيًا أو هيئة فلسطينية، فقد فصل نفسه عن الانتماء الفلسطيني للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، لأنَّ حقيقة هذا الانتماء هو الشعور بوجع أي فلسطيني وكأن كل فرد في هذا الكل الفلسطيني هو الموجوع، وإلا فإنَّ الانتماء النفعي أو الانتماء الاستغلالي أو الانتماء الانتهازي أو الانتماء الطفيلي أو الانتماء المكسبي للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية هو انتماء ساقط وملغوم ومنبوذ.

6- ليس من الشعب الفلسطيني من يتجرأ على مصادرة حرية الرأي الفلسطيني أو كسر القلم الفلسطيني أو إلغاء دور الإعلام الفلسطيني، فإن سمو القضية الفلسطينية وإن صفاءها ونقاءها ستبقى ما دام الشعب الفلسطيني يجمعه المبدأ القائل: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم وإن عصيت الله فقوموني)، ويزينه المبدأ القائل: (رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي)، ويحرسه المبدأ القائل: (لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمع)، وإلا فإنه لا معصوم في الشعب الفلسطيني سواء كان الرئيس أبو مازن أو أي وزير فلسطيني أو أي رئيس فصيل فلسطيني، والكل يؤخذ منه ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وسائر الأنبياء فهم المعصومون، ولذلك فإن الجميع على صعيد محلي ودولي قد استهجن على السلطة الفلسطينية إغلاق قناة الجزيرة، وإن الأصل الذي يجمع الشعب الفلسطيني مع قناة الجزيرة هذا المبدأ السوي: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، فهي التي أحسنت إلى شعبنا الفلسطيني على مدار عقود ماضية، وهي التي بات الكثير من العاملين والعاملات فيها شهداء الحقيقة وصوت فَضْحِ الباطل وعدسة الكشف عن الظلم ومنبر إسناد المستضعفين من شعبنا، ما بين غزة والضفة الفلسطينية والقدس المباركة!! لكل ذلك فإن من المستهجن أن تقابل السلطة الفلسطينية هذا الإحسان بإغلاق قناة الجزيرة!! وهي عثرة صادمة يصدق فيها قول الحكيم: ما هكذا يا سعد تورد الأبل.

7- ليس من الشعب الفلسطيني من يظنّ أنَّ الشعب الفلسطيني وأنَّ القضية الفلسطينية باتا عبئا ثقيلا عليه، سواء كان هذا الظانّ فردًا فلسطينيًا، أو زعيمًا فلسطينيًا أو فصيلًا فلسطينيًا أو هيئة فلسطينية، ومن ظنّ هذا الظنّ الباطل، ومن دفعه هذا الظنّ الباطل أن يحاول بكل ثمن أن يتخلص من هذا العبء الثقيل الذي اسمه الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وأن يلقي هذا الحمل عن كاهله، فأنا أنصحه أن يستريح وأن يخلي الدور لغيره، فإن الأم الفلسطينية هي أم ودود ولود وما كانت ولن تكون في يوم من الأيام أما عاقرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى