يا حيف على هكذا ممانعة
الشيخ رائد صلاح
ما كنّا نظنُّ يوما أنَّ نظامًا فاسدًا عربيًا سيطعم الأسود من لحوم شعبه!! حتى قام النظام الأسدي بهذا الفعل المشين، وأطعم الأسود من لحوم أحرار سوريا وحرائرها!! وما كنّا نظنُّ يومًا أنَّ نظامًا فاسدًا عربيًا سيقصف شعبه ببراميل المتفجرات!! وسيبيدهم بالغازات السامة دون أن تأخذه فيهم رحمة ولا شفقة!! حتى ارتكب النظام الأسدي هذه الجرائم الدموية!! وهكذا سجَّل على نفسه أنَّه نظام فاسد ضد الإنسانية!! ونظام وضيع أوغل في ارتكاب جرائم الحرب على مدار خ مسين عامًا ويزيد!!
وما كنّا نظنُّ يوما أنَّ نظاما فاسدا عربيا سيتآمر على القضية الفلسطينية وعلى شعبنا الفلسطيني وسيواصل سحق حق العودة وهو متنكر بقناع الممانعة، حتى قام النظام الأسدي وارتكب المجازر في مخيم تل الزعتر بلبنان، وواصل قصف مخيم اليرموك بدمشق حتى أحاله مهجورا ينعق فيه بوم الخراب، وهكذا نجح هذا النظام الجزار بامتياز لا نظير له بتشتيت اللاجئين من شعبنا الفلسطيني الذين عاشوا في المخيمات بلبنان، ثمَّ تشتيت الذين عاشوا منهم في المخيمات بسوريا في كل بقاع الأرض، حتى وصل بعضهم الى أستراليا وماليزيا وأمريكا الجنوبية.
وهكذا مزق هذا النظام المهترئ القضية الفلسطينية، ومزّق وحدة وجود اللاجئين في الشتات، ومزَّق مصطلح حق العودة، حتى أصبح كل حرف من حروف هذا المصطلح مقطوعا لوحده في شرق الأرض وفي غربها.
وهكذا أخذ هذا النظام الباطني على نفسه أن يعدم حق العودة بأدواته السفاحة، لأنه كان يعلم، ولأنَّ أسياده الذين أوجدوه وحافظوا على بقائه كانوا يعلمون أن إعدام حق العودة يعني إعدام الشعب الفلسطيني، وأنَّ إعدام الشعب الفلسطيني يعني إعدام القضية الفلسطينية، وأنَّ إعدام القضية الفلسطينية يعني مواصلة تحويل الشعوب العربية إلى قضايا مأزومة، ثمَّ سيتم إعدام كل قضية عربية منها تباعا بلا توقف!!
وهكذا سيتم إعدام العالم العربي بالتدريج!! وهذا يعني تقليص عدد العرب مادة الإسلام الأساس إلى عدد قليل لا يصلح أن يتحمل مشروع تجديد سيادة الإسلام، وتجديد دور الخلافة على منهاج النبوة، وهكذا سيتم إلغاء دور أهل السنة والجماعة في امتداده العربي الذي يحمل المقومات الأساس لنهضة إسلامية سنية وسطية تملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا. ولكن الحمد لله رب العالمين الذي اكرمنا باندثار هذا النظام الاسدي، وحفظنا الله تعالى من تواصل دوره الملغوم الساعي إلى وأد القضية الفلسطينية، ووأد العالم العربي، ووأد تجديد دور الخلافة على منهاج النبوة، ووأد تجديد الوحدة العالمية الإسلامية، ووأد عودة التلاحم الراشد الحيّ يين العر ب والأتراك، ووأد حلم التخلص من لعنة سايكس-بيكو وما سمي زورا باسم الثورة العربية الكبرى!! نعم اجتهد هذا النظام الأسدي أن يؤدي هذا الدور بإخلاص لصالح أسياده الذين بذلوا له الدعم المالي والسياسي والمخابراتي والعسكري والدبلوماسي، حتى يبقى عكازا صلبا قائما يتكئون عليه لمواصلة قطع الأنفاس الحرة في مسيرة شعبنا الفلسطيني وعالمنا العربي وأمتنا الإسلامية!!
وقد يقول قائل من هم هؤلاء الأسياد؟! وأنا أتمنى أن يتم كشف هوية هؤلاء الأسياد كشفا قائما على الدليل الساطع، ولا أقوى من الوثائق السرية لهذا النظام العفن الذي أنتنت ريحه منذ عقود!! وأتمنى على الحكومة السورية المرحلية الآنية التي يقف على رأسها محمد بشير، أن تضع في مقدمة أولوياتها العثور على هذه الوثائق السرية، ثمَّ الكشف عمّا ترى من المناسب الكشف عنه بما يتوافق مع مصلحة سوريا!! وكم لفت انتباهي ولفت انتباه الكثير أن القصف الاخير الإسرائيلي طال أول ما طال مركز الوثائق السرية لهذا النظام غير المأسوف على إسقاطه!!
فلا أدري هل أرادت المؤسسة الإسرائيلية من وراء قصف هذا المركز لهذه الوثائق الخاصة السرية أن يتمَّ إعدام الأدلة التي تدين عمالة هذا النظام، والتي قد تظهر حقيقة علاقة هذا النظام مع المشروع الصهيوني والمشروع الأمريكي والمشروع الأوروبي ثم مع المشروع القيصري الروسي والمشروع الفارسي الإيراني!؟ وهل كان قرار قصف هذا المركز لهذه الوثائق السرية هو قرار إسرائيلي محض أم هو أمريكي-إسرائيلي-عربي أم هو قرار أوسع من كل ما ذكرت؟!
ثمّ أواصل وأقول: ما كنا نظن أن نظاما فاسدا عربيا سيرضى تقسيم مساحة دولته المترامية إلى نفوذ أمريكي ونفوذ روسي ونفوذ إيراني حتى قام النظام الأسدي بذلك وأحال أرض سورية الشامية المباركة، وأحال شواطئ بحرها الطويل، وأحال موانئها ذات البعد الإستراتيجي العالمي إلى قواعد رضي بتقسيمها وتوزيعها على هذه المصالح الأمريكية والمصالح الروسية والمصالح الإيرانية!!
وهكذا تحوّلت أرض سوريا الشامية المباركة خلال سنوات نظام الأسد العجاف الى تركه بلا عنوان، وإلى ميراث بلا ولي ولا وصي ولا وكيل ولا كفيل، فراح الغرّ المجرم بشار يوزعها بين ارباب هذه المصالح، وكأنها كعكة مستديرة، راح يقطعها إلى أجزاء، ثمّ راح يوزع هذه الأجزاء بدون أن ترتجف له يدان، وأن يتململ له ضمير، ودون أن يضيق له صدر، ودون أن يضطرب له قلب، ودون أن تحشرج له نفس، ودون أن يرمش له جفنان، راح يقطعها بالمزاد العلني على قاعدة من يزيد، بمعنى أن من وعده أكثر بحفظ كرسيه الذي نخر فيه سوس الظلم، وبحفظ زعامته المشوهة وبحفظ قصر رئاسته البائس، سيقتطع له أكبر حصة من هذه الكعكة التي هي أرض سوريا! وهكذا قام النظام الأسدي من خلال بشار وآلـ بيته الباطني ببيع أرض سوريا بالمزاد العلني، هي وما حوت من كنوز وما حملت من شعب وعقارات ومقدسات وآثار وثروات مائية ومواقع جمالية غابية خلابة، وكاد أسم سوريا أن ينتهي وأن يشطب من خرائط الجغرافيا، وكأن سوريا قد انقرضت بعد أن كانت ذات يوم من جنان الله في الأرض، ولكنه قدر الله تعالى الذي مكَّن الثورة السورية أن تحرر سوريا من هذا النظام الأسدي ومن رئيسه بشار الصبياني، وأن تتوج هذا التحرير بفتح دمشق!!
ثمّ ما كنّا نظنّ أنَّ نظاما فاسدا عربيا سيتألق وسيتفوق على أنظمة كل أهل الأرض بأساليبه الشيطانية وأدواته الجهنمية التي استخدمها على مدار عقود لمواصلة ذبح أبناء شعبه -رجالا ونساء وشبابا واطفالا- كأنهم الخراف التي واصل الجزار ذبحها بألف سكين!! وكلنا رأى مشهد ذلك الطفل السوري الذي وجدوه خلف القضبان ولم يمض عليه أكثر من خمس سنوات حيث كانت أمه الحُرّة الأسيرة قد ولدته في سجنها، فظلّ ذلك المولود سجينا معها ونما معها وترعرع معها وشبَّ معها وكاد أن يبلغ سنّ الرشد في السجن لولا أن تداركته رحمة الله تعالى، وأرسل الله تعالى هذه الثورة السورية التي حطمت أقفال سجنه ونقلته من ظلمات سجون النظام الأسدي الى نور الحرية والكرامة والاستقلال!! وكلنا رأى مشهد الجثث بالمئات التي قتلها النظام الاسدي ثمَّ دفنها في مقابر جماعية أو رماها في بعض ثلاجات مستشفيات سوريا، كي يخفي وفق وهمه آثار جرائمه!! وأنّى له ذلك؟! هيهات هيهات!! وكلنا رأى مشهد تلك الأسيرة السورية الحرة الأم التي أدخلت السجن لوحدها، ثمَّ توالت الأيام عليها في السجن، وتعرضت للاغتصاب المتواصل من قبل الشبيحة وحوش النظام الأسدي، فأنجبت ولدها الأول مكرهة من سفاح، ثمّ أنجبت ولدها الثاني مكرهة من سفاح، ثم أنجبت ولدها الثالث مكرهة من سفاح، ثم بعد أن فرج الله تعالى كربتها خرجت من سجنها وقالت متلوعة: هؤلاء الأولاد الثلاثة هم أولادي ولكني لا أدري من أبوهم؟!
وكلنا رأى مشهد المكابس البشرية في سجون النظام الأسدي حيث كان يوضع في كل مكبس منها أكثر من أسير حر سوري، ثمَّ كان أحد شبيحة النظام الأسدي يضغط على زر ذلك المكبس، فكان المكبس يحيلهم الى عجين من لحم!! ولعل حافظ الأسد أو بشار الأسد كان يقف في تلك اللحظات يخطب من وراء مكبر الصوت ويتحدث منتفشا كالطاووس عن المؤامرة على سوريا، وعن محاولة كسر شوكة الممانعة الوهمية في سوريا، وعن خطر الإمبريالية والاستعمار!! وكلنا سمع عن تذويب الأسرى الأحرار السوريين بعد إعدامهم في أحواض حامض الأسيد، حيث كانوا يذوبون بالمطلق في تلك الأحواض، ولا يبقى لهم لحم ولا عظم ولا جلد ولا شعر، كأنهم ما ولدوا أصلا، وما كان لهم وجود في سوريا؟! فلك الله يا شعب سوريا،!! ولكم الله يا أحرار سوريا!! ولكنَّ الله يا حرائر سوريا!! كم صبرتم تحت العذاب، وكم تجرعتم الحسرات، وكم ذقتم الويلات، وكم عصفت فيكم النكبات، فما هنتم وما لنتم وما يئستم ولا استسلمتم حتى دستم بأقدامكم على صنم حافظ الأسد، وقد اصبح رميما في قبره يتلذذ الدود بقضمه وهضمه منذ عقود!!
ثمّ أواصل وأقول: ما كنّا نظنُّ يوما أن نظاما فاسدا عربيا سيعتمد في بناء اقتصاده على إقامة مصنع للمخدرات، ثمّ صناعة المخدرات في هذا المصنع ثم بيعها على صورة صفقات مخدرات ذات أرباح طائلة، ثم مراكمة هذه الأرباح القذرة كجزء من ثروة رئيس هذا النظام وحاشيته، حتى لو تسببت هذه التجارة القذرة بإفساد ملايين الأبرياء من هذه الأرض واستدراجهم لتعاطي المخدرات حتى يدمنوا عليها!! نعم يا حيف!! ما كنّا نظنُّ يوما أنَّ نظاما فاسدا عربيا سينحدر يوما إلى هذا الدرك القذر وهو يتلفع زورا بعباءة الممانعة حتى فضح أمر بشار الأسد وأمر حاشيته وإذ بهم كانوا قد أقاموا مصنعا للمخدرات!! ولعل ذلك يعكس ماهية نحلتهم الباطنية، فقد انتموا إلى فرقة باطنية، ومعلوم تاريخيا أن بعض الفرق الباطنية كالحشاشين كانت تروج المخدرات في مسيرة الأمة الإسلامية قبل قرون من الزمن!! وهكذا أصبحت سلوكيات النظام الأسدي الباطني امتدادا لسلوك جذوره الباطنية كالحشاشين!! يا حيف على هكذا ممانعة.