عندما تتهاوى تماثيل الطغاة ويسقط رامي البراميل المتفجرة
الإعلامي أحمد حازم
في الثامن من شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي، سقطت دمشق وتخلصت سوريا من نظام حكمها بالحديد والنار وبالأجهزة الأمنية والتعذيب والقتل وقصف المدن والتهجير والتجويع والطائفية، وكل أنواع البطش التي لا يمكن أن يتصورها العقل البشري. بشار الأسد فرّ إلى موسكو لأسباب قيل إنها “إنسانية”. طاغية قتل انسانية المواطن السوري ويستقبل باسم الإنسانية. يا لها من سخرية قدر: بشار الذي كان “الأسد إلى الأبد” في سوريا أصبح الآن “أسدا لاجئا الى الأبد” في موسكو. انها في حقيقة الأمر أعجوبة من ثوار آمنوا بما قاموا ويقومون به، وخلّصوا البلاد من جحيم “الأسدية” الفاشية التي ظلت أكثر من نصف قرن رافعة سيف القهر فوق رؤوس السوريين.
يا لها من صدفة: يوم الثامن من ديسمبر الحالي هو يوم مميز للشعب السوري وهو يوم مميز أيضًا للشعب الفلسطيني. ففي هذا اليوم بدأت الانتفاضة الفلسطينية عام 1987ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وانتهت الانتفاضة في عام 1991 بعد مؤتمر مدريد.
لكن الثورة السورية لم تنته. قالوا عنهم أعداء الثورة، وإنَّ من قام بها أصحاب لحى “متطرفون” دينيا. صحيح انهم أصحاب لحى، ولكن ليست متطرفة. لم تكن لحى الثوّار لحى متشدّدة ولا لحى إرهابية، كانت لحى نمت كل شعرة فيها، بسبب ظلم نظام لا يعرف سوى القمع والاعتقال والإعدام. وجيشه، كما قال أحد المحللين “لا يجيد القتال ضد المعتدي، بل يجيد قهر الناس وإذلالهم ومنع رغيف الخبز عنهم وسلبهم مدّخراتهم”.
في المدارس علمونا عن الثورة الفرنسية انها ثورة قيم لكنها في الحقيقة عكس ذلك. فلم نسمع بحكم الإعدام بقطع الرؤوس بالمقصلة إلا من الثورة الفرنسية، بينما لم نسمع أو نشاهد حالة مشابهة في ثورة السوريين في حلب وحماة وحمص ودمشق. وكل ما شاهدناه هو فقط رؤوس تماثيل الطغاة تتهاوى، إن كان للأب حافظ مؤسس القمع في الوطن السوري أو لابنه باسل الذي قُتل بحادث مرور نتيجة الخمرة أو لنجله الهارب بشار.
نظرية المرشد الأعلى الإيراني خامنئي تعتبر “أنّ الدفاع عن دمشق ومنع سقوطها هو دفاع عن طهران والنظام الإسلامي فيها”. فأين إيران اليوم من سقوط دمشق؟ لماذا صمتت أمام إسقاط حليفها؟ الجواب واضح: السياسة مصالح ولا يوجد صديق أو حليف، بل مصالح. والمصلحة الإيرانية تتطلب الآن طي صفحة الأسد الى الأبد والنظر الى مصالحها في الفترة الترامبية القادمة، تماما كما فعل بوتين روسيا.
لكن الأهم من ذلك، وجود إرادة شعبية وأيضًا رغبة حتى من أفراد الجيش السوري بعدم مواجهة الثوار. وهذا ما حصل.
كذبوا وخدعوا الشعب السوري بقولهم إن 99.7 % من الناخبين اختاروا بشار رئيسًا لهم. ولو كان الأمر كذلك لخرج الناس الى الشوارع دفاعا عن رئيسهم، كما فعل الشعب التركي عام 2016 تأييدًا للرئيس أردوغان. لكن ما حصل يوم الثامن من الشهر الحالي عكس ذلك تمامًا، فقد خرج الشعب فرحًا بسقوط الظالم الذي أتى يومه على يد القائد الثوري أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) ورفاقه.
بشار كبير الظالمين وعميد القتلة لم تساعده أقبية الزنزانات المخيفة في سجن (صيدنايا) أكبر وأشهر سجون النظام تعذيبًا. زنزانات هذا السجن بنيت على عمق عدة طوابق تحت الأرض وزج بها المعارضون لحكم النظام. أي نازي هذا البشار وأي فاشي هذا ابن الحافظ، الذي كرهه شعبه، وهو الذي رماه بالكيماوي وبالبراميل المتفجّرة.
على كل حال، من المبكر أن نحكم أو نقيّم المرحلة السياسية المقبلة في سوريا، ما بعد الأسد. هناك أسئلة عديدة بحاجة الى أجوبة من حكام سوريا الجدد على الصعيدين الفلسطيني والعربي، وعلى سبيل المثال: كيف سيكون موقف النظام السياسي المستقبلي في سوريا من الفصائل الفلسطينية المتواجدة في دمشق (الجبهة الشعبية، القيادة العامة، الجبهة الديمقراطية، فتح الانتفاضة والجهاد الإسلامي) والتي كانت مناصرة لنظام الأسد؟ هل سيقوم النظام السوري الجديد بتصفيتها كونها دعمت سفاحيّ الشعب بشار وحافظ، أم ستستمر في نشاطها بترتيبات حديدة؟ وهل سيُسمح لحركة حماس بعودة نشاطها للساحة السورية؟
وسؤال آخر في غاية الأهمية عمّا إذا كان النظام الجديد في سوريا سيرضى بالتطبيع مع إسرائيل فيما لو ظهرت صفقة استرجاع الجولان مقابل التطبيع والتخلي عن القضية الفلسطينية كما فعل أنور السادات. ويبقى أيضًا
السؤال الآخر: كيف سيتعامل النظام الجديد في سوريا مع إيران الداعم الرئيس لبشار الأسد؟
هذه الأسئلة وغيرها بانتظار الرد عليها مستقبلًا من قادة سوريا الجدد.
على كل حال أتمنى من النظام الجديد أن يتذكر قصيدة أحمد شوقي عن ثورة سوريا عام 1925 والتي يقول فيها: “وعزّ الشرق أوّله دمشقُ”.