معركة الوعي (223) لبنان وما بعد لبنان…
حامد اغبارية
1. هل حقق نتنياهو أهدافه في لبنان؟! بكلمة واحدة واضحة: لا!! حتى وإن عملت الماكنة الإعلاميّة صباح مساء على تضليل الجمهور الإسرائيلي وملء الهواء الذي يتنفسه بالأكاذيب. فالإعلام جزء من المعركة وله دور يؤديه، ومن أهم أدواره تضليل جمهوره، تماما كما يفعل نتنياهو وحاشيته ورئيس أركان جيشه وكبار ضباطه وكتائب المحللين.
إن الذي دفع نتنياهو ليس فقط إلى قبول اتفاقية وقف الحرب في لبنان، بل السعي الحثيث إليها إلى درجة التوسل هو قناعته أن الكلام على الشاشات وأمام الجمهور شيء، وما يقال في الغرف المغلقة شيء آخر، لأن ما يقرره الميدان هو الذي يحسم الأمور ويحدد المواقف وشكل القرارات.
فما الذي دفع نتنياهو دفعا إلى وقف الحرب (مؤقتا!!)؟
في هذه الحرب على جبهة لبنان كانت تفاصيل حرب 2006 ونتائجها ماثلة بحذافيرها أمام تل أبيب.
إن سعي تل أبيب إلى وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية يقف خلفه سبب واحد رئيس (إضافة إلى أسباب ثانوية أخرى) هو حجم الخسائر التي مني بها الجيش الإسرائيلي في الميدان على مستوى الخسائر البشرية والعتاد وفي الجبهة الداخلية، وتآكل قوة جيشه المنهك من حرب متواصلة منذ 14 شهرا على جبهات غزة ولبنان والضفة الغربية. وكانت المعركة التي خاضها ضد حزب الله في لبنان في الشهرين الأخيرين قد جعلته يدرك أن الأمنيات شيء والواقع شيء آخر.
2. عندما أعلن حزب الله في الثامن من تشرين الأول 2023 أنه يساند غزة، كان مما جعله شعارا لهذه المساندة وعلى لسان أمينه العام السابق حسن نصر الله، أن الحزب لن يوقف توجيه الضربات إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية حتى تتوقف الحرب على غزة. وحافظ الحزب على هذا الموقف إلى ما قبل شهرين، حين قررت حكمة نتنياهو تكثيف حملتها العسكرية ضد حزب الله. فبعد الخسائر التي ألحقها الجيش الإسرائيلي بالحزب من خلال اغتيال أمينه العام وتفجيرات أجهزة البايجر، وسلسلة الاغتيالات في الصف القيادي الأول للحزب، تغيرت اللهجة وبدا واضحا أن الحزب بدأ يعيد حساباته. وهذا الأمر لا يخلو من ضغوط داخلية لبنانية وأخرى عربية وربما إيرانية، ثم أوروبيّة. وما تسليم الملف إلى نبيه بري الذي تحول (فجأة) إلى صاحب القرار فيما يخص مواقف حزب الله، بعد اغتيال حسن نصر الله إلا إشارة إلى تغيير بوصلة الحزب. ثم فجأة توقف الحديث عن شرط وقف الحرب على غزة إلى شرط تطبيق القرار 1701 الذي كان من “ثمار” حرب 2006.
وأريد أن أفترض أن مواقف حزب الله وأهدافه التقت مع موقف الفصائل الفلسطينية فيما يخص القضية الفلسطينية بمجملها، وليس قضية غزة فقط، -وأنا شخصيا أشك في هذا الالتقاء- فقد وجد حزب الله نفسه بين خيارين: إما مواصلة إسناد غزة كما أعلنها منذ اللحظة الأولى، وإما مصلحة الدولة اللبنانية ومصلحة الحزب ومستقبله في لبنان. فكان أن رجحت كفّة مصلحة الحزب ومصلحة الدولة اللبنانية على كفة القضية الكبرى. وكان هذا متوقعا، لأن حزب الله ليس هو اللاعب الوحيد في لبنان، وقراراته تنطلق دائما من مصلحته وأجندته، وفي موازنات المصلحة وجد الحزب أن خسائره المستقبلية من وراء تدمير لبنان الدولة ستكون أكبر بكثير. ومما لا شك فيه أن صوت طهران كان حاضرا بقوة في اتخاذ القرار.
والسؤال: هل تخلى حزب الله ومن خلفِه إيران عن غزة؟
الجواب: لم يكن الحزب وإيران يحملان همّ قضيّة الأمة، حتى يتخليا عنها، بل لهما مشروع خاص بهما يعرفه القاصي والداني، فلما وجدا أن المصلحة تقتضي ما وصل إليه الأمر من اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان لم يكن اتخاذ القرار صعبا، فمشروع ولاية الفقيه فوق كل شيء وقبل كل شيء.
وسؤال آخر: هل هذا يعني أن حزب الله وإيران خرجا من دائرة الصراع الحالية؟
الجواب: لا. فهناك محطات ولكل محطة ظروفها ومحدداتها، وهناك فُرص، ولكل فرصة توقيتها ومعطياتها. وقد يتكرر مشهد إسناد غزة بأشكال جديدة مختلفة، طبقا للمصلحة ووفق موازين الربح والخسارة.
وسؤال ثالث: هل استفادت غزة من هذا الإسناد؟
الجواب: نعم. كما استفادت من كل الإسنادات الأخرى، كما يستفيد كل صاحب قضية من أي موقف داعم، وليس مهمّا من أين يأتي..
وسؤال رابع: هل سيسبب الوضع الجديد مشكلة لغزة؟
الجواب نعم… ربما أصبحت الحالة الغزّية في وضع أصعب الآن، وربما كانت تريد أمورا، ربما تؤجلها إلى حين…
3. لعله من المفيد التذكير بأن أسهم إيران وحزب الله قد تراجعت بشكل كبير جدا في أوساط المسلمين، خاصة السنة، بسبب ما وقع في سوريا إبان الثورة السورية، بعد أن ناطحت تلك الأسهم السحاب عقب حرب 2006، ثم جاءت هذه الحرب الحالية لترفع تلك الأسهم من جديد. فهي إذًا حرب على الوعي في الشارع الإسلامي. وأنصح هنا بعدم الوقوع في فخ التصريحات النارية التي يتناقلها الإعلام على لسان قيادات كبرى في إيران ولبنان هنا وهناك. فهي جزء من الحرب على الوعي. وأظن أن الكثيرين وقعوا في فخ التصريحات حتى باتت لديهم قناعة بأن مفتاح الحل سيأتي من هناك…! لذلك فإن الصدمة عليهم كبيرة بحجم التوقعات الواهمة.
4. تغيير الشرق الأوسط!!!! هكذا يردد نتنياهو بين الحين والآخر، ضمن مخطط المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى الهيمنة على المنطقة الإسلامية التي يطلقون عليها مصطلح “الشرق الأوسط”.
إذًا قد فهمتَ -لا بدّ- كما فهمتُ أنا، أن المسألة ليست غزة ولا تدمير حماس ولا حزب الله ولا تحرير الأسرى الإسرائيليين في غزة، فهذه كلها ليست أهدافا وإنما هي وسائل نحو تحقيق الهدف الاستراتيجي الأكبر: شرق أوسط جديد تابع خانع خاضع ذليل، قطيع مُطيع، يعمل لدى الخواجا الإسرائيلي ليأكل ويشرب من خيرات أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وربما، ربما يُسمح له بالتكاثر.
والسؤال: هل سيكون هناك “شرق أوسط جديد”؟
الجواب: نعم! بالتأكيد! حتما سيكون.
ليس لأن نتنياهو يريد، ولا لأن أمريكا تريد، ولا لأن أيّ تافه بشري يريد، بل لأن الله تعالى هو الذي أراد. فالتغيير قدرٌ من الله، وسيكون بقدر من الله.
سيكون “شرق أوسط جديد”. وأحسبُ أنه لن يكون على مقاس نتنياهو وبايدن وطرامب، الذين يريدونه خاليا من رأسٍ تُرفع وصوتٍ يعلو وموقفٍ لا يخضع.
سيكون “شرق أوسط جديد”… نعم سيكون..
أتخيّله شرقا خاليا من آل سعود وآل زايد وآل الأسد وآل السيسي وآل نهيان وآل خليفة وآل ثاني وآل ثالث وآل رابع.
5. ربما نجحت ظروف المعركة في تحييد جبهة لبنان وربما أيضا جبهة إيران، فهل وصلنا إلى خط النهاية؟ هل هو آخر المطاف؟ هل انتهت القضيّة عند هذا الحدّ؟
لا… القضية لم تنته، بل اللعبة هي التي انتهت، أما القضية فقد بدأت… بدأت تأخذ شكلها النهائي… الشكل الذي يجعلها خالصة نقيّة. هي قضيةُ ما بعد لبنان وما بعد بعد لبنان!!
سؤال أخير: هل تجد فرقا بين مقولة: اُعْلُ هُبل، ومقولة: يا يسوع… يا عذراء.. ومقولة: يا حسين… يا زينب؟؟